لم تعد شعوب العالم تعرف المصطلح العام لمفهوم الديمقراطية التي تعتبر حروفها مصوغات تحمل من جملة ما بداخلها خصائص في شكل تعابير غير واضحة لمن حاول فهم الديمقراطية في نصوص تعريفية متكاملة.. وربما يعود ذلك لإسراف الشعوب في تداول معانيها بما يتوافق وحيثيات تعاملها معهم..حتى أصبحت في منطق فاعليتها مجرد هراء لمن يتلفظ بمسماها. بالأمس رأينا الديمقراطية على طاولة نقاش عالمي حضره أولئك المنظرون لمحاور الديمقراطية حين التقوا بدولة قطر الشقيقة لتحديد مجرياتها في نفق الظلام الذي يتعايش العالم معها دون خلفية تمنحهم القدرة على رسم معالمها بما يعود بالفائدة على دولهم، وحملت هذه الدول من خلال تمثيلها أفكاراً يمثله نهجها في هذا الجانب على اعتبار ان كل دولة ترى من زوايا الديمقراطية ما هو مناسب لها في كيان نشاطها الداخلي كهدف الكل يتسابق للوصول إلى أفضل السبل في معترك الاعتراف به دولياً.. ومن هنا وعبر هذا التصور اختلط حابل الديمقراطية بنابل مفاهيمها ولم يصل أحد إلى هدفه، حتى الذين اعتمدوا الديمقراطية كمسار لحياتهم.. لأن هؤلاء اختلطت مصالحهم التي ينظرون إليها من خلال منظور موهوم تحت سقف الديمقراطية فتاهت كل المعايير وسط تغييرات الجميع للمعنى الحقيقي للديمقراطية في زمن توهت الشعوب في مسلكها، فهناك من يرى أنها خيارات حقيقية مصحوبة بعدم فهم كل ما يجري بها من مدلولات وآخرون يعتبرونها مناورات سياسية سرية لدول بذاتها المكسب منها مصالح ليس إلا، واعتقد أن الرأي الأخير هو الأقرب إلى الحقيقة بشاهد ما نشاهده ونلمسه في أسلوب تعامل الدول العظمى مع بقية الشعوب تحت مسمى الديمقراطية غير المتوازية الأضلاع في حجم مفهومها.. فهناك دول صغرى تعيش حياتها دون أن يكون لها صفة خاصة فتتعامل مع الديمقراطية بمزاجية مفروضة عليها بينما دول نعدها في نطاق الدول الكبرى تعيش هامشاً مغايراً في مكونات ديمقراطية حياتها.. واذا ما دخلنا إلى عمق المعرفة لمحيط الديمقراطية نجد أنها حكم الشعب نفسه بنفسه كما يتردد على اللسان عند الكثير وأن الفرد يتفاعل مع الديمقراطية كحق شرعي يسعى لممارسته في أشكال وأنماط متعددة مع أنها - أي الديمقراطية - في أساس تكوينها وسيلة للحكم من فلسفة يونانية قديمة أبان مسميات «افلاطون وارسطو» حين ادعى أفلاطون أن مصدر السيادة هو الإرادة للجميع، ولخصها أرسطو أنها سلطة نابعة من الجماعة، ويستمر حال تصنيفها في مثل هذه الأفكار لتبدأ التطبيقات في اثينا اليونان إلى ثلاثة أقسام: «الهرم الاجتماعي والأجانب وطبقة الأحرار». موقع اليمن من الديمقراطية اليمن على مدى عصور تاريخها منذ القدم شهدت ممارسات ديمقراطية أبان الدولة السبيئة في مضمون الفكر السياسي والاقتصادي كتجسيد لخدمة المجتمع بما يمكنه من مقومات لبناء دولته على أساس المشاركة في الحكم دون تمييز لطبقات فبنيت دولة سبئية بحق مشترك لكافة المواطنين أساسها الحكم على الشورى، فارتقت مفاهيمها وتحدث عنها المولى عز وجل في كتابه ..«وأمرهم شورى بينهم» «صدق الله العظيم» حين طلبت الملكة بلقيس الشعب للإفتاء في الأمر عند تلقيها خطاب النبي سليمان عليه السلام.. ومن منطلق ذلك تكون اليمن الدولة التي عرفت الديمقراطية بمفهومها الصحيح.. وفي الإسلام عُرف عن الديمقراطية أنها تطبيق نموذجي متكامل في الشكل والمضمون لبناء الأمة والدولة، وقد تعمق ذلك خلال عهد النبوة والخلافة.. وورد في هذا الاتجاه بيان رب العالمين في محكم كتابه بقوله «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» صدق الله العظيم، وبلادنا الجمهورية اليمنية عاشت أحداث الشورى في ديمقراطية معالمها في هذا العصر في عهود الحكم الأموى والحكم العباسي كما هو حال ما عاشته دول عربية وإسلامية أخرى.. وإن كانت الديمقراطية في عهد الإمامة صودرت بتقييد الحريات وعدم الاعتراف بالشعب كمصدر للسلطة والسيادة.. الآن وفي ظل ما يعيش العالم من فوضى وعدم مبالاة وخروق لكيان حياتهم وديكتاتورية وغيرها من الأفعال جعلت من الديمقراطية معنى لا روحانية لخصائصه ولا تفاعل لنهج يدك بقوة حياة الإنسان، حيث نجد الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المسيطرة على شئون العالم والمهيمنة أيضا على ممتلكاته تتعامل مع الديمقراطية بوجوه متعددة، فديمقراطيتها في بلادها لاتتماشى وفرض أوامرها للتفاعل مع ديمقراطية الدول الأخرى.. فتحكم على دول تكون راضية عنها بأنها دول ديمقراطية وتعادي دولاً بحجة أنها دول غير ديمقراطية، في الوقت الذي تشجع من تكون معه على كثير من الأعمال التي تمقتها الديمقراطية وتهاجم أفعال الأخرى وهي في عمق المفهوم الديمقراطي، ولعل هذا يأتي لقدرة تمكنها من الهيمنة بعد أن توجها العالم رغما عن أنفه بالدولة العظمى والذي سمح لها بتغيير مفاهيم الديمقراطية بحسب ما تراه هي فهي تقول لهذه الدولة غير ما تجبر به دولة ثانية. هكذا هي حياة الشعوب المغلوبة على أمرها اليوم فهي تقبل بأي شيء حتى وإن صاحب ذلك الاذلال بشعبها، ولن تخرج هذه الشعوب من بوتقتها إلا عندما تعود لتاريخها وتعرف أين هي في قائمة التعريف بها في سجلاته، وسيظل الخلاف قائماً والارهاب عائماً بين الشعوب طالما ووجهة نظر الأغلبية في تأييد الخطأ دون علم بعواقبه ومترتبات ما هو عليه في المناورات السرية التي تحاك على أغلب الأمم..