والمعنى الدقيق لها: اختلاق ظاهرة الخوف! لكن ممن؟ من الإسلام كدين ورسالة خير أم من الممارسات والسلوكيات الجارية على يد نفر من العرب والمسلمين مقرونة بالتفجيرات بغوغاء التظاهرات؟ هل يكره الغرب الاسلام هكذا اعتباطاً وتقليدياً؟ وهل تكمن المشكلة بين العرب والمسلمين من جهة وبينهم وبينهم وبين الغرب في العقيدة الدينية؟ بالقطع لا. والسياق هنا لا يقصد الدفاع عن الغرب بقدر ما يقصد النقد المرير لكل من هو غير سوي في بطاحنا، في هذا المسلسل بيّنا الأسس التي يبني عليها الغرب مصالحه وسياساته لتظل العلاقة الأساس بين الغرب وبين العرب والمسلمين أسيرة هذه المصالح وأهم عناصرها البترولية المحضة والاقتصادية ثم الاسرائيلية المحضة كمشروع زرعه الغرب في قلب هذه المنطقة لأغراض باتت معروفة وعدائية وكلاهما يرسم سياسات ومصالح الغرب وتتحكم بهما، تُنتهك ساحاتنا لأجلها على سياسة عدوانية وجشعة. لكن في الاتجاه الآخر بات معروفاً أن البترودولار والنظم الدولاراتية وفائض الأموال والنظم التبعية قد شرّعت سماء الغرب ومواخيره وبنوكه للموسرين العرب والمسلمين. ونحن نتحدى هؤلاء أن يودعوا ملياراتهم في بنوك المنطقة لتساهم في تطويرها على عائد مجز من فوائد الأموال والاستثمار. لكن الغرب غدا محج هؤلاء يتملقونهم يجزلون لهم الخدمات والترفيه من أجل سواد عيون البترودولار المنهمر هناك بلا حساب، فوصل الأمر الى اشاعة بناء الجوامع في مدن الغرب والى تخصيص غرف خاصة كمساجد في فنادق الغرب من فئة الخمسة نجوم دون أن يطالب أحد هؤلاء بتبادلية التعامل. هذا الغرب العلماني رأسمالي جشع لا يحكم على أساس الدين وهامش التدين فيه متراجع باستمرار ولا يبني سياسته ولا يشرع قوانينه وفق التشريعات الدينية بل حصرياً على حاجة المصالح القومية مع هامش جشعها وشراهتها وعدوانيتها. وهناك مفارقة هامة في توفر شرائح داخلية واسعة متعددة ومتكاثرة ومتوالية في بطوننا عملت مطية لتمهيد الطريق أمام الهيمنة والرضوخ للتبعية وللمأجورية على مدار قرن من الزمن، بل لم تتورع في فتح الأبواب واستحضار الغزوات والحروب والاحتلالات على الوطن محط الهدف بل والمشاركة الفعلية فيها. إن الاستخلاص الآتي من هذه المقدمة يقطع بأن ظاهرة الاسلاموفوبيا نشأت حصراً عن تصرفات وممارسات وتظاهرات تمارس بشطط بلا روادع لا تغدو مستساغة بل مستهجنة ومرفوضة في أغلبها. من بنى هذه الظاهرة؟ ومن أذكى فتيلها هو الكل الذي انخرط في دوامة المنهجية المبرمجة الخارجية التي تسوق على العامة على طريق مضلل. فلا المتملينون ولا أصحاب المليارات ولا الميسورون ولا المستثمرون ولا الاحتكاريون ولا الفاسدون ولا الغشاشون ولا المتساقطون معنيين بهذه الظواهر ولا بتلك الظاهرة، وليسوا معنيين بما يشعلها وبكل ما تأسست عليه وبكل ما يغذي فتيلها. لكن على أية معطيات موضوعية ايجابية نافعة بنيت ظاهرة الاسلاموفوبيا؟ من تخدم وماذا تخدم في عصر الكلمة العليا فيه هي للمصالح الوطنية القومية هي لجشع العولمة العابرة للحدود الوطنية بلا استئذان هي الأسواق المفتوحة هي الاقتصاد المنفلت، هي قدرة الأقوياء على استباحة ثروات الشعوب واستباحة قوت الفقراء؟!. ومن المفارقة أن في بلاد العرب والمسلمين شرائح واسعة أبدعت في التورط في هذه المحظورات الخطرة. لكن الظرف التي ولدت فيه هذه الظاهرة ليس ظرفاً موضوعياً ولا ايجابياً نشأ عن صحوة اسلامية ايجابية وخلاقة، بل هو ظرف تميز بالتيه والضياع بالفشل والوهن باليأس والإحباط فالردة مع الافلاس من القدرة على التغيير الايجابي ومراكمة الانجازات الخلاقة كونه ظرفا سادت فيه الرويبضة الحديثة منذ قرن من الزمن ولم تزل صاحبة السطوة والشأن. تغافلت الشعوب أو تجاهلت أو تعامت عن مسببات ما تعانيه للتعامل وفق استحقاقاته فذلك ذنبها وقصورها متى فشلت في صد الأعداء الحقيقيين والقدرة على مجابهتم بوسائل الاعداد العلمي بالتخطيط المحكم بزج الأدمغة الخلاقة المعطاءة بالقدرة على صياغة توحدها بزج سواعدها وتنمية روح الانتماء والولاء والعطاء للوطن وللمصلحة العامة بدل تمترسها في النمطية والمنهجية الجارية على مدار قرن كما يبينه الآتي: 1- إن العلاقة الجارية بين الغرب والمجتمعات العربية والإسلامية لم تزل تجري على المحاور التالية: أ- إفصاح الأرض العربية عن مكنونات أسرارها من كنوز بحيرات النفط والطاقة. ب- شراهة المطامع والجشع في المصالح الخارجية وسعيها الدؤوب على الهيمنة على هذه الكنوز وحرمان أصحابها من التصرف الحر بها فسارت على منهجيتها على شراكة مع بعض الشرائح الداخلية. ج- عجز العقل العربي عن فهم النوايا الحقيقية للامبراطوريات التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية كاسفين عازل بين عرب افريقيا وعرب آسيا مهما تطلبت هذه الزراعة من حياكة المؤامرات والتواطؤات التي لم تزل تجد في العرب شعوباً وأنظمة يتسولون حقوقهم من ذات الأطراف المعادية التي تغذي هذا الكيان بشرايين القوة والديمومة وشرايين العربدة والابقاء عليه متمرداً على الشرعية الدولية والأعراف الانسانية، لا بل هؤلاء يطورون تبعيتهم وتحالفاتهم مع الأعداء الحقيقيين لمصالح أوطانهم وشعوبهم برغم توالي هزائمهم المذلة وتعميق شرذمتهم وبرغم تسييد اسرائيل على الفضاء القومي بدل صيانة توحدهم وبناء قدراتهم الدفاعية وبدل تعميق شرذمتهم. د- عوامل داخلية ذاتية محضة مهدت الطريق ولم تزل وعبدتها للقوى الطاغية شرائح لم تزل على ذات السطوة والاستبداد، وشعوب خنوعة مستسلمة غزتها النفعية الذاتية فتنازلت عن واجباتها الحصرية وعن مهمات تغيير أوضاعها فغرقت في الفقر وفي الأمية وفي الجهل وفي التجهيل وفي اليأس والاحباط فغدت سمتها شعوباً وادعة خنوعة لا منتجة، لا متطورة سلاحها اللسان والغوغاء. 2- متى اصطدمت هكذا مجتمعات بأحداث 11 أيلول 2001 التي رتبت ولادة العدو الوهمي المنتظر فكأن هذه الشعوب وجدت ضالتها في هذا العدو فساق مشاعرها وجيشها خلفه، وقد استولد في اطار المنهجية المبرمجة لتغرق الشعوب به ومعه في أفخاخ ما يرسم لها. والشعوب تدرك تماماً أن من بنى ظاهرة المجاهدين السلفية هي الاستخبارات الأمريكية المركزية وهي التي دربت وسلحت ومولت واستأجرت، ومتى غدا هؤلاء عدواً ارهابياً حلبت الامبراطورية كل الذرائع المتوخاة من هؤلاء كل المبررات فأسقطت على الشعوب نفسها ممارسات الارهاب من تفجيرات وسفك دماء وفوضى عارمة كما أسقطت عليها الغزوات والحروب والاحتلالات والهيمنة المطلقة. 3- من الغريب المستهجن أن يغدو عسيراً على الشعوب فهم هذه المعادلة الجارية منذ نشأتها ومن الغريب أن الشعوب تدرك ما يسقطه الأعداء على أكتافها وكيف يفتكون بها من أجل سواد عيون امبراطوريات فاحشة متوحشة، لماذا وكيف تبتلع الشعوب هذا الكم المتزايد من الويلات والنكبات؟ كيف تهلل هذه الشعوب للمأجوريات المترسخة في أصولها تقودها مأجوريات خلف نهوج ليس ما تحتاجه الشعوب مهما اختلت العلاقة بين المستأجِر والمستاجَر؟ 4- والشعوب تدرك أيضاً أن المأجورية لن تنحصر في صنف معين، وأن هذه الامبراطوريات قادرة على توظيف أكثر من طرف في أكثر من مجتمع دون عناء يذكر ما دامت المنفعة الذاتية تفتح أمامها الطريق، وبالمناسبة بعد بناء المجاهدين، بنت الاستخبارات الأمريكية والباكستانية والمال العربي، حركة طالبان أفغانستان، وشرائح لا تعد ولا تحصى على مساحة الرقعة العربية والاسلامية مع فرضيات تغيير الواقع كلما لزم فالصديق المستأجَر اليوم قد يغدو غداً عدواً مقاتلاً على ذات القاعدة من المصالح والأهداف المختلطة. كما تعامت الشعوب عن المعنى العميق من وجود اسرائيل في قلبها التي تبوأت الحرب الكونية ضد الارهاب والتطرف فزادت عربدتها على الأسرة العربية وعلى البشرية جمعاء، غدت مع هذه المعادلة الحليف الأصيل الذي لا غنى عنه لمعظم النظم العربية والاسلامية، ومن جهة حيّدت عداء هؤلاء ومن جهة أخرى أصبحت العروس التي يطلب الكل رضاها فهل عجباً أن تتوحش اسرائيل في فلسطين وفي وسع ما حولها. 5- هذه المقدمة الآتية من انعكاسات برمجة التطرف والارهاب يضاف اليها الاشكالات التالية: أ- الحرب فالغزو المشترك أمريكياً عربياً اسرائيلياً ايرانياً للعراق وتدميره بالكامل ثم وضعه على سكة التفتيت. ب- غزو النفوذ الايراني للساحات العربية وبناء الأذرع الفاعلة فيها التي باتت تهدد وجود أكثر الأقطار العربية. ج- ارتفاع هامش العداء والأحقاد والصراعات داخل الأنسجة الوطنية إما على خلفية العرقية أو المذهبية الطائفية أو اختلاف الديانة واستهداف الأقليات التي دفعت الى الفرار والتفريغ ثم اشاعة نغمة الانفصالات وتشكيل الدويلات والامارات. د- لتمويل الحروب العبثية المدمرة ازدهرت زراعة المخدرات وخاصة الأفيون؛ فمن قال ومن أباح وبأي حق تلجأ حركة اسلامية لتمويل نفسها بتجارة الافيون، السم القاتل للبشرية. ه- بروز قوى اسلامية مستجدة نزعت الى بناء قوة عسكرية استراتيجية وبناء ترسانة نووية، اخطبطوها يمتد من آسيا الوسطى الى المتوسط الى شواطئ الأطلسي العربية وكأن الوطن العربي والشعوب العربية والاسلامية قد أضافت على نفسها قوة معادية نافذة مستجدة، انظروا ما يجري على ساحة الوطن العربي. كم بلد بنت فيه أذرعها التي شنت حروباً داخلية متواصلة انفصالية هتكت الأمن والاستقرار، زادت في مآسي الشعوب من العراق الى لبنان الى اليمن الى السودان الى الصومال وهلم جراً. متى تعي الشعوب ومتى تدرك ومتى تظل اسيرة عواطفها وتشنجاتها ومتى تلتصق تماماً بمصالحها الوطنية- القومية حتى لا تظل غرقى مُستثمرة مصيرها الهلاك؟. 6- هناك سؤال محدد نوجهه للأمتين العربية والاسلامية، وتعداد الأولى يقارب 400 مليون، والثانية ينوف عن مليار ونصف فوق الثروات والمصادر والكنوز والطاقات والسواعد والموقع، وبأي حق وبأي منطق وبأي مقبول وبأي حافز تظل الأمتان منهزمتين بمرارة أمام دولة اسرائيل؟ ومن تدعمها؟ أي عقل يقبل ذلك؟ بأي منطق تظل إسرائيل مخلباً متقدماً لهذه الامبراطوريات، عابثاً باستقرار المنطقتين، فيما هي بالأساس تشكل عبئاً ثقيل الوطأة على من يحتضنها ويدعمها وعلى مصالح تلك الدول والإمبراطوريات، وهي ذاتها الإمبراطوريات التي تجبي مصالحها الجشعة من أراضينا بلا كلفة، بلا ثمن، تتغذى على شراييننا ثم تحاربنا بعائد الخيرات التي تنهبها من ديارنا، كيف يُعقل ذلك؟! إلى متى تظل أمريكا لنا الأم الرؤوم ورئيسها ظل الله على الأرض وهي بالفعل عكس ذلك تماماً، بل كيف الانقلاب على ذلك؟! وذلك لن يأتى إلا بسواعد الشعوب الحية لا بالتيارات العنفية. 7- لماذا انزلقت الشعوب إلى هذا المنحدر، كيف تساق مضللة كالقطعان خلف برمجية محددة؟ هل تعتقد أن أزماتها المتعمقة تحل بنوع اللباس بضجيج الحناجر بتربية اللحى بالتفجيرات بسفك الدماء وتعميم الخراب والدمار؟ هل تحل مشاكلها بالحروب الداخلية والانفصالية بالتعصب بالتطرف بحجاب هنا ومأذنة هناك؟ أبهذا ستحل معضلاتها المجيّرة المستعصية المتفاقمة المرحلة؟ كيف تنسى الشعوب أنها على مدار قرن متهورة في انزلاقها، تتدهور أحوالها بعد أن سبقه أربعة قرون ظلامية تجهيلية في ظل الخلافة العثمانية. متى تصحو الشعوب إذن على واقعها بل متى تثور على هذا الواقع فتعمل بالعقل وبالفكر وبالتخطيط وبالاعداد لحماية مصالحها الحصرية. 8- للتقوى وللتدين أصول مرعية تخص الفرد بذاته غير الاستغلال البشع المروع للشعارات الدينية وإسقاطها على الشعوب على يد تيارات مفلسة تقوم بمهمة ما بمساهمة فعلية ومستديمة من بضع أدوات الاعلام العصرية من الأقلام الانتهازية من المثقفين المأزومين الذين تخلو عن مهتمهم الأساس في تثقيف الشعوب وتنويرها لتتراكض خلف الشطط التظاهري الدائر وتغذية الممارسات الجارية بالتحريض على حجة الانتصار للدين. ولا انتصار للدين ولا رفع لشأن الدين إلا بالعمل الحصري بما دعا اليه الدين على اخلاص ملزم صادق وبكل ما نهى عنه بتصميم واصرار والتزام بأحكام الدين وتعاليمه وذلك غير جارٍ، كيف اذن تفرق الناس بين الصالح والطالح بين الصادق والمدعي بين الصح والخطأ بين المسؤولية، فالعمل، فالاعداد من الافلاس وستر عورات الفشل والاخفاق والكسل بغوغاء الشعارات التظاهرية؟. 9- ماذا حصدت الشعوب وأجيالها من هذه العفوية السطحية؟ وماذا حققت تيارات التطرف والارهاب للشعوب من حرياتها وحقوقها؟ هل حررت ثرواتها؟ هل استردت تريليونات الدولارات المحجوزة في المضاربات وهبوط قيمتها؟ هل سلكت سبل الديمقراطية والتطوير والتنمية والتحديث؟ هل وحدت أوطانها أم لا شيء من كل ذلك؟ على كلا النمطين نمط النظم محافظة كانت أو ثورجية يسارية أم نمط الهروب الى التطرف والارهاب؟ في كلا النمطين ظلت الشعوب خنوعة مستسلمة قدرية تساق حيث يشاء الآخرون لم تجر حساباتها مع الإثراء غير المشروع مع الفساد المستشري، لا حققت أمنها الغذائي والصحي والمجتمعي ولا سلمها الأهلي لا اجتثت آفات تنمو وتترعرع في أصولها ولا مافيات ولا اختراقات ولا أنانيات ولا مأجوريات ولا تفجيرات ولا صراعات ولا انفصالات ولا قبليات ولا افقارات ولا أميات، بل تغرق في مزيد من المتاهات، كل هذا حصدته الشعوب من غوغاء وبرمجيات في عزف على أوتار مبتورة تغني أنشودة كراهية الغرب لنا، وكما يقول بعضنا: ليكرهوننا كما شاؤوا! لماذا لم نسأل أنفسنا لماذا يكرهوننا بدل هذه النرجسية الفارغة؟ وتحت هذا العنوان أفردنا مقالاً مطولا عن سبب هذه الكراهية التي حصدناها على المسرح العالمي، ولا يلام فيها إلا نحن أنفسنا، حتى في تعاملنا مع بعضنا البعض، معاملاتنا تتميز بالعنف، بالاستقواء بالخاوة، وبالاستضعاف وبالأنانية وبالقبلية وبالأحقاد وبالنميمة وبالصفات الذميمة، ونحن قبليون حتى النخاع من حامل الدكتوراه الى الأمي، علاقاتنا الاجتماعية مضروبة الأحقاد، الحس،د البغضاء، الغيرة، النميمة، التطاول، والافتراءات والكذب، وشائج القربة منهارة تغيبت المحبة والتسامح والتكافل والتعاضد عنها هل نحن نحب بعضنا البعض اذن كما أوصت الأديان. 10- على قاعدة الدين لله والوطن للجميع يستوجب على الشعوب أن تتوقف وأن تراجع نفسها لترصد الجيد لها من الزبد، الأصول من العبثية ومن الافلاس حتى لا تتكل ولا تتوكل، حتى لا تعتنق المأجورية والمراهنات على الغير: لتقدح زنادها. 11- من أخطر الأخطاء الاستراتيجية التي تقع فيها الشعوب وأدوات الاعلام والأقلام هو تمرير هذه الظاهرة في اطار التطرف على الجاليات العربية والاسلامية المهاجرة، وكأنها تصدر لها البرمجية الممنهجة. وهي جاليات يربو تعدادها على عدد يهود العالم، على هذه الممارسات المجيشة خلفها تغدو جاليات بلا وزن ولا تأثير ولا ثقل، بل تثير الريبة والخشية والعداء الكامن من ممارسات لا تستوعبها ولا تفهمها المجتمعات المضيفة، وإن كانت البيئة هي المتحكم في المسلكيات فعلى أحوالها الحاضرة تغدو هذه الجاليات في الصف المعاكس أين تعيش وترتزق وتتمتع بالحياة وبكافة الحقوق لكنها باتت تشكل طوابير تثير الريبة. وباستطاعة هذه الجاليات إن أحسن الاستثمار فيها ان تشكل روافع ريادية لمجتمعاتها فتثري عقيدتها وعرقيتها وأوطانها وقضايا شعوبها متى انخرطت في الانجازات الباهرة، متى هجرت كل ممارساتها المعبرة عن التطرف والتشيّع وزرع الخلايا النائمة فيها ومتى تحررت من تحريض الاعلام لها والأقلام والمنابر والخطابات، متى أحسن الاستثمار في عددها البشري على أكمل وجه. والمهمة الأساس لهذه الجاليات الكبيرة ينصب حول توحدها وتكاتفها وترشيدها لتشكل قوى لوبيات ضاغطة معاكسة للّوبيات المعادية مساندة لقضايا أوطانها وشعوب المنشأ، لماذا لا نعمل كل ذلك؟ ولماذا لا نبني وزناً في هذه الجاليات عند صناديق الاقتراع وفي النشاطات الاعلامية والمجتمعية المكثفة حتى نحولها الى خط دفاع والى خط هجوم لصالح شعوبها؟ لماذا لا تلعب أرصدتنا المالية المكدسة ذات الدور الذي يلعبه المال اليهودي على مساحة المسكونة؟ 12- ألا يستدعي كل ما جاء في هذا المسلسل استشراف آفاق المستقبل على خلفية ما هو جارٍ بتهور واندفاع. بالتأكيد سيما وان ظلت الشعوب سادرة في غيّها، في غوغائها خلف التعصب والتطرف والارهاب وافرازاتها على استغلال بشع ممجوج للدين في كل ما يسيء لقداسته وأصالته. إن الاستشراف المستقبلي على الواقع الجاري وعلى حصاده سيأتي كارثياً خطراً للغاية، ستتم في ظلاله اعادة صياغة المنطقة من جديد، فصياغة اتفاقية سايكس بيكو قد انتهت صلاحيتها ولم تعد تخدم متطلبات القرن الحالي المعادية ولا نظلم أحداً إن قلنا: أ- إننا في المنطقة العربية نندفع تلقائياً وذاتياً ومنهجياً وآلياً الى عصر انحطاط جديد يستولد عشرات الدويلات الهزيلة المصنعة يعزى تكوينها الى التيارات المتطرفة بما زرعته في الأرض، والى فشل النظم الحاكمة في حماية سلامة الوطن وتماسكه. ب- تصاعد هامش اضطهاد العرقيات الأقلية والدينية في الحياض العربية لدرجة انكار وطنيتهم وانتمائهم القومي ومساواتهم في الحقوق، وخاصة المسيحيين العرب الذين تصنفهم بعض التيارات في خانة الأعداء مع الغرب فلا تتورع في ايقاع التفجيرات بينهم وفي بيوت عبادتهم لدفعهم الى التفريغ والفرار، بينما هم مكون جذري أصيل سابق في هذه المنطقة مستهدفين كغيرهم لكن ذلك يتم على اتجاهين، ولهؤلاء تاريخ مجيد متواصل في مواقعهم الوطنية والقومية في معارك شعوبهم على مصداقية عالية خالية من الانتهاز والنفعية. ج- استنفار الأقليات العرقية في الأصول العربية بدفعها الى الانفصالات وتشكيل دويلاتها الخاصة: شمال العراق، جنوب السودان وغربه، اليمن، والحبل على الجرار. د- اغراق شعوب المنطقة بوسعها في دوامة ما تعاني منه بلا رحمة لمقتضيات اعادة صياغة المنطقة. ذلك ما يجبرنا على اقتحام المسلمات التالية: 1- إن المسيحية كديانة هي مشرقية الأصل والمنشأ والجذور وهي ليست ديانة نشأت في الغرب فاستوردها الشرق والعكس صحيح تماماً. 2- كون الديانات الثلاث شرقية المنشأ، يفترض في أتباعها أن يتمسكوا بالتعايش الآمن المشترك باحترام ديانات تؤول الى الله تعالى الذي لم يأمر أحداً بالتعصب أو التطرف أو قتل الآخر. 3- في تاريخنا السحيق لا فرق مطلقاً بين المناذرة والغساسنة وبني تغلب وحمير وقريش وسائر القبائل العربية من حيث الانتماء العرقي والبيولوجيا الجينية واللغة ومسرح الإقامة. 4- قبل مجيء الاسلام انتشرت المسيحية في بلاد الشام والجزيرة فالحبشة، وبعد مجيء الاسلام تغيرت الأغلبية السكانية في المنطقة خاصة بعد الفتوحات فحدث ما يحدث الآن، سقط الجمع في ما يتناقض مع الاسلام كدين حنيف، ففقدت الأغلبية رحابة الصدر وقبول الآخر وسواسية الناس على اللحمة والتكافل والتعاضد، ما الذي يحدث هنا؟ ولماذا نقتحم معارك وممارسات مسيئة لنا ومسيئة للدين الحنيف؟ ما الدافع لكل ذلك وما المكسب منه؟ 5- تقع المسؤولية الأولى هنا على نظم الحكم منذ غابر الزمن، على دساتير الحكم التي نظمتها والتي نصت على دين رسمي للدولة، فوأدت المساواة في الحقوق والمواطنة وفي ذلك اعلان رسمي عن التمييز بين مكون ومكون آخر أساسي في الجذور. هذه الدساتير تكذب على العامة وتناقض نفسها متى وقعت دولها على كافة العهود الدولية التي تكفل المساواة في الحقوق وفي الواجبات لكافة مواطنيها بغض النظر عن اللون، الجنس، اللغة، الدين، العرق، الرأي والأصل والثروة، على تناقض فاضح لصلب ما تنص عليه الدساتير، توقع بلا التزام عملي كأن هذه الدساتير أجازت رسمياً التمييز في معيار المواطنة بين صنف وصنف، ذلك ما أباح التعرض للأقليات متى اعتبرت في مواطنها الأصل مواطنين من الدرجة الثانية. 6- المشكلة الكأداء الأساس هنا هي التربية في البيت، في المدرسة في السلوك المجتمعي، المشكلة تتمثل في عدم قبول الآخر بندية في الحقوق وفي الواجبات، فحتى يلج المجتمع آفاق الحضارة والتقدم والتطور فهو بحاجة ماسة الى التنوع لإثراء مسيرته وإلا كيف يشعر المواطن من ذات العرق والقومية والانتماء وهو الأصل وهو الجذور في المنشأ الواحد والبلد الواحد أنه مواطن من الدرجة الثانية يسري عليه التمييز فيسقط أداة للاستهداف، للاستقواء، ثم الاعتداء. 7- نكرر هنا أن التربية الصحية والصحيحة هي الأساس وهي القاعدة التي تنمو عليها الثقافة والمسلكيات المجتمعية لكنها معضلة تعاني منها مجتمعاتنا متدرجة على طول الزمن، مسلكيات نشاز وصلت بالبعض الى اعتبار العربي المسيحي في خانة الأعداء مع الغرب، أي جهل مدقع هذا؟! أي انكار لأصول وجذور المنطقة؟! وأي تغاضٍ عن تاريخ المنطقة ماضياً وحاضراً؟!. 8- ونحن لسنا مجبرين على التنويه بمواقف المسيحيين العرب طيلة التاريخ العربي الضارب في الجذور، ولسنا مجبرين على التنويه بمواقف المسيحيين العرب في الشأن الوطني- القومي، في الاندفاع تجاه الوحدة القومية، ولسنا مجبرين على إيراد الأمثلة فمواقف المسيحي العربي هذه تصب في صلب عمق انتمائه للعرق وللقومية للواجب الوطني والقومي مشهور عنه دعاة وحدة وعزة للأمة، مشاعل تنوير ورأي حر، ولا مفاضلة بين مواطن ومواطن إلا بالعطاء والانتماء الأصلب. 9- من الواضح للعموم أن تفجيرات الإرهابيين تطال كافة بيوت العبادة، مساجد وكنائس ومقامات، إما على قاعدة اختلاف الدين أو اختلاف المذهب، ما يعني أن هذه التيارات تستهدف المجتمع بأسره بكل مكوناته بقصد ضرب أواصر التماسك واللحمة: لماذا ولمصلحة من؟! لا يسلم من تفجيراتها مسلم ولا مسيحي لا يسلم من اللجوء إلى الفرار والهروب عربي مسلم أو مسيحي ضحايا تشريدها للمواطنين يربو على الملايين وضحايا تفجيراتها في المساجد والكنائس والمقامات تجاوز عشرات الألوف من الأبرياء، تيارات سعيها هذا لا يعني إلا التفريغ ألقسري وإشاعة تفتيت الأنسجة وتفتيت الأوطان ومعروف بالتمام في صالح من يصب ذلك. 10- للإعلام، للأقلام، لقادة الرأي، لبيوت اللقاءات، للندوات وللدراسات، هنا أحد دورين: إما أن تنهج دور التثقيف والتنوير الايجابيين لإعادة صياغة عملية التربية، دور حماية المجتمع وتآلفه وتماسكه، دور الدفاع عن مصالح الشعوب على التوحد والتكافل والتعاضد والتعايش المشترك الآمن وخاصة في ظروف الأزمات الطاحنة، أو الدور السلبي المدمر بالتركيز والتساوق مع المجريات والطروحات والمسلكيات السلبية الآتية من التعصب والتطرف والتمييز على شطط غوغائي فتذكي نارها وتلهب فتيلها كأنها تغوص في المنهجية المبرمجة لتدمير أنسجة الشعوب وكياناتها. والتربية المجتمعية والتثقيف والتنوير لن تأتي من لقاءات وندوات تصم الآذان والمشاهدات في دعوتها أو في إقرارها النظري الحكاواتي على عمق التلاحم والوحدة والتعايش المشترك في المجتمع بين كافة المواطنين وبين أتباع الديانتين في حياضنا، والواقع القائم على الأرض غير ذلك، ونحن لسنا بحاجة من هؤلاء الى توعية أخرى مفرغة قاعدتها منتفخة بالنفاق المتبادل وهذا ليس ما تحتاجه الشعوب التي عليها أن تدرك أن العدوان والاستهداف والصاروخ والرصاص لا يميز بين مواطن ومواطن والرخاء للجميع والفقر والمعاناة على الجميع والمصير الواحد للجميع، سلباً كان أم ايجاباً، إن نهض المجتمع فبالجميع وإن هلك يمس الجميع. على هذا الاستشراف نطرح الاستشراف المقابل الخاص باسرائيل التي ستغدو نجم هذا الشرق الجديد المتألق تلتف حولها الدويلات المصنعة طلباً للحماية وطلباً للتطوير، ونحن لا نؤجر عقولنا خلف الهذيان والتوهمات المسوقة بأن هناك أطرافا اقليمية تسعى لإزالة اسرائيل عن الوجود، أو تسويق أوهام تحدد أزمنة افتراضية لزوال اسرائيل ونحن لا نرى في الأفق مبررات تبيح هذا الهذيان واستشرافنا يتحدث بعكس ذلك. ه- ألا يكفينا عاراً تفوق اسرائيل قياساً على حجم الوطن العربي وامكاناته حتى لا نقول الرقعة الاسلامية بوسعها في المجالات التالية: المجال الاقتصادي والتنموي والتطويري والمجال العلمي والبحثي، هجرة العقول اليها لا الفرار منها، المجال الصحي الزراعي والصناعي والتكنولوجي والعسكري والنووية منه ثم الديمقراطية والحريات العامة وتسييد القانون. ألا يكفينا عاراً هذه الفرقة والصراعات والقبليات وهذا التخلف في كل مضمار؟ ألا يكفينا هذا التقهقر المتواصل إلى الخلف وأمم الأرض تسير قدماً الى الأمام؟ و- من أين يأتي التفاؤل؟ ولأي سبب نتفاءل؟ وعلى أية انجازات على دمائنا المسفوكة على ادعاءاتنا الكاذبة المضللة، من خنوعنا، من كسلنا، ونحن نساهم في تسريع المنهجية المبرمجة علينا؟ هل نبالغ في ما نقول؟! إن الواقع الجاري وآفاق المستقبل فيهما الحكم ويأتيان بالرد، وقد دثرنا قوميتنا بكل مضامينها في متاهات التطرف وكنا نصر ولم نزل على وحدة هذه الأمة القومية المانعة، فبتنا نتحدث الآن عن دويلات عديدة مصنعة في مزيد من إهدار قومية الأمة، مزيد من الصراعات والحروب الداخلية، فالى أين سنصل؟. ز- لا بد أن نجاهر وأن نقر وأن نعترف بعد قرن من الزمن بأن لا بقاء ولا حياة ولا تطوير ولا حرية ولا استقلال لهذه الأمة إلا في وحدتها القومية الشاملة المانعة على استحقاقاتها المرعية هي التي توفر الروادع الاستراتيجية وموازينها اللازمة، ونحن نسير على الطريق العكسي، أحد حكامنا ينشد السلام الداخلي في وطنه حتى لو جاء على جثة الوطن بانفصال الجزء الأهم والأغنى فيه، وذلك تعبير عن مدى الشرذمة وتفريخ الدويلات، فعن أي سلام يتحدث الزعيم وهو يستسهل انشطار وطنه، انفجاره، وتقاسمه وسيادته قد أمهر توقيعه عام 2005 على اتفاقية مككاكوس التي منح فيها الجنوبيين حق الاستفتاء على الاستقلال، وذلك ما حذرنا منه في حينه بالدعوة الى العمل الجدي لازالة نوازع وتطلعات الانفصال. أهو سلام الحركة الاسلامية الحاكمة في البلد، هل يدعو الدين الى ذلك؟ أليس الى كذلك تقاد فلسطين ويجر العراقواليمنولبنان ويجري العبث في أرض الكنانة والجزيرة الخ؟... ماذا يعني هذا الاستشراف للشعوب إن كانت واعية؟ إنه يعني حتمية الارتداد عن عفويتها وسطحيتها وغوغائها، أن تشغل العقول والفكر، أن تمتلك الارادة أن تجند السواعد كي تدرأ الآتي من أفخاخ مصيرية خطرة للغاية فالوقت لا يعمل لصالحها. والمعنى الواضح هنا أن ظاهرة الاسلاموفوبيا كافراز لواقع مأساوي غارق في العجز في الفشل في اليأس بات اجتثاثها ملحاً ولا بد من اقتلاع مسبباتها وظواهرها بالعمل الخلاق بالانجازات الباهرة، بالتسويق الناصع على قاعدة الوحدة والتوحد، وإلا فلتحذر الشعوب، فالأمم على مدار التاريخ معرضة للاندثار والزوال. ______________ * كاتب وطبيب فلسطيني