في البلدان المتحضرة، للشموع مكانة خاصة لدى العشاق. وهناك في نفس البلدان المحترمة للضوء الخافت دلالة رومانسية وهنا في بلادنا "المحترمة" نكره الشمع "كره العمى" وأصبحنا لا نطيق الجلوس "بإرادتنا" في ضوء خافت لا لكرهنا للرومانسية والحب بل لارتباطهما في مخيلتنا بمأساة ال"طفي لصي" واصبحنا كمن مر بتجربة سيئة في حياته وأصبح يكره من جرائها كل ما يذكره بها. ولا أخفيكم علماً أن الكثير من اصدقائي اتهموني بالجنون عندما أخبرتهم أنني أسمع ضحكات سخرية للشمع وأرى لها عينين تنظران لي بشماته وحاجبين يرتفعان وينخفضان باستفزاز كلما حاولت أن أشعل شمعة بل أنني أصبحت عندما اغمض عيني لأنام أرى بكل وضوح لهب الشمعة وهو يتراقص بدلع "ماسخ" والشمعه نفسها تخرج لي لسانها وتتمايل وتقول: "طفوا الكهربا طفوا الكهربا". ومن تبعات هذه المأساة اليومية أصبحت أعشق أسماءً لها علاقة بالتيار الكهربائي كأنوار ،نور، مصباح، ثريا وفي المقابل اصبحت أمقت أسماءً معينه كشمعة، مشاعل، مشعل. وكما يقال فإن في المحن والشدائد تُعرف معادن الرجال ولكنني وللأسف ظهر لدي الجانب اللئيم من شخصيتي فلقد صرت أستمتع إن كنت في مجلس ما وحصلت "مشاحنه"بين طرفين لأنني أعلم أن هذا سيؤدي إلى "تكهرب الجو". ومن مبالغات الإحباط أصبحت أحسد من يموت بالتماسٍ كهربائي فهو على الأقل لامس الكهرباء ولامسته. وعندما أحاول أن أخرج من بحر اليأس وأنجو بنفسي أشعر أنني بت أقرب للغرق وذلك عندما أتذكر الأغنية الثورية الفلسطينية وصوت منشدها الحزين الباكي الشاكي وهو يشكو الى أمه: "قطعوا علينا الكهربا والميه وانتي غايبه" تخيلوا أن من في فلسطين بظروفهم الصعبه ومعاناتهم الأليمة ومأساتهم الدامية ورغم ظروف الاحتلال المستمر منذ عام 48 ورغم البطش والظلم واللانسانية في عدوهم الصهيوني إلا انه يرى ان انقطاع الكهرباء مأساة يجب أن يشكوها لأمه. لم تعد الكهرباء جانباً من جوانب الرفاهية فدعك ممن لا يستفيد منها إلا لمشاهدة التلفاز أو لمن لا يعرفها سوى إن أراد أن يلعب بجهاز البلاي ستيشن الشيطاني أو دعك من ذلك المرفه التافه الذي يريد أن يستذكر دروسه فهو بمقدوره أن يستذكر -ان كان جاداً-على ضوء الشموع!! وهذا طبعاً إن اقتنع الأخوة في الكهرباء بضرورة التعليم فهم كما نعلم جميعا يستمتعون كثيرا عندما يحل موعد الامتحانات لأنه في الوقت ذاته موسم انقطاع الكهرباء ودعك من ربة البيت المدلعة التي ولظروف قرننا الواحد والعشرين أصبحت تعتمد على الكهرباء في الطبخ وتنظيف البيت وغسل الملابس وهنا سأضم صوتي بدون أي جدال إلى صوت الأخوة في الكهرباء وأصرخ بصوت جهوري: "وكيف كانين يفعلين امهاتينا وجداتنا". ودعك ودعك ودعك فهناك جانب"ترفيهي" كبير في وجود الكهرباء ولكنني أفكر بمن يعتمد رزقه ودخله وقوته وقوت أولاده على الكهرباء فهناك الكثير من المهن التي تعتمد اعتماداً كلياً على أدوات وأجهزة لابد أن تشتغل بوجود هذه "البدعة النصرانية" المسماة بالكهرباء وإلا فإن دخله سيتعرض "لملطام اعمي ادور" وأغلب هذه الدخول في الأساس قد تعرضت لأكثر من ملطام بسبب ظروف الحياة المعيشية. طبعاً لن أتكلم عن الخسائر التي تتكبدها الحكومة بسبب انقطاع الكهرباء فهو موضوع أكبر مني ولكن يمكن أن أذكر اللعن الذي تتحمله الحكومه يوميا من 20 مليون مواطن يمني "على افتراض أن البقية لديهم مولدات" وأعتقد أن الحل يجب أن يكون عسكرياً فعلى غرار الحكومات العسكرية التي تتشكل في الدول التي تعاني من حروب أو أزمات كبيرة، يجب أن نشكل وزارة عسكرية يكون وزيرها بمرتبة لواء إن لم يكن برتبة فريق ويعين وكلاءه من خيرة رجال السلك العسكري ويتم انتقاء الموظفين من الجنود المخلصين للوطن والثورة والوحدة. لنا الله،، تنقطع الكهرباء يوميا بمعدل لا يقل عن 5 ساعات وعندما انطفأت لدقائق قي بلدان محترمة وليوم واحد ظل السكان "مقعيين" من الدهشة وعدم التصديق لسنوات لاحقة بينما "نقعي" نحن من الدهشة عندما تعود الكهرباء من هول الدهشة والمفاجأة من هذه التكنولوجيا التي لم نعد نعرفها. نصيحة أخيره للحكومة:- كانت في السابق تعزى الزياده في عدد السكان إلى انقطاع الكهرباء لأن في ظل عدم وجود أي ترفيه فإنجاب الأطفال يصبح تسلية لطيفة ولكن حاليا وفي ظل الأحوال التعيسة للغاية لم يعد المواطن اليمني يميل إلى هذه التسلية وبالتالي فالفراغ يدعوه للتفكير، فهو في يومه مغيب لكثرة همومه، ولكن إن اضطره الفراغ للتفكير فهو سيفكر بلا شك، ومن المؤكد ان التفكير "مش في صالح الحكومة". تعجب:- في البلدان المحترمة التي ذكرتها في بداية مقالي يحتفلون سنوياً بفصل التيار الكهربائي لمدة ساعة يوميا تعجبوا يا رعاكم الله.