اعتقد إن أفضل مدخل للحوار المسئول، عن تدهور الأوضاع السياسية في بلدان العالم النامي، هو معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلة وتعامل مع تلك المعطيات والتشخيصات ، بالموضوعية والبعد عن لهجة التدليس والتهويل في خطاباتنا المتكررة. إن الحراك الذي شهدته بعض المحافظات الجنوبية جاء بشكل عفوي في بدء الأمر لقد كانت المطالب مشروعة من وجهة نظر السلطة، إن تلك النظرة الثاقبة لمجريات الإحداث جعلت القائمين بان يستشعروا المسئولية تجاه الظروف والأزمات الاقتصادية الدولية والمحلية التي زادت من معاناة المواطنين ورفعت من مؤشرات الفقر والبطالة فوق المستوى اللامعقول. ومصطلح الحراك قد تم إقحامه من قبل بعض المنظرين والسياسيين ليجعلوا من تلك الآهات والمعانات الحقيقية للمواطن الذي فقد وظيفته طوعاً أوكرهاً تارة بالترغيب تارة أخرى بالترهيب. لقد فضل البعض صرف الراتب والجلوس في البيت آملاً في إصلاح الأمور، وقبل البعض الآخر راتب التقاعد ليظل بجوار أسرته التي تبعد عن مقر عمله الجديد آلاف الكيلومترات، لأنه لم تعد هناك أي جدوى من الاستمرار بالوظيفة فقلوبهم وعقولهم معلق بفلذات أكبادهم، فلا مرتب يكفي لزيارة ولا وظيفة أصبحت ترفع من مقداره. وان كان هذا هو حال الكثيرين في كل المحافظات بعد إن صارت الوظيفة مغنماً وموقعنا إستراتيجيا لا يحٌسن استغلالها هؤلاء المواطنين "الخبل" كما يقولا. وما إن تؤول تلك الوظائف الصغيرة إلى أولئك "المقطقطين" حتى يصبح الثراء واضحاً وفاضحاً لما تدره من أموال. و(تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن) تتسارع الإحداث وتصبح المطالب العفوية حراكاً سياسياً موجهاً من الخارج لتغدو المسالة أشبة "بنفخ الحاوي ورقص الأفعى"!! إن رضخ الحكومة للمطالب الشرعية قد فتح الشهية لمقتنصي الفرص والابتزاز السياسي والاستقواء بالخارج وتصوروا إن تلك الأفعال سوف تعيد العجلة للوراء وان عقارب الساعة ستتوقف. ما من احد يفكر أن الأوضاع بحاجة إلى إصلاح وان الفساد قد ظهرت في البر والبحر وان الطوفان قادم جزاءً بما ارتكبنا واقترفت أيدينا؟! ان سياسة التحريك امرأ مطلوب عندما يسود الركود والملل في الأوضاع وتطول فترة الانتظار لكن التمادي والاستمرار في المكايدات والمناكفات السياسية امرأ لا يعد من الحنكة السياسية وإنما هو نوعاً من الإفلاس السياسي والشعبي ومناورة هزلية للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه. إن التراجع عن الوحدة أمر محال... ومستحيل بعد كل تلك الاندماجات والانصهار بين أبناء الشعب الواحد وما العلاقات الاجتماعية إلا واحدة من تلك المعوقات الإنسانية!! فإذا قررنا التفريق بين أسرة من خمسة إفراد فما هو مصير الأبناء ولأي شطر سيكون الانتماء... !؟ [email protected]