- بقلم: لؤي يحيى عبد الرحمن الارياني - يحكى أن - وعلى غير الدارج- ليس في قديم العصر والأوان ..كانت هناك مملكة بعيدة مسحورة ملعونة تمر عليها السنون والأيام وكل ما حولها يتغير إلا هي تظل كما هي ويظل ناسها كما هم لا يتغيرون.. لا يسعدون.. لا يفرحون.. لا يعيشون ولا يموتون.. لا يدخل ضوء الشمس إلى مملكتهم، ولا تعرف الفرحة كيف تتسلل عبر أسوارها العالية.. تحفر السنون على وجههم طلاسم اللعنة الملقاة على مملكتهم ويثقل كاهلهم إحباط يزداد بكل محاولة فاشلة للتخلص من هذه اللعنة، لا احد يعرف سبب اللعنة ولا من انزلها عليهم لكنهم يعرفون أن يوما ما طال الزمان أم قصر ستزول هذه اللعنة، قد تزول غدا أو قد تزول في اليوم السابق ليوم القيامة!. كان لهم ملكة جميلة صغيرة تمثل كل ما هو جميل في عالمهم، وان كانت هزيلة، حزينة، يشوه جمالها إهمال شديد وكآبة غاشمة إلا إن كل الناس كانوا يحبونها ولا أبالغ إن قلت أنهم لم يتمنوا أن تزول اللعنة إلا من اجل عينيها.. وأكثر ما كانت تعاني منه هو مجموعة الأوصياء عليها الذين يدعون حمايتهم لها وللقصر وسكانه، بل والمملكة وما فيها. من خلال كل هذا كانوا يتحكمون بها، ويستغلون حب الناس لها.. فعلى الجميع ان يطيعوهم فهم الذين يحموا الملكة من المؤامرات، ومن محاولات القتل ومن غيرة الملكات الأخريات- بل ومن عين الحسود! وبهذا أصبحوا هم الأغنى والأقوى وأصبحت الملكة هي الأتعس والأضعف برغم وجود رئيس حراسها وهو فارس نبيل وشهم يبذل، ما في وسعه لمساعدتها وحمايتها ولكنه في الأخير لا يستطيع إن يفعل شيء لوحده؛ فلقد أصبح الشعب ينظر إلى الملكة كمن يثقل الجاثوم على صدره فلا يستطيع أن يتحرك لإنقاذها برغم عدم وجود أي سبب منطقي لعجزه هذا. امتلأ خوفا من الأوصياء الذين لم يعودوا يهتمون لأمر احد فأصبحوا يجاهرون بكل نزواتهم وفسادهم دون إن يخافوا الناس، أو تتحرك في قلوبهم رحمة وحب للملكة إلى أن وصل الأمر بهم أن حبسوا الملكة واحتكروا الكلام باسمها، والشعور بشعورها ومعرفة ما يضرها وما ينفعها إلى أن وصل بهم الجنون أن قالوا : نحن الملكة.. والملكة نحن!! وكان يعيش في البراري بجانب القصر أرنب ابيض هزيل كان ينظر كل ليلة إلى شرفة القصر فيجد الملكة باكية حزينة.. كان يدرك انه مثله مثل كل سكان المملكة ضعيف، مسكين.. وكان يؤمن إيماناً عميقاً انه لا يقدر حتى على النظر في عين احد الأوصياء.. وباختصار- مثله مثل الآخرين كان يؤمن انه لا يملك شيء للملكة التي كان بكاؤها يقطع نياط قلبه. كان كل ليلة يزداد حبه للملكة حتى أصبح لا يستطيع إلا التفكير بها.. لا يستطيع أن يعيش إلا عند استحضار صورتها .. ولا يسعد إلا برؤية جمالها.. عشقها من كل قلبه، وتمنى أن يكون أي شيء، غير أرنب.. أي شيء قد تعجب به الملكة أو قد يستطيع أن يغير من مصيرها.. فهو فليس سوى أرنباً ابيضاً صغيراً ضعيفاً، يستطيع أي وصي قليل الشأن أن يسحقه تماما.. تخيل نفسه خيلا عربيا أصيلا أو أسدا هصورا.. تمادى في إحدى المرات وتخيل نفسه أميرا نبيلا ينقذ الملكة من مصيرها الملعون؛ ولكنه دائما كان يفيق ويتذكر انه أرنب ابيض صغير فيمتلئ قلبه حزنا ويبكي إلى أن ينام أسفل شرفة الملكة فتمتزج أصوات تنهداتها مع صوت نشيجه المكتوم. ازداد الأرنب هزالا وضعفا، ولم يعد قادرا على الأكل.. لم يعد يشغله إلا أن يصبح أي شيء، إلا أرنباً، كي يستطيع أن يغير مصير حبيبته الملكة..! وفي احد الأيام مر عليه الحكيم وسأله مندهشا عن سبب هزاله الشديد، وعندما عرف أن السبب هو عشقه للملكة ورغبته في أن يكون شيئا آخراً كي يستطيع أن ينقذها ابتسم الحكيم واقترح عليه أن يذهب إلى الملكة ويخبرها بعشقه لها ورغبته في مساعدتها، وان ينظر ماذا ستقول له- فأما أن تشجعه فيرتاح أو أن تقول له لست إلا أرنب ابيض صغير و لا تستطيع أن تساعدني. تشجع صاحبنا وذهب في إحدى الليالي إلى تحت شرفة الملكة، وافرغ لها مكنون قلبه وحبه ورغبته في مساعدتها .. فماذا تعتقدون أنها قالت له... تقول الملكة لكم جميعا: ( أن إنقاذ الملكة لا يحتاج أن تكون شيء آخر أو أن تنتظر حتى تتحول لشيء آخر بل إن إنقاذ الملكة يحتاج إلى أن تغير إرادتك.. أن تنفض عنك الخنوع.. أن تؤمن بنفسك، وتؤمن أن هذه الملكة الجميلة تستحق منك بذل كل جهدك لإنقاذها.. فقط لو فعلت كل هذا، فقط لو آمنت بكل هذا.. تنقذ الملكة)! بقلم: الأرنب الأبيض الصغير