قيل أن بلاد السعيدة أكبر متاحف الشرق المفتوحة، وقبلة السياحة الثقافية في الشرق الأوسط.. غير أنها اليوم لا تبدو سعيدة، فأسواق التحف في تعز تغفو تحت سماء الكساد منذ ما يزيد عن الثلاثة أشهر.. والسواح ما عادوا يمرون من أمام عتباتها.. فشبح الاختطافات "القبلية" يطاردهم من خلف الحدود، فيما المغامرون منهم في دخول اليمن تطاردهم أقدام عشرات المترجمين، وأنصاف المترجمين، وتكدر عليهم ساعات تجوالهم، فيما المعنيون بأمر السياحة يتوارون منذ سنين في غرف الاجتماعات، وخلف طاولات التنظير، وعدسات الإعلام!! "نبأ نيوز" بحثت عن السواح في أسواق تعز، فلم تجد أحداً منهم، لكن بائعي التحف والفضيات والحلي في المدينة أخبرونا أن أعداد السواح الأجانب الذين يرتادون محلات التحف انخفض بشكل كبير جداً مقارنة بالسنة الماضية... البعض أرجع السبب في حالة الركود تلك إلى حوادث الخطف التي شهدتها اليمن مؤخراً، فيما عزا البعض الآخر الأمر إلى عوامل أخرى منها: ضعف الترويج السياحي في الخارج، ووجود ممارسات سلبية من قبل المترجمين الذين يتطفلون على السواح، من خلال توصيلهم بسياراتهم إلى بعض محلات التحف مقابل عمولة، يطلبونها بوقاحة.. يقول سمير العامري– عاقل سوق الفضة والتحف بتعز وصاحب مستودع التحف القديمة بشارع 26 سبتمبر: أن مشكلة مهنة بيع التحف بتعز تتمثل في كثرة السماسرة والدلالين والمترجمين غير المؤهلين، والذين يسيئون إلى السياحة.. ويضيف العامري- الذي يعمل في مهنته منذ 25 عاما: أن السواح في أمانة العاصمة يترك لهم كامل الحرية في التجول في سوق بيع التحف دون ضغط أو تأثير من قبل المترجمين، على عكس سوق بيع التحف بتعز حيث يقوم المترجمون بتوصيل السواح إلى محلات معينة مما يؤدي إلى تضرر محلات بيع التحف الأخرى. وكشف العامري: أن تلك الممارسات السلبية أدت إلى إغلاق كثير من المحلات، منها عدد سبعة محلات في حارة المظفر من أصل 12 محلاً كانت تمارس عملها قبل بروز تلك الظاهرة السيئة؛ في حين كان هناك خمس محلات في منطقة الأشرفية اضطر أصحابها إلى إغلاقها جميعا. وطالب العامري بإلزام هؤلاء المترجمين بالسير وراء السواح وليس أمامهم، وإعطائهم الحرية الكاملة في التجول والتسوق, منوهاًً إلى مضايقات أخرى للسواح تتمثل في تفشي ظاهرة الباعة المتجولين الذين يلاحقونهم من شارع إلى أخر. من جانبه يقول نجيب العامري- صاحب محل تحف وفضيات في حي المظفر بتعز: إن سوق بيع التحف والحلي والفضيات والصاغة بتعز أساسا مضروب منذ عام 98م، ولم يعد للسوق حركته النشطة المعروفة كما كان, مرجعاً السبب إلى حوادث خطف الأجانب في اليمن. وفيما يخص ركود سوق بيع التحف بتعز، أكد: أن هذا راجع أيضا إلى من أسماهم ب"المطوفين" من المترجمين الذين يطوفون بالسائح حسب مزاجهم، ولمن يدفع لهم .. وقال: "من حفظ كلمتين إنجليزي تعرف على سائح في الشارع وقاده إلى محلات معينة مقابل عمولة, ناهيك عن المترجمين الذين يغررون على السواح ويقومون بغشهم ولا يتركون لهم حرية التسوق والحركة".
ويعتبر أحمد على السامعي– أحد أشهر بائعي التحف بتعز منذ أربعة عقود: أن مهنة بيع التحف مرتبطة بالسائح الأجنبي فإذا تعرض السواح لعملية خطف وتهديد لحياتهم تصاب السوق بركود شديد كما هو حاصل هذه الأيام, موضحا أن سوق بيع التحف كان يشهد خلال نهاية وبداية كل عام ميلادي حركة نشطة ولكن هذا العام هو في أسوأ حالاته منذ سنوات، مرجعا السبب لحوادث الخطف الأخيرة في أبين ومأرب. أما وهيب المليكي– صاحب محل لبيع التحف والفضيات بشارع جامع المظفر بتعز- قال: إن سوق بيع التحف تعرض لكساد كبير وان الحال كما هو مشاهد اليوم، مشيرا إلى أن ظاهرة عمولة المترجمين أدت أيضا إلى إلحاق الضرر بالعديد من المحلات. وأضاف: يفترض بالمترجم أن يتمتع بالإخلاص لوطنه وان يكون مثالا للأخلاق في تعامله مع السواح, منوهاً إلى إن معظم المرافقين غير يمنيين ويهمهم فقط كيف يكسب من وراء أصحاب المحلات ولا يهمه سمعة اليمن، والضحية دائما ضرب السياحة وتشويه سمعة البلد, مطالبا بمزيد من النظافة في شارع التحف مديرية المظفر. هذا وكان محافظ محافظة تعز حمود الصوفي قد وجه في وقت سابق بوضع حد لتلك الممارسات وذلك على خلفية شكوى تقدم بها عدد من بائعي التحف بالمدينة. وأفاد أصحاب محلات بيع التحف في شكواهم: إن بعض مترجمي الوكالات السياحية يقومون بدور السماسرة بين السواح الأجانب وبعض من أصحاب محلات بيع التحف، واصفين تلك الممارسات بالرخيصة والمسيئة إلى سمعة السياحة واليمن, مؤكدين إن هؤلاء المترجمين يعملون على تضليل السائح بإظهار سلع أصحاب بعض المحلات بغير حقيقتها مقابل عمولة غير مشروعة. ونوهوا إلى أن هذه الظاهرة لا توجد إلا في محافظة تعز. وطالب أصحاب هذه المحلات المتضررة محافظ المحافظة مخاطبة الوكالات السياحية بإلزام المترجمين التابعين لها بعدم لعب دور السماسرة مع السواح وأصحاب بعض المحلات، وفرض غرامات على هذه الوكالات المخالفة وعند تكرار حدوث ذلك يتم سحب تراخيصها. كما طالبوا بوضع رقابة دائمة على تلك الوكالات والمترجمين التابعين لها والتعامل مع قضيتهم بجدية وحزم لما من شانه كسر الاحتكار وازدهار الحركة السياحية في المدينة. جدير بالذكر أن ظاهرة (عمولة المترجمين) عادت من جديد بعد أن كان جميع باعة التحف بمدينة تعز قد وقعوا وثيقة اتفاق في شهر ابريل 2007م نص على وضع الضوابط الكفيلة بإنهاء ظاهرة السماسرة والمترجمين والدلالين وإتاحة المجال إمام السواح والمتسوقين للتجول في جميع المحلات دون تأثير أو مضايقة من أي أحد من أصحاب المحلات أو الدكاكين أو السماسرة والمترجمين، بحيث يلتزم كل مترجم بعدم الخروج إلى الشارع من المحل الذي يعمل فيه أثناء تأديته لعمله لغرض استقبال أي سائح أجنبي أو مواجهتهم أو استقطابهم إلى المحل، كون ذلك يؤدي إلى إثارة المشاكل بين أصحاب المحلات، ويعكس صورة غير حضارية عن البلد.