في مثل هذه الأيام من العام قبل الماضي استلمت صنعاء من المغرب شعلة عاصمة الثقافة العربية وقبل عام من الآن سلمتها صنعاء إلى الخرطوم، وما بين هذين الحدثين لم نشهد فعالية واحدة تترسخ في الأذهان، أو تترك انطباعاً لا يزول بسهولة، وليس ذلك عن قلة الفعاليات، ولكنها غثاءٌ كغثاء السيل. فالأرقام تذكر 789 فعالية، و165 محاضرة، و112 معرضاً، و400 إصدار، و600 تكريم، و3060 شخصية مستضافة، وهلل الجميع وكبّر لهذه الأرقام باعتبارها منجزات لا يقدر عليها إلا رجلٌ عظيم، فزايد من زايد عن لؤم، وبارك من بارك عن حب، لكن أحدهم لم يصدق القول إما خوفاً أو جهلاً. وصدق القول –لمن يهتم- أن كل هذه الأنشطة والفعاليات لا قيمة لها في صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004 لأسباب عديدة، منها: . إن كل هذه الفعاليات فعاليات "روتينية"، أي أنها من صميم عمل وزارة الثقافة سواء احتفلت صنعاء بعاصمة الثقافة أم لم تحتفل. . إن الفعاليات المذكورة كلها "آنية"، يصفق لها من صفق، ثم تتلاشى تماماً بعد انتهاء الفعالية، ولا يعود لها من ذكر بين الناس. . إن الفعاليات المذكورة "سريعة القطاف"، وكأن زارعها يستعجل القطاف، فإما يقطفها قبل نضوجها، أو يستعمل الكيماويات لتسريع نضوجها. إلا أن شجرة طيبة الثمار نبتت بشكل طبيعي، فقد رعاها زارعها منذ البداية، بهدوء الواثق، وخبرة المحنك، ومهارة ابن الأرض الذي أعطاها وأعطته، فنمت هذه الشجرة دون استعجال، وأثمرت ثمراً طيباً، ولا يعرف طيب الثمر الأول إلا المزارع الفلاح المرتبط بالأرض، وكما قال الشاعر الكبير مطهر الإرياني: يا حارس البن بشراك موسم البن داني ما للعصافير سكرى بين خضر الجنانِ هل ذاقت الكأس الاول من رحيق المجاني فاسترسلت تطرب الأكوان باحلى المغاني إن هذه الشجرة الطيبة المثمرة هي "يومٌ جديد في صنعاء القديمة"، ولعلها تكون يوماً جديداً في الثقافة اليمنية، فهذه الشجرة المثمرة قد مدت جذورها في الأرض، ويمكننا إذا تابعنا رعايتها أن نجني منها في كل موسم ثمراً طيباً، وهذه دعوة لكل "فلاح مزارع" في مجال الثقافة أن يزرع، ويرعى، ولا يستعجل. يصطدم البعض بجدار الواقع، والسبب في ذلك أنهم يسرعون في سيرهم وينظرون تحت أقدامهم، فلو نظروا إلى الأمام وساروا بهدوء ما اصطدموا بهذا الجدار.