انخفاض مفاجئ لدرجات الحرارة يوم غد    المغرب إلى نصف نهائي مونديال الشباب بثلاثية في أمريكا    إصلاح البيضاء يختتم الدوري الرياضي الثاني للطلاب بتتويج فريق 30 نوفمبر بطلا للدوري    الذهب يواصل الصعود التاريخي    وكيل وزارة الخارجية يلتقي المدير الإقليمي للصليب الأحمر    القسام تعلن الإفراج عن 20 أسيرا إسرائيليا وتسليمهم إلى الصليب الأحمر    الانتقالي يصف فعالية الضالع ب"الحاشدة".. وتيار الشنفرة يعتبرها مقياساً لتراجع شعبيته    الإمارات تقود السلام.. من غزة إلى عدن    أزمات متكررة ومعاناة لا تنتهي    إيران تحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث احتياطيات الغاز    الرئيس الزُبيدي: نمضي بثبات على طريق الجنوب الفيدرالي    نقابة الصحفيين اليمنيين تدين اعتقال صحفي في تعز وتطالب بسرعة الإفراج عنه    القلم الذي لا ينقل أنين الوطن لا يصلح للكتابة    المرة الخامسة.. غانا تتأهل إلى كأس العالم    من هو إقبال صاحب فرحة العراق؟    تهامة سلة أمننا الغذائي (1)..شريان الحياة في تهامة: حكاية وادي زبيد    رابطة حقوقية تدين بشدة اختطاف وإخفاء المحامي صبره وتدعو المليشيا لإطلاقه فورا    ديمبيلي يحتفل بالكرة الذهبية في مسقط رأسه    هيئة مكافحة الفساد تتسلم إقرار رئيس هيئة المستشفى الجمهوري بأمانة العاصمة    أسماء 20 أسيرا إسرائيليا سيتم الإفراج عنهم    صحيفة صهيونية: "مليار شيكل" هي كلفة مواجهة الصواريخ والمسيَّرات القادمة من اليمن    بعد إخفائه ل 5 سنوات في مأرب.. حزب الإصلاح يفرج عن ضابط سعودي    حضرموت والشرر الأول..؟؟    مدير مركز الراهدة الجمركي:المركز يعمل وفق رؤية شاملة متطورة قائمة على الشفافية والدقة    موقف فاضح للمرتزقة في مصر    مسؤول دولي يزور اليمن    قراءة تحليلية لنص "جنية تعشق أبي" ل"أحمد سيف حاشد"    ظاهرة خطف الاطفال تعود الى الواجهة من تعز    ارتفاع أعداد المرضى النفسيين في محافظة الحديدة    المعلم ليس خصمًا لأحد بل هو ركيزة كل وطن سليم    المنتخب الوطني يصل الكويت ويجري تدريبه الأول استعداداً للقاء الإياب أمام بروناي    قيادي في حماس يتهم إسرائيل بالتلاعب بقوائم الأسرى ويكشف عن خروقات في التنفيذ    عدن.. صرف مرتب واحد بالاستدانة ومصير مجهول لمرتبين رغم وعود الحكومة بالجدولة    منتخب من قراءة لأصدق ملحمة رثاء كتبت عن الحمدي للشاعر البردوني    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    هولندا تقسو على فنلندا برباعية نظيفة في تصفيات المونديال    لماذا لا يوجد "بحر اليمن"؟    حلف القبائل بين وهم التخرج ومسرحيات الهزيمة في حضرموت..    لا مرتبات.. لا خدمات.. الأسعار مرتفعة والمجاعة منتشرة.. حدث ولا حرج    العراق ينجو من فخ إندونيسيا    ورثة المرحوم " الشيباني " يجددون بيانهم ضد عبد الكريم الشيباني ويتهمونه بالاستيلاء والتضليل ويطالبون بإنصافهم من الجهات الرسمية    طريقة مبتكرة تعتمد على جزيئات الذهب لعلاج أمراض خطيرة!    خبير في الطقس: تدفق هائل للرطوبة باتجاه اليمن وبقايا الاعصار المداري ما تزال تتحرك فوق البحر    الرئيس الزُبيدي يتفقد سير العمل في أمانة "الانتقالي"    وفاة 3 في حادث خطير للوفد المرافق لرئيس الوزراء القطري بشرم الشيخ    الشيخ عبدالعزيز الجفري يؤكد أهمية إنشاء جامعة الضالع(صور)    وسط فوضى أمنية.. استهداف مزارع تربية النحل في إب يكبد النحالين خسائر كبيرة    الصين تتصدى للضغوط الأمريكية برد حازم على فرض رسوم جمركية جديدة    قراءة تحليلية لنص (عالم يتنفس ألماً) ل"أحمد سيف حاشد"    وداع الستين: وقفة للتصفية والتجديد والاستعداد    المهرة.. ضبط أكثر من 3000 قطعة إلكترونية تستخدم في الطائرات المسيّرة وصناعة المتفجرات    قطاع الحج والعمرة يعلن بدء تطبيق اشتراطات اللياقة الطبية وفق التعليمات الصحية السعودية لموسم حج 1447ه    "دبور الجولان" يقتل جندي إسرائيلي    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    إِنَّا عَلَى العَهْدِ    مرض الفشل الكلوي (22)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(NDI).. تنمية الديمقراطية أم تنمية المعارضة !؟
نشر في نبأ نيوز يوم 10 - 04 - 2006

في عام 1993م وضع المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) أول قدم له في اليمن، وكان اليمنيون بأمس الحاجة فعلاً لمن يساعدهم في تطوير خبراتهم الديمقراطية التي يجربونها لأول مرة في تاريخهم في إطار التعددية الحزبية.. وهو الأمر الذي تمخض عن تفاعل يمني قوي مع خبراء ال(NDI) ، وكان للتقرير الذي أصدره المعهد حول أول انتخابات برلمانية يمنية 1993م مشجعاً لليمنيين للتمسك بوجود ال(NDI) الذي نجح في تشخيص الكثير من الحالات الايجابية والسلبية التي اشتملتها التجربة الأولى.
في عام 1995م أنشا ال(NDI) فرعه في اليمن بشكل رسمي، وصار يلعب الكثير من الأدوار الحيوية في تأهيل التجربة الديمقراطية اليمنية ، وتنميتها بما يكفل لها الاستمرارية الآمنة- بل أنه خلق مناخاً محفزاً للعديد من الناشطين لتأسيس منظماتهم غير الحكومية، ومحاكاة دور ال(NDI) في العمل المدني .
في ثالث انتخابات برلمانية يمنية عام 2003م كانت الظروف الدولية المعروفة تزيد من إصرار الولايات المتحدة على ضرورة إحداث تحولات ديمقراطية كبيرة في المنطقة كواحدة من أهم استراتيجيات اجتثاث الإرهاب، ونزع أسباب التوتر العالمي- بحسب الخطاب الأمريكي- إلاّ أن ذلك تزامن مع إخفاق ذريع على صعيد دور ال(NDI) المفترض في اليمن..
فانشغال العالم الأوروبي بتطورات الأحداث في العراق كفل لل(NDI) القيام بدور الرقيب الوحيد على التجربة الانتخابية اليمنية، وبالتالي فإنه سينوب عن الأوربيين أيضاً في تقييم الانتخابات، وإصدار تقرير "يتيم" لم يكن منصفاً بالقدر المتوقع، وسلط أضوائه على أدق السلبيات فيما تجاوز ايجابيات كثيرة وكبيرة؛ وهذا الانحياز الى صف قوى معارضة معينة تسبب في خلط العديد من أوراق الساحة الديمقراطية اليمنية؛ إذ أنه بقدر ما تسبب بإحباط السلطة، شجع القوى التي ناصرها بتقريره على الاستشراء والتمادي في خرق معايير العمل الديمقراطي.
كان خروج ال(NDI) عن مساره الطبيعي كمنظمة غير حكومية تتمتع بثقل دولي كفيلاً بالإيحاء بتحوله الى لعب أدوار سياسية لم تكن موفقة في ترجمة توجهات الإدارة الأمريكية للمرحلة التي تسعى الى تعزيز ثقة دول المنطقة بالخيارات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وحريات الصحافة، وحقوق الإنسان ، وغير ذلك من المفاهيم التي ترى فيها الإدارة الأمريكية رهاناً لحماية استقرار هذا الإقليم الثري باستراتيجياته الجغرافية، وموارده البترولية، وبالخلايا الإرهابية والمتطرفة أيضاً.
وخلال عامين من تاريخ انتهاء آخر تجربة انتخابية يمنية لعب ال(NDI) دوراً في إذكاء الكثير من الصراعات الداخلية في اليمن – طبقاً لتقديرات الكثير من المراقبين، فهو من جهة أصبح حليف بضع أحزاب يمنية معارضة، يرتاد مقايلها ومقراتها بشكل مستمر، ويقدم لها المشورة السياسية، ثم بلغ الأمر الى أن يدافع عنها، ويحمل وجهات نظرها الى داخل أروقة اللجنة العليا للانتخابات- على غرار ما فعلت السيدة "روبن"- رئيسة المعهد- حين تفاوضت مع اللجنة العليا للانتخابات بشأن مطالب أحزاب اللقاء المشترك، كما لو أنها مندوب رسمي ناطق باسمها.
وعندما أنيط بال(NDI) الإدلاء بشهادته بشأن انتخابات الدائرة (227) في ريمة التي أثير خلاف كبير حولها بين الحزب الحاكم واللقاء المشترك، كان هناك انحياز مفضوح جداً لصالح حزب الإصلاح (الإسلامي) لدرجة أن تم تكليف عناصر من نفس الحزب في وضع التقرير.. ومن المفارقات التي ما زالت موضع سخرية أهالي "ريمة" ، ويرونها بوصفها نكتة هو ما قام به أحد الرجال في أحد المراكز بالتصويت لنساء القرية برمتها ، وبعلم من مراقبي ال(NDI) إلاّ أن ذلك لم يرد في التقرير الذي أصدرته السيدة رئيسة المعهد.. ومن يذهب اليوم الى "ريمة" يسمع هذه القصة على كل لسان- مثلما سمعناها نحن.. ربما تكون هناك بعض المبالغات في رواية الأهالي، إلاّ أنها تؤكد أن الخروقات وقعت فعلاً ولم تجد من يرويها!
لعل هذا الانحياز ولد انطباعا عاماً بأن ال(NDI) يلعب بعيداً عن الساحة الأمريكية التي تفضل أن يكون النموذج اليمني محفزاً لدول الخليج والجزيرة لمحاكاة التجربة ذاتها، في الوقت الذي ضاعفت السيدة "روبن" من مخاوف الأنظمة السياسية في المنطقة، التي باتت تخشى الوقوع بين مطرقة المعارضة وسندان المنظمات الدولية المنحازة الى جانب المعارضة، والتي تتنكر لكل ما يمكن أن تقوم به من إصلاحات سياسية!
لكن مخاوف بعض المحللين السياسيين اتخذت منحىً آخراً.. حيث أن دعم ال(NDI) الواضح للتيار الإسلامي في اليمن – حزب الإصلاح- بدأ يخلط عليهم أوراق اللعبة السياسية الأمريكية مجدداً، وبات التساؤل القائم هو : يا ترى هل أن ال(NDI) يترجم بذلك توجه سياسي أمريكي جديد في المنطقة، أم أن السيدة "روبن" اجتهدت فانحرفت عن مسار الاستراتيجيات الأمريكية!؟
فهؤلاء يشعرون بقلق كبير من تأهيل ال(NDI) للقوى الإسلامية – بالدرجة الأولى- وحلفائها الآخرين في اللقاء المشترك بالمرتبة الثانية بدلاً من تأهيل الديمقراطية اليمنية كتجربة متكاملة بحلقاتها المختلفة ، بما في ذلك الحزب الحاكم الذي هو أيضاً بحاجة الى تأهيل في كيفية التعاطي مع العملية الديمقراطية من موقع مسئول- كصاحب الأغلبية البرلمانية، والحكومة.
فهؤلاء المحللين (الباحثين) يربطون بين أحداث الثمانينات حين استخدمت الولايات المتحدة الإسلاميين في ضرب الوجود السوفيتي في أفغانستان ، وبين ما يحدث الآن من محاولات لإعادة نفوذهم الى الملاعب السياسية – ربما بقصد الضغط على بعض الأنظمة لإرغامها على الاستجابة لبعض المطالب الأمريكية، أو للإطاحة بها.. وفي كل الأحوال فإن مخاوفهم ليس من بلوغ الولايات المتحدة غاياتها أم لا ، بل من قدرات الولايات المتحدة في إعادة الإسلاميين مجدداً الى المربع الأول بعد انتفاء الحاجة منهم!! خاصة وأن تجربتها في العراق لا تبدو موفقة.
في الزيارة التي قامت بها السيدة "دبريانسكي" – مساعدة وزير الخارجية الأمريكية- الى صنعاء كانت هناك مفارقة ظريفة، إذ أن أحد القياديين في حزب الإصلاح تحدث خلال اللقاء الذي عقدته مع منظمات المجتمع المدني اليمنية عن السياسة الأمريكية، ووجه انتقادات لاذعة جداً للانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان في شتى بقاع العالم ، لكنه أنهى حديثه الطويل بمناشدة الولايات المتحدة لدعم حقوق الإنسان في اليمن.. بهذه القصة استشهد أحد المحللين السياسيين للتعبير عن استغرابه من انحياز ال(NDI) الى جانب قوة سياسية تترجم موقفين نقيضين تماماً خلال بضع دقائق فقط.
وعلى كل حال فإن ما يمكن أن نخلص إليه هو أن سياسة ال(NDI) في اليمن خلقت بعض التوترات السياسية، وشجعت بعض قوى المعارضة على التعاطي مع مطالبها بكثير من التشدد بدلاً من الشفافية إعتقاداً منها أن الخارج يدعم تصعيد الأحداث الداخلية في اليمن، ولديه رغبة ملحة لتغيير النظام السياسي- لدرجة أن تبنت بعض القوى السياسية منذ فترة عدة أشهر عمليات شراء الأسلحة والذخائر من الأسواق لتستبق الحكومة في ذلك، ولتعد نفسها لاحتمالات أي مواجهة قادمة من أجل السلطة- في الوقت الذي تعتقد السلطات أنها حاصرت سوق السلاح، ونجحت في جعل مظاهر التسلح تتراجع!
وهنا نجد أن تقارير ال(NDI) التي ركزت على انتقاد السلطات اليمنية ساهمت في تضييق فرص السلطة في الحد من أنشطة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ورصد بعض تحركاتها، كونها باتت قلقة من اتخاذ أي إجراء وقائي يهدد الأمن والسلام ، مخافة أن يتم تأويله الى تقارير مطولة لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات وما الى ذلك من التفسيرات التي سرعان ما تبلور المنظمات الدولية عنها ضغوطاً سياسية من خلال الرأي العام المتمخض عنها- رغم أن تلك الجماعات تستهدف مصالح الغرب أولاً، ولا تكتفي بقطع آلاف الكيلومترات الى العراق من أجل قتال الأمريكان، بل أحياناً كثيرة تروج لثقافتها عبر وسائل إعلام مختلفة تتهيب السلطات من ردعها طالما هناك منظمات دولية تقف الى صفها ، وتنمي نفوذها، وتدافع عن حقوقها في كتابة ما تشاء في وسائل الإعلام.
إذن نحن أمام ممارسات خاطئة لا تخدم مصالح أحد إطلاقاً ، فتأهيل الديمقراطية يقتضي التوازن، والمسئولية- خاصة عندما يجري الحديث عن بلد مثل اليمن، يحتفظ بموقع استراتيجي مؤثر في أمن الملاحة الدولية، ومؤثر على أمن مصادر الطاقة العالمية، ومؤثر على مستقبل الديمقراطية نفسها في منطقة ما زالت تناقش فيما إذا يحق للمرأة قيادة السيارة أم لا!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.