أبرز الباحث الإيطالي ورئيس تحرير دورية «الشرق الحديث» التي تصدر عن معهد الدراسات الشرقية في روما كلاوديو لوياكون نموذجين من الاهتمام الايطالي المبكر بتاريخ المسلمين والعرب، بعيداً من العلاقة الإيطالية/ الإسلامية التي ارتبطت ذهنياً بالفتح الإسلامي لجزيرة صقلية أو الاستعمار الإيطالي لأجزاء عربية في ما بعد. لوياكون على رغم اعتقاده بأن «إيطاليا مقارنة بالبلاد الانكليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية لا تحتضن سوى القليل من الدراسات المخصصة للجوانب التاريخية والأدبية واللغوية والفنية للثقافة الإسلامية»، إلا أنه لفت إلى ما لاقته المقارنة التي ليست في مصلحة إيطاليا من سخط بين الباحثين الذين اكتشفوا أن التوجه نحو «معرفة حضارة بحجم الحضارة الإسلامية والتعامل معها على مستوى بلدان المتوسطي أو الدولي، لم تكن بالمستوى الذي يجب». غير أن هذا التقصير يمكن التكفير عنه بالحديث عن عالمين اثنين، هما في واقع الأمر شيخ وتلميذه قاما بإبراز وجود إيطاليا في مجال الدراسات الإسلامية الأدبية خلال القرن العشرين، خلفاً لسلفهما لميكيلي أماري الذي كتب في القرن التاسع عشر «قصة المسلمين في جزيرة صقلية»، في مبادرة لقيت تشجيعاً من جانب السلطات الإيطالية التي ترجمت الكتاب ووضعته في متناول أيدي العرب. وفي إشارة إلى ما يمكن أن ُيفهم منه بقاء التأثير الإسلامي في وجدان الصقليين، يشير لوياكون إلى أن العالم الذي قاد الاهتمام بالدراسات العربية في إيطاليا القرن العشرين هو أيضاً من جزيرة صقلية، وإن كان «تقلد منصب وزير التعليم في إيطاليا الموحدة بين 1862 و 1864 واشتهر بقوة شخصيته»، يساعده في ذلك انتماؤه إلى «عائلة ارستقراطية، تعد من أغنى العائلات ذات الثقل السياسي في المشهد الإيطالي، في ذلك الحين. إنه المؤرخ الكبير، ليوني كايتاني الذي أكمل نضاله في «بناء رؤية عن الحضارة العربية الإسلامية مستقلة عن الأخرى الأوروبية»، تلميذه جورجو ليفي ديلا فيدا. لوياكون في بحث مطول استعرضه في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض أخيراً لم يكن يهدف الى أكثر من تقديم كايتاني وديلا فيدا كنموذجين متفردين في خروجهما عن سياق النظرة إلى الإسلام غربياً في القرن العشرين، إلا أنه استغرق أكثر في سيرة الأستاذ وتلميذه الذاتية، مع إشارات موجزة عن منهج الأول في تأليفه كتاباً عن «سنوات الإسلام» والثاني في مواقفه ورؤاه السياسية والفلسفية. الأول (الأستاذ) في نظر الباحث، اهتم بترسيخ منهج دراسة «الحضارة العربية والإسلامية من جوانبها التاريخية والدينية معاً»، معتبراً ذلك كفيلاً بفهم أفضل لها، الأمر الذي يرى الباحث لوياكون أن «الغرب نجح في إدراكه وتحقيقه بعد مشقة»، كما يقول. وبحسب الباحث أيضاً، كان مفرط الحساسية من «المترجم» بصفته «لا يعطي فرصة للتفكير والعقل» وهو شك منهجي «صاحبته ثقة كبيرة منه بأن النقد هو الجسر إلى الحقائق». غير أن منهجه النقدي لم يمنعه من الإشادة بشخصيات «أثرت في مجرى التاريخ الإسلامي، في صدارتها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان بن عفان»، على حد قول الباحث لوياكون. أما الثاني وهو (التلميذ)، فإن أهم ما أخذه عن أستاذه النجيب «الأخذ مباشرة من النص الأصلي وتهميش ما عداه، إضافة إلى التخلص من الإيجابية الساذجة التي ترى إمكان الوصول الى الحقيقة التاريخية» في كل جزئياتها. وتشرُّب تلك القناعة من جانب التلميذ ربما كانت ما دفعه إلى القول لاحقاً: «الحضارات الشرقية يمكن إخضاعها للفحص كأي حقل آخر، مع تجنب النقاش الديني وتجنب الصدام الإيديولوجي». لكن نظرة ديلا فيدا الإيجابية هذه في نظر الباحث مرت باستثناء عندما كتب عام 1955 أن «الإنسان هو حيوان يعتقد في الدين كما هو حيوان يفكر بالمنطق، ونشاطه الفكري لا ينجح أبداً في التغلب على غريزته في التملك». بيد أن ديلا فيدا وصف هذه المقولة في وقت لاحق بأنها «نوع من أخطاء الشباب التي يتم تصحيحها مع تقدم العمر». ومع أن الباحث الإيطالي لوياكون خلص إلى القول بأن مواطنيْه كايتاني وتلميذه ديلا فيدا «دافعهما إلى أبحاثهما الخارجة عن السياق في ذلك الحين هو اللهفة إلى تتبع الفضيلة والمعرفة»، إلا أنه بإبرازه هذين النموذجين بدا كمن يريد الانتصار للمستشرقين بعد انتقاد الراحل إدوارد سعيد لهم في كتابه «الاستشراق»، وهو ما عبر عنه صراحة وإن في جملة معترضة باعتباره مسلك إدوارد «غير عادل»، نظراً لكونه «يتجاهل بسبب صعوبات في الترجمة ما كتبه كايتاني على سبيل المثال». الحياة