في ظل تنامي العنف والإرهاب في أرجاء عديدة من العالم تتعزز ثقتنا بأن المسألة الدينية التي أرجعت الدوائر الأمنية نشأة حواضن الإرهاب إلى تطرفها الفكري لم تكن هي الأصل في الظاهرة، حيث إن جميع التيارات والتنظيمات القائمة حالياً والمتهمة بالتطرف والإرهاب لا تضع أدنى حساب لمناهجها العقائدية، وهي اليوم تهرول إلى عقد التحالفات مع بعضها البعض، ومع أي قوة مستعدة لقبول شراكتها حتى وإن كانت من ألد خصومها في العقيدة والمذهب. فتنظيم القاعدة الذي يمتد بعمقه التاريخي إلى أيام «الجهاد الأفغاني» ضد الاتحاد السوفيتي هو اليوم حليف قوي لبقايا التيارات السياسية العربية القائمة على الأيديولوجية الماركسية ومنها «الحراك الانفصالي» في اليمن، طبقاً لتصريحات القاعدة نفسها.. كما هو حليف ل"الحوثي"، رغم هوّة الخلاف المذهبي بينهما، والذي يصل في أدبيات كل منهما إلى حد فتاوى التكفير وهدر الدماء.. وفي العراق لم تتردد القاعدة في بناء تحالفات مع قوى ليبرالية، وقومية، وحتى غير إسلامية، ضاربة بكل مناهجها الفكرية عرض الحائط إن لم نقل إنها انقلبت 360 درجة على كل مرجعياتها. ومن خلال أمثلة وتجارب كثيرة جداً نجد أن التنظيمات الإرهابية باختلاف تسمياتها لم تترجم خطاً فكرياً أو ثقافياً ثابتاً في سلوكياتها على أرض الواقع، وإنما كانت تجد لكل حالة المسوغات التي تمنحها الصفة الشرعية التي تقنع بها عناصرها، وتتظاهر من خلالها بالولاء لعقائدها المعلنة.. ولعل ذلك الحال ينجر أيضاً على "الحوثيين" الذين منحوا أنفسهم صبغة دينية «مذهبية»، ورفعوا شعار «الموت لامريكا واسرائيل واللعنة على اليهود»، غير أنهم على أرض الواقع لا يمتون بأي صلة لهذا الشعار، ولم يسبق لأي من زعاماتهم أن أصدر بياناً واحداً مناهضاً لامريكا وإسرائيل، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد صوبوا كل ما حشدوا من سلاح إلى صدور أبناء وطنهم المسلمين.. والأدهى من ذلك هو أن يحيى الحوثي عندما اشترطت عليه الوساطة القطرية في الحرب الخامسة مغادرة البلاد، وخيرته بين قطر والامارات أو دولة أوروبية، فضل اللجوء في ألمانيا رغم ان ألمانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي شرعت قانوناً يجرم الإساءة لليهود.. !! وبالتالي فإن جميع الأعمال الإرهابية التي تنفذها هذه التنظيمات المتطرفة، التي تجعل من الدين منهجاً لاسباب وجودها هي في الحقيقة لم تنطلق من خلفيات دينية قط، وإنما من منطلقات تفاوتت بين سياسية، ومادية، واقتصادية، إلا انها تجد في عباءة الدين مناخاً مثالياً لاستقطاب العناصر الذين تستخدمهم حطباً لتوهج نفوذها، كما أنه ستار أخلاقي يحجب الأنظار عن أنشطتها، علاوة على ان ارتباطه بمعتقدات الناس جعل الاقتراب منه من قبل الأجهزة الحكومية خطاً أحمر، إذ إن الاقتراب من الأنموذج الديني «المثالي» في نظر قطاع واسع من الناس البسطاء قد يؤجج مشاعر الغضب ويتحول إلى انتهاكات للحريات الدينية في الحسابات الديمقراطية.. إن الحقيقة التي للأسف ما زالت الأغلبية العظمى غافلة عنها هي أن التنظيمات «الدينية» الإرهابية أصبحت مؤسسات للمرتزقة تلجأ إليها بعض الأنظمة، وكبار رجال الأعمال الفاسدين، وكبار الشركات، والسياسيين فيدفعون لها مقابل إيصالهم إلى مآربهم، أو حماية فسادهم من خلال قدرة هذه التنظيمات على زعزعة الاستقرار وإرباك السلطات.. وما يحدث في صعدة، ما هو إلا صفقة خارجية لمخططات تآمرية كبيرة، قبض الحوثي ثمنها في برلين، ليجعل من آلاف الفقراء والأميين حطباً لدفء العيش الذي ينعم به، كما هو حال ما تفعله قيادات الحراك الانفصالي في الخارج..! ربما علينا أن نثق بأن "إبن لادن" و"الظواهري" وغيرهما من زعامات القاعدة لم يعد لهما أي وجود، وما هو كائن من تنظيم "القاعدة" ليس إلاّ نسخة مزورة صنعتها أجهزة أمنية عالمية، لتسلطها كالسيف على أعناقنا، وتذلنا بأساطير جبروتها، وباسم ديننا.. أي أن "بن لادن" أصبح أشبه ب"صياد" أو "أم الصبيان" التي كانت جداتنا وأمهاتنا تقصها علينا كلما عاندنا بأمر، كي يدب الخوف في نفوسنا، فندس رؤوسنا في أحضانهن وننام بهدوء حتى الصباح...! ولكن.. من يقنع هذه الأمة بالحقيقة..؟ ومن يجرؤ على وضع حد للمتاجرين بالدين..؟ ومن أين لنا بأئمة تعلم أبناءنا الدين على أنه قيم، وأخلاق، وحسن معاملة، وليس ذقون ومسابح وفتاوى وترتيل من غير علم بشيء أو مما نقول..!!؟