يحكى أن المجاعة انتشرت في إحدى القرى وفي محاولة من الحاكم لمواجهة هذه المجاعة اخبر أهل القرية انه وضع قدرا كبيرا في وسط القرية، وان على كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوبا من اللبن .. بشرط أن يضع كل واحد الكوب أثناء الليل ولوحده، ودون أن يشاهده احد. وفي الصباح ذهب الحاكم وفتح القدر ولدهشته فقد وجد القدر وقد امتلأ لآخره.. بالماء! لقد فكر كل واحد من أهل القرية بأن وضعه لكوب من الماء لن يؤثر على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها أهل القرية وبأن أحدا لن يكتشف كوبه وسط مئات الأكواب الأخرى من اللبن وكانت النتيجة.. قدر ملئ بالماء! . لقد امتلأت قدورنا بالماء فعلا.. عندما لا نخلص نيتنا في أعمالنا.. عندما لا نتقن أعمالنا.. عندما نهمل في جميع واجباتنا.. عندما لا تخلص النية لخدمة بلادنا بحجة إن عملنا لن يؤثر ولن يظهر. فنحن بالتأكيد نضن على بلادنا بكوب من اللبن من شأنه أن يغير حال أمم من حال إلى حال! تسري بيننا للأسف نظرية غريبة وهي مترسخة في وجدان شعبنا نظرية ( ما عتصلح اليمن إلا بي؟!؟!؟) .. وهي نظرية في رأيي مسئولة بشكل كبير عن تردي الأوضاع لدينا، أو في أحسن الأحوال هناك نظرية أخرى وهي انه مهما عملت فالآخرين سيخربون. مثل هذه الأفكار هي أكواب كبيرة من الماء تصب في قدر اللبن. لو مشينا على طريقة النحل لفهمنا أن كل هذه الأفكار خاطئة.. لن تجد نحلة واحدة في العالم تفكر في جدلية عن أهمية تلك الكمية القليلة من الرحيق في مستقبل الخلية بل أن كل نحلة تعمل في أخلاص كبير ونشاط عظيم لتكون خلية.. ولكننا نشترط لكي نقوم بأعمال جيدة وبإخلاص أن تؤثر على مستقبل المجرة بأكملها، وبالمقابل فأن الحكمة تتجلى بأن لا يقوم الإنسان بعمل وان يضل متبلدا منتظرا كل يوم أن ينهي واجباته المحدودة والتي سيقوم بها بالحد الأدنى من الكفاءة الذي يعصمه من الطرد أو الفصل ثم يذهب لينام، وبعد فترة يموت!. هناك أشياء كثيرة نستطيع نحن أن نغيرها دون أن ننتظر من الحكومة أن تسن قوانين.. دون أن ننتظر حتى يُحاسب المخربين أو يموتوا..! هناك الكثير نستطيع أن نقوم به دون أن ننتظر زيارات المسئولين وقرارات المدراء. نحن للأسف نرمي كل شيء سيئ في زاوية واحدة وكل الاتهامات موجهة لجهة واحدة وكل الأخطاء لها شماعة معروفة نضع كل إهمالنا عليها ونمضي لنشعر بالسعادة (وان كانت الشماعة أيضا بالتأكيد تتحمل جزء كبير من الأخطاء بالفعل).. فهم وليس أنا.. المسئولين عن كل خطأ ابتداء من إصابة احد الأطفال بالكزاز لان أبويه لم يلقحوا له وحتى هجوم أسراب الجراد! مثلا.. لماذا يتدهور الوضع الصحي في بلادنا!؟ هذا مجال يظهر فيه وبوضوح شديد الإهمال الشخصي واللامبالاة.. ليست المشكلة في نقص المعدات، ولا في عدم القدرة على تدريس أطباء ممتازين فأطباء بلادنا يرسلون ليدرسون في أفضل الجامعات العربية فلماذا يعجز معظم الأطباء في بلادنا عن تشخيص ابسط الأمراض؟ لماذا لا ينتبه أي طبيب أن يسأل مريضة إذا كان مريضا بالسكر أم لا قبل أن "يغرس" في ذراعه المغذية ( رفيقة درب كل يمني)؟! وهذه الحادثة منتشرة في بلادنا وكأنها احد قواعد الطب العتيدة البالغة الأهمية!! وما أكثر تلك القصص العجيبة التي نسمعها عن إهمال طبيب ما، لن نجد أبدا سوى تفسير واحد إن الأطباء في بلادنا – للأسف - يصبون الماء في قدر اللبن.. لامبالاة وإهمال وعدم رغبة في إتقان العمل صفات تكاد أن تكتب في خانه في بطاقاتهم الوظيفية!! إن الأهوال التي نسمع عنها ونعايشها مع أطبائنا ليس هناك مجال للشك فيها وليس هناك أي مجال أن تكون بسبب الفساد في لجنة المناقصات أو بسبب الرشاوى في أي مصلحة أو بسبب التهريب!! هي مشكلة بل وكارثة من اخطر الكوارث التي تواجهها بلادنا وسببها الإهمال وعدم المبالاة والتقصير الشخصي وحلها في غاية البساطة ويكمن في أن يصلي كل طبيب على النبي ويركز .. ويبدل كوبه لبناً!. الكثير من الأمثلة التي تؤثر في حياتنا وحياة أجيالنا سلبا سببها هو الإهمال الشخصي.. هو التبلد في أداء العمل وعدم الإخلاص فيه والإيمان الكامل بأن الرحيق الذي سأجمعه من الزهرة لا يمكن أن يخدم الخلية إذن فلا داعي لإتعاب نفسي! إن كنا نلعن الفساد ونلوم الحكومة في الكثير من مشاكلنا.. فنلكن صادقين مع أنفسنا وان نؤمن بأنفسنا ونعلم أن في يد كل منا أن يغير الوضع في اليمن إلى الأفضل بالإخلاص في عمله والإخلاص في النية فأن لم يحالفه الحظ في تغيير اليمن فعلى الأقل ستكون حياته هو قد تغيرت إلى الأفضل. ما أردت أن أقوله إن الميدان واسع جدا أمامنا جميعا للإصلاح ولمحاربة الفساد وهي ميادين نستطيع أن نؤثر فيها نحن كأفراد.. كطبيب يهتم بحالة مريضه ويجري ملهوفا على حياته إلى غرفة العمليات وهو مستحضر لكل ملكاته لينقذه.. كمدرس يذهب إلى المدرسة وهو سعيد بلقاء تلاميذه وهو مصمم أن يغذي عقولهم وشخصياتهم في كل لحظه بكل ما هو مفيد.. كلاعب الفريق الوطني الذي يصمم على أن يركز في المباراة ويتعاون مع زملاءه ويفهم بأن المنتخب 11 لاعب وليس هو فقط ويؤمن بأننا لن نصاب بحساسية قاتلة إن فاز منتخبنا الوطني بل هو شيء ممكن.. كعسكري المرور الذي يصمم انه لن يفتح الباب الخلفي لسيارتك ويدخل ويقول لك بكل "الزنط" في العالم.. (جنب بعد الجولة) وجميعنا نعرف للأسف لماذا نجنب بعد الجولة!. اظن إن كل هذه التصرفات والسلوكيات ليست بحاجة لقرارات عليا ولا لاجتماعات مجلس الوزراء، ولا نحتاج لتنفيذها موافقة البرلمان.. تحتاج فقط أن نتوقف عن لا مبالاتنا.. تحتاج فقط أن نكون ايجابيين.. ولا نملأ الأكواب بالماء!. [email protected]