تواجه جمهورية ألمانيا الاتحادية، ثاني تجربة وحدوية يشهدها النصف الثاني من القرن العشرين- بعد تجربة الوحدة اليمنية مايو/ 1990م- لخطر تنامي التوجهات الانفصالية، في ظل "حراك" آخذ بالتنامي تحت جنح منظمات مدنية حقوقية، ومؤسسات ثقافية ألمانية بدأت مؤخراً بتصعيد أنشطتها المطالبة بإلغاء "التمييز العنصري" ضد سكان كما كان يعرف ب"ألمانيا الشرقية". فبعد مرور (19) عاماً على إعادة توحيد شطري ألمانيا (الشرقية / الغربية)، قالت مؤسسات مستقلة: أن كثيراً من المواطنين الذين يعيشون في ما كان يُعرف بألمانيا الشرقية سابقاً مازالوا يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية معهد «ألينسباخ» لقياس مؤشرات الرأي، أجرى استطلاعاً للرأي مؤخراً، أظهرت نتائجه أن (63٪) من سكان الولايات الواقعة شرق البلاد على قناعة بأن الاختلافات بين الولايات الشرقية والغربية لاتزال أكبر من إجمالي العوامل المشتركة التي حققتها الوحدة الالمانية. وقالت رئيسة المعهد "ريناته كوشر": إن (42٪) من الألمان الذين يعيشون في شرق البلاد يشعرون بأنهم مواطنون «درجة ثانية». في المقابل، أظهر الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة "بيلد" الألمانية مطلع الأسبوع الجاري أن 46٪ من سكان الولايات الشرقية يرون أن هذا الشعور "غير مبرر". من جانبها حذرت "ساندرا إيفانس"- رئيسة مركز البحوث الاستراتيجية- من خطورة ما تقوم به بعض المنظمات والمثقفين والصحفيين من تعزيز لمشاعر التفرقة بين الألمان على خلفيات الحالة الانفصالية السابقة، ورأت في تصنيف شعب المانيا ضمن أقاليم ألمانيا الشرقية على ذلك النحو- درجة ثانية- بأنه "غير مبرر ولا أساس له عملياً"، مشيرة ألى "قوة المؤسسات الدستورية للدولة التي تمنع مثل هذا التمييز". ووجهت "إيفانس" أصابع الاتهام الى "تيارات عنصرية" وصفتها بأنها "غير ذات أهمية في الحياة الالمانية"، إلاّ أنها لم تقلل من خطورة تحولها الى مصادر قلق لاستقرار ألمانيا الاتحادية إذا ما وجدت من يغذيها وينميها. ومع أن الوحدة الألمانية في (3/أكتوبر/ 1990) تحققت بعد أقل من خمسة أشهر من الوحدة اليمنية (22/ مايو/ 1990م)، فإنها تتشابه معها أيضاً في أن كلاهما كان اندماجياً مع جزء من مكونات "الكتلة الاشتراكية" العالمية، رغم أن ألمانيا "الغربية" أقصت كل قيادات ألمانيا "الشرقية"، وحلت كل مؤسساتها، ولم تشركها في دولة الوحدة .. لكن التشابه الجديد هو أن الخطوة الأولى لظهور الحراك الانفصالي في اليمن اتخذ نفس المنحى الحقوقي الذي يتردد حالياً حول ألمانيا الشرقية، إذ أن إنفصاليي اليمن قالوا أنهم "مهمشون" واتهموا أبناء "الشمال" بالاستحواذ على كل شيء، مثلما يقول سكان أقاليم المانيا الشرقية اليوم بأنهم مواطنون "درجة ثانية". الترويج لتلك المظالم الحقوقية بدأ في اليمن على ألسن منظمات مدنية وقوى حزبية ومراكز حقوقية، وبأنشطة مماثلة جداً لما ذهب إليه معهد «ألينسباخ» لقياس مؤشرات الرأي في ألمانيا، ثم وجد من يهولها، ويحولها الى قضية سياسية ذات أبعاد انفصالية يتداولها الجميع باسم "الديمقراطية"! ومن التوافقات الغريبة أن علي سالم البيض– آخر رؤساء الشطر الجنوبي من اليمن- والذي يقود الحراك الانفصالي حالياً- يتخذ من ألمانيا الاتحادية مقراً له وللكثيرين من قيادات الحراك الذي يستهدف تمزيق وحدة اليمن، الى جانب قيادات التمرد الحوثي في صعدة.. وهو الأمر الذي يثير التساؤل: إن كانت ألمانيا الاتحادية ستشرب من نفس كأس السم الذي تتجرعه اليمن اليوم بأوامر تنطلق من على أراضيها.. وإن كان الألمان "الشرقيون" سيستفيدون من خبرات انفصاليي اليمن المقيمون على أراضيهم في كيفية تحويل الاحساس بانهم مواطنين من "الدرجة الثانية" الى حراك تخريبي يجتاح الشوارع، ويحرق المدن، ولا يرضى بغير العودة الى أحضان النازية..!؟ إقرأ على نبأ نيوز: الوحدة الألمانية.. قصة إنبعاث من جحيم الخراب إلى الفردوس (ملف خاص) جدار برلين .. أسطورة حطمتها الوحدة الألمانية (ملف مصور)