بعد تهديد ووعيد استغرق أسابيع، بدأ التجار صباح اليوم تنفيذ إضرابهم في العاصمة اليمنيةصنعاء، وأغلقوا المتاجر والمحال حتى تحولت عدد من أسواق العاصمة إلى مدن أشباح لا تسمع فيها غير نعيق الكارثة السعرية التي ستبقى تلوح في سماء اليمن حتى نهار الاجتماع المرتقب يوم غد الأربعاء بين اتحاد الغرف التجارية والحكومة. فقد نفذ التجار إضرابهم بنسبة 100 % في كل من "بير عبيد، وشارع تعز ، وباب السلام، وشعوب" وهي أهم المراكز التجارية في صنعاء، فيما تفاوت نسب تنفيذ الإضراب في بقية أسواق العاصمة بين 30 – 80 %، ولمختلف أنواع التجارة بما في ذلك الملابس. وبادرت المتاجر التي ظلت فاتحة أبوابها إلى إخفاء السلع الأساسية كالقمح، والسكر، والزيت، والرز وغيرها، بنقلها إلى مستودعات مجهولة، وتوقفت عن البيع بالجملة للمتاجر الصغيرة، التي هي بدورها بدأت بإخفاء بعض السلع تحسباً لارتفاع أسعارها خلال الساعات القادمة. وتوجه جميع التجار المضربين إلى مبنى الاتحاد العام للغرف التجارية لاستئناف اعتصامهم الذي بدأوه منذ يوم أمس الأول، حيث نصبوا لأنفسهم خيمة كبيرة ليتواجدوا داخلها خلال هذه المرحلة وحتى إشعار آخر. وفي تصريح ل"نبأ نيوز"، أوضح محفوظ شماخ – رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية- الذي كان يتوسط المعتصمين: أن التجار سيواصلون إضرابهم حتى تقوم الحكومة بتنفيذ تعديلاتها القانونية، وبحسب ما سيخرج به الاجتماع المرتقب يوم غد الأربعاء بين ممثلي القطاع الخاص وبين رئيس مجلس الوزراء، ووزارة المالية، ومصلحة الضرائب. وأكد شماخ: نحن لا نريد الحكومة أن تضع التاجر في مواجهة المواطن، فلتكن هي في الواجهة، وتواجه المواطن بسياساتها الضريبية التي تفرضها على التاجر، وتتسبب بها في ارتفاع الأسعار، ونوه إلى أنهم لا يريدون استباق ما سيسفر عنه اجتماع يوم غد مع الحكومة، ولكن في حالة عدم التوصل إلى اتفاق سيستمر الإضراب. وأفاد عدد من التجار المعتصمين في غرفة التجارة ل"نبأ نيوز": أن الإضراب سيستمر لمدة أسبوع، وحتى يوم الاثنين القادم- كفرصة للحكومة للتراجع عن قراراتها ، وفي حالة عدم تراجع الحكومة وعدم تعديل القوانين فإن الإضراب سيصبح إضراباً شاملاً تدخل فيه جميع محافظات الجمهورية، مشيرين إلى أن استمرار الإضراب سيتسبب بما وصفوه ب"كارثة سعرية" نتيجة لكون العرض القائم في السوق سيتدنى إلى أدنى مستوياته مقابل حجم الطلب الهائل على السلع.. منوهين إلى أن هذا الوضع سيلحق الخسارة بالتاجر والمواطن والحكومة. وأشار عدد من التجار إلى أنهم غير ممتنعين من دفع الضرائب، بل أنهم يريدون دفعها في المنافذ التي يوردون منها بضائعهم لكي يقطعوا "دابر الفساد لدى بعض الجهات الرسمية" التي قالوا إنها "تبتزهم"، محملين إياها مسئولية ارتفاع الأسعار. وحذروا من أن الأسعار في ظل بقاء الحال على ما هو عليه، وتجاهل الحكومة لمطالب التجار، سترتفع بشكل جنوني وستزداد معاناة المواطنين كثيراً. من جهتها، فإن الحكومة اليمنية التي أخفقت منذ البداية في مواجهة الأزمة، وسعت لاحتوائها بتسويات ومساومات غير مؤسسية، آلت في الوقت الحاضر إلى حال لا تحسد عليه، خاصة في ظل الخلافات الدائرة بين رئيس الوزراء عبد القادر باجمال- المتعاطف مع مطالب التجار- من جهة، وبين وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب من جهة أخرى الذين رفضوا التسويات المقترحة من قبل رئيس الوزراء، ويرون في إلغاء ضريبة المبيعات، بعد الإلغاء السابق للضرائب الجمركية من شأنه أن يلحق ضرراً عظيماً بحجم موارد تغذية الميزانية العامة للدولة، وبما قد يتسبب بعجز هائل في تمويل خططها التنموية المقترحة للعام الجاري، خاصة بعد أن أقر مجلس النواب الموازنة العامة للدولة ولم يعد بالامكان إدخال أي تعديلات على بنودها، ولا اللجوء إلى الاعتمادات الإضافية بعد أن تعهد سيف العسلي- وزير المالية- أمام مجلس النواب بعدم الاضطرار للجوء إلى طلبات الاعتمادات الإضافية. ومنذ ساعات الصباح الأولى التي بدأ فيها التجار إضرابهم والشارع اليمني يزداد قلقاً، وتوتراً، ومخاوف من "كارثة" سعرية جديدة يعجز الغالبية العظمى من اليمنيين عن مواجهتها والإيفاء بمتطلباتها، بعد أن أنهكتهم موجة ارتفاع الأسعار التي بدأت منذ أوائل رمضان الماضي، واستقرت على ما وصلت إليه، وبموافقة، وتسويف، وتمرير من السلطات الحكومية التي رفعت الراية البيضاء أمام كل مطالب التجار السابقة، وتركت الأبواب مفتوحة على مصراعيها لأي مطالب جديدة، بعد أن أدرك التجار أن الحكومة عاجزة تماماً عن الإقدام على أي تدخل في السوق يعيد إليه التوازن إذا ما حاولوا الإخلال بمعادلات العرض والطلب. ولعل اكتشاف الحكومة أن مخزونها الاستراتيجي للأمن الغذائي القومي من مادة القمح قد تم التصرف به من قبل شركة صوامع عدن ضاعف من الإحساس بالعجز والفشل الحكومي في عبور أول اختبار من نوعه تواجهه الجمهورية اليمنية.. ورغم خطورة تداعيات تطورات السوق الداخلية اليمنية، وتوتر العلاقة بين الحكومة والتجار، فإن وزارة التجارة والصناعة- المعني الأول باقتصاديات السوق- كان أقصى ردود فعلها هو أن تزف البشرى للشعب اليمني عبر صحافة الحزب الحاكم بوصول أول دفعة "بيض" إلى اليمن لكسر الاحتكار، في الوقت الذي ظل الشارع اليمني كله يردد بسخرية: "أن الشعوب لا تحيا بالبيض وحده"!