• كاتب صومالي – السويد (كذب من قال حطيت المضلع ... سلاح الجنب ما حطه بقاعه) للشاعر الشعبي شائف محمد الخالدي (1932-1998) في منتصف التسعينات من القرن المنصرم بث التلفزيون الرسمي اليمني إعلانات تثقيفية الهدف منها الحد من ظاهرة حمل السلاح المنتشرة بصورة كثيفة في اليمن السعيد.. كانت الإعلانات تصور رجلا مدججا بدزينة من الأسلحة النارية الكافية لاحتلال قرية صغيرة, وهو يدخل الى إحدى العيادات للعلاج. ويصور المشهد معاناته في نزع ترسانته لكي يكشف الطبيب عليه، ولم يكن المشهد في حاجة الى الكلمات لتوضيح المراد منه. ولكن من خلال معاينة ردود الفعل على الإعلان في ذلك الوقت بدا أن العديد من اليمنيين لم يجدوا فيه، ولا في غيره من الحملات حلا سحريا يدفعهم الى التخلي عن عادة موغلة في القدم ولها جذورها الاجتماعية والسياسية. فما يحدد ترك السلاح في اليمن ليس حملات إعلانية- بحسب العديد من اليمنيين- ولكن مجموعة من المتغيرات الأخرى التي لا يبدو أن الدولة تعطيها حقها. ظاهرة حمل السلاح في اليمن أثارت وتثير الكثير من الجدل خصوصا في ظل تقارير تشير الى وجود حوالي 60 مليون قطعة سلاح في اليمن- أي ثلاث قطع سلاح لكل مواطن يمني- مما يجعل اليمن الدولة الثانية في العالم على مستوى امتلاك الأسلحة الشخصية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويثير هذا الرقم مخاوف الدولة اليمنية خصوصا في ظل تزايد حوادث الخطف والإرهاب والصراعات القبلية وتكريس بعض القبائل لاستخدام لغة العنف مع الدولة للمطالبة ببعض المشاريع التنموية، وكذلك تكبد الدولة لخسائر كبيرة في معالجة ضحايا السلاح. ولا يمكن اغفال ضغوطات تمارسها جهات إقليمية ودولية على اليمن من أجل الحد من هذه الظاهرة، خصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر والاضطرابات في منطقة القرن الأفريقي حيث لم يعد السلاح اليمني قضية داخلية يمنية. ولا يمكن تكوين صورة واضحة عن هذه الظاهرة من دون العرض لوجهات النظر السائدة في البلاد حيال حمل السلاح والغوص في المبررات التي تدفع الأطراف المختلفة للوقوف مع أو ضد هذه الظاهرة أو المشكلة كما يحلو للبعض أن يسميها. فهناك من جهة المؤيد الكامل لها، وهي أغلبية لا يستهان بها، ترى بأن حمل السلاح أصبحت إحدى العادات اليمنية الأصيلة التي ترتبط في وجدان اليمني بالرجولة والدفاع عن النفس والمال والعرض، خصوصا في ظل سطوة القبيلة في الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية لليمن، وقصور الدولة عن ملء الدور القبلي الظاهر للعيان بشدة، وانتقائيتها في توزيع المشاريع التنموية وخصوصا في ظل شكوى هؤلاء من انعدام نزاهة القضاء، مما دفع الكثير منهم الى الالتجاء الى نظم التحكيم القبلية التقليدية.. بل حتى أن التبرير لدى هذا الفريق لا يقتصر على الشأن الداخلي لليمن بل يتعداه ليشمل حماية اليمن من الهجمات الخارجية، مستدلين بدول عديدة تعرضت للغزو ومفندين اختصاص الدولة الحصري بالحماية الداخلية والخارجية. ومن المثير للدهشة أنه ينطوي تحت لواء هذا الفريق أفراد يشكلون عصب الحياة السياسية في اليمن من أعضاء مجلس نواب وقيادات قبلية ذات تأثير كبير وقادة أحزاب سياسية وغيرهم, مما يثير التساؤل حول فاعلية دعوة الدولة الى إنهاء هذه الظاهرة. الفريق الآخر يقف على النقيض، ويستند بشكل أساسي على تنافي فكرة الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على حماية الدولة للحريات الأساسية وبين حمل السلاح، مستدلين بالأرقام التي توضح خسائر اليمن في الأرواح والأموال المترتبة على هذه الظاهرة، والتي تقدرها بعض الدراسات ب 20 مليار دولار خلال العشرين سنة الماضية، و40 ألف جريمة متعلقة بالسلاح, ويرون أن حمل السلاح يعوق الاستفادة من الآثار والوجهات السياحة النادرة في اليمن والتي قد تساهم في رفع الاقتصاد الوطني. في ضوء الجدل الحاصل يتبين أن على الدولة اليمنية وضع خطة عمل طويلة الأمد مبنية على دراسات واقعية من أجل تحديد الطريق الأنسب للتعامل مع المشكلة. فهناك طريق سهل وهو إغلاق بعض أسواق السلاح وشراء السلاح من المواطنين، ولكنك تستطيع شراء السلاح من أي مكان دون الحاجة الى سوق, وربما استجاب عدد محدود من الأشخاص لحملة بيع السلاح للدولة في ظل أعراف قبلية صارمة تنظر نظرة دونية الى الشخص بدون سلاح, في نفس الوقت الذي قد يعمد فيه بعض الأشخاص الى الاستفادة من الدولة في تغيير موديل السلاح فيبيعون للدولة سلاحا قديما ويشترون بدله سلاحا جديدا "وكأنك يا بو زيد ما غزيت". الأهم هو تحديد الأسباب وراء ظاهرة حمل السلاح، والعمل على حلها مرحليا على فترات، وعندها لن يكون المواطن في حاجة الى سلاح. ومن المؤكد أن الطريق ليس سهلا في بلد يحتفل فيه بالأعياد بسباقات "النصاع" الرماية باستعمال السلاح الناري, وتدخل فيه العروس الى عشها الزوجي بالعبور فوق بندقية موضوعة على الأرض، وعلى أنغام الرصاص الذي يلعلع في السماء..! دامت اليمن ودمتم. [email protected]