رغم كل الاحتياطات والتدابير الوقائية التي أحاط نفسه بها لتجنب الضغوط السياسية والشعبية التي تسعى لدفعه للتراجع عن قراره بعدم الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة، تقهقرت أخيراً دفاعات الرئيس علي عبد الله صالح الى أضيق محاور المواجهة أمام حلف عريض من المناصرين لبقائه في السلطة ، ممن أطلقوا العنان لورقة الشارع اليمني لقهر إرادته الجبارة في التنحي عن الحكم من خلال مسيرة مليونية ستغلق منافذ العاصمة ومراكز محافظات الجمهورية اليمنية بمشاركة مختلف فعاليات المجتمع اليمني. فبعد (14.800) فعالية، ورفع (86) ألف وثيقة مكرسة جميعها لدفع الرئيس علي عبد الله صالح بالعدول عن قراره، أصدر الرئيس صالح توجيهات مباشرة وصريحة ومشددة لمختلف تكوينات المؤتمر الشعبي العام (حزبه) القيادية قبل يوم واحد فقط من انعقاد المؤتمر الاستثنائي بمنع المسيرات والاعتصامات التي تناشده بالبقاء دونما أن يخطر بباله أن المؤتمريين فهموا الأمر على أنه وعد بالعدول عن قراره ، إلاّ أنه أدرك تلك الحقيقة بعد تجديده التأكيد بعدم التراجع عما عزم عليه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي حين رأى الذهول وخيبة الأمل تملأ الوجوه. ومع قوة المضامين التي حملها خطابه الذي يؤكد أن الأمر جدياً للغاية لم يجد المؤتمريون بداً من شق عصا الطاعة وإطلاق الضوء الأخضر لقواعدهم الجماهيرية بتنفيذ الأنشطة التي يرغبون بممارستها للضغط على الرئيس للعدول عن قراره، وهو ما ترجمته حالة الشارع اليمني في اليوم الثاني للمؤتمر الاستثنائي (الخميس)الذي شهد مسيرات واعتصامات ورسائل مناشدة في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية ن وأحدها احتشدت أمام قاعة 22 مايو التي ينعقد فيها المؤتمر الاستثنائي. ويبدو أن غضب الرئيس من الحشود الشعبية المتجمهرة أمام قاعة المؤتمر والذي أنب خلالها الأمين العام وأعضاء اللجنة العامة ، ثم توجيهاته بإلغاء مسيرة كبيرة كانت متوجهة من تعز الى صنعاء ، قد جاء كل ذلك في وقت متأخر جداً كان الشارع اليمني فيه قد فلت تماماً ليس من قبضته فقط بل أيضاً من قبضة المؤتمر الشعبي العام الذي لم يعد في هذه الحسابات أكثر من رقم واحد فقط بين جهات عديدة تتبارى جميعها الى حلبات الضغط على الرئيس صالح للعدول عن قراره. إنفلات الشارع اليمني على النحو الذي يتوقع أن يشارك في مسيرات يوم غد السبت ما يناهز (3.5) مليون مواطن يمني ، منهم أكثر من مليون في العاصمة صنعاء- حسب تأكيد مصادر مطلعة اتصلت بها "نبأ نيوز"- بات أمراً مقلقاً للجهات الرسمية وللرئيس صالح نفسه الذي وصف الحال بأنه "ليس تاكسي للأجرة" تستأجرها القوى السياسية اليمنية خلافاً لإرادته. فقد استنفرت الحماية الرئاسية الخاصة اليوم الجمعة كافة أجهزتها بعد إقدام حشود من منظمات وجمعيات ونقابات وهيئات مدنية ومواطنين عاديين بالتجمهر بجانب دار رئاسة الجمهورية وإقامة مخيمات كبيرة للإعتصام انضمت اليها الآلاف من المتطوعين للاعتصام من أجل مناشدة الرئيس بالبقاء في الحكم، الأمر الذي أقلق الأجهزة الأمنية من هذا التواجد الهائل في هذا المكان الحساس. وبحسب مصدر أمني اتصلت به "نبأ نيوز" قبل قليل فإن القلق يتعاظم أكثر لدى الأجهزة الأمنية من انفلات الشارع اليمني على نحو غير متوقع بحجمه وعزمه على التوجه في ساعة مبكرة من صباح غد السبت الى دار الرئاسة بمسيرة قد يتجاوز المشاركين فيها المليون نسمة ، الأمر الذي يعني أن رئيس الجمهورية سيكون محاصراً ولن يستطيع مغادرة الرئاسة الى مقر انعقاد المؤتمر الاستثنائي الذي يترقب فيه المؤتمرون قرار الرئيس وما سيتمخض عنه البيان الختامي من رؤى وتصورات للأزمة الراهنة. ويؤكد مراقبون أن إصرار الرئيس علي عبد الله صالح على موقفه من عدم الترشح قد يزج اليمن في أزمة حقيقية ، ربما تقود الى شل الحياة الاقتصادية والادارية المؤسسية في مختلف قطاعات الدولة، وهو ما سيترتب عنه خسائراً فادحة على الاقتصاد الوطني. وهكذا فإن اليمنيين وحدهم اليوم أصحاب القرار السياسي في اليمن بعد انفلات الشارع كلياً ، وأنهم اليوم هم الحاكمون الحقيقيون في هذه البلاد التي ما زالت تنوء بتحدياتها وتقلق كثيراً من أن تعود لماضيها الأسود.