لندع جانباً (خلق الله) في دول كثيرة من العالم الذين يدفعون مبلغاً صغيراً لا يشكل أي عبء مادي عليهم، ويمكنهم هذا المبلغ من الاتصال بكل أنحاء البلاد (الهاتف الثابت) مجاناً!! نعم فبمبلغ لا يتجاوز 30 يورو (أقل من 8000 ريال) في ألمانيا على سبيل المثال، تحصل على: 1- قنوات كيبل تلفزيونية. 2- إنترنت مفتوح 24 ساعة بسرعة عالية جداً. 3- اتصالات مجانية طوال الشهر إلى التلفون الثابت!! وأصبحت معظم دول أوروبا الآن تستعمل هذه الطريقة (التعرفة الشهرية)، بينما لا زالت الاتصالات في بلدنا الحبيب تقصم فواتيرها ظهور موظفينا!! لن نقارن الأسعار، ولن نتكلم في هذا الموضوع طويلاً، فالمأساة أكبر من الكلام، لكن –صدقوا أو لا تصدقوا- أن هناك مأساة أكبر!! أغمضوا عيونكم وتخيلوا معي القصة التالية: (عاد عبدالله الموظف الغلبان من عمله الثاني الذي يعمل فيه منذ الرابعة عصراً إلى وقت متأخر من الليل، عاد إلى بيته متعباً منهكاً مجهداً، وبعد أن تناول ما تيسر من الطعام، وقبل أن يخلد إلى النوم، ليصحو في اليوم التالي مجاهداً في سبيل تأمين الحد الأدنى من المعيشة الكريمة لعائلته، رفع السماعة ليتصل بإبنه الأكبر الذي تزوج منذ فترة قصيرة، إلا أنه اكتشف أن التلفون مفصول!!! لم يلم المؤسسة العامة للاتصالات فهو –بسبب سوء ظروفه المادية- لم يسدد فاتورة الهاتف الأخيرة، إلا أنه كان يحتاج بشدة إلى إعادة الخط، فامرأته حامل، وقد تحتاج أن تتصل به في أي وقت، وبناء على اقتراح ابنه، قام ليلبس ثيابه من جديد، ونزل ليشتري بطاقة تسديد الهاتف الثابت، وظل طوال طريقه إلى مركز الاتصالات المجاور، يدعو بالخير لمؤسسة الاتصالات، ووزارة الاتصالات، والقائمين عليهما، وذلك بعد أن تذكر كيف كان يجاهد حتى يدفع فاتورة الهاتف وسط الزحام الشديد، والطوابير الطويلة، وأما الآن فما عليه إلا أن يشتري بطاقة التسديد، ويقوم بتسديد الفاتورة –أو جزء منها- بسهولة ويسر. لم يتغير رأي عبدالله في وزارة الاتصالات عندما لم يجد بطاقة التسديد في مركز الاتصالات القريب من بيتهم، وبرر ذلك بأن مركز الاتصالات ذاك كسول، ولا يجري وراء رزقه، ثم بدأ رأيه هذا يهتز عندما لم يجد البطاقة في المركز الثاني والثالث، إلا أنه أصر وواصل البحث، وحصل على البطاقة أخيراً في المركز الرابع، وعاد إلى البيت مهللاً، مستبشراً، وهو يقول في ذهنه: حتى وإن كان الحصول على البطاقة صعباً فهو يظل أسهل من الذهاب لتسديد الفاتورة، والوقوف في صف طويل. عاد عبدالله إلى البيت خالي الجيوب، بعد أن دفع 5000 ريال لقاء البطاقة، ويكفي أن يعلم قارئنا العزيز أن مرتب عبدالله عشرون ألف ريال يمني، أي إن فاتورة الهاتف لم تأكل من مرتبه سوى ربعه!! وعليه أن يدفع الإيجار والكهرباء والماء ومصاريف الحياة من أكل وشرب ومواصلات، ومصاريف الأولاد من (جعالة) ومصاريف مدرسة، وملابس، ودواء إن مرض أحدهم، ... الخ بما تبقى من الراتب!! اللهم لا اعتراض فقد اتفقنا منذ بداية المقال أن حديثنا لن يكون عن أسعار الاتصالات –رغم غلائها الفاحش- ولذلك سنعود إلى قصة عبدالله، الذي نزع الكيس الشفاف من بطاقة التسديد و(كشط) الرقم السري الذي ظهر واضحاً جلياً، ثم قرأ تعليمات التسديد، فرفع سماعة الهاتف وطلب الرقم المدون على البطاقة (184) إلا أنه تفاجأ بصوت يقول له: (لا يمكنكم الاتصال بالرقم المطلوب، يرجى سداد الفاتورة)!! لماذا إذن اشترى الكرت؟!! ألم يشتر الكرت لتسديد الفاتورة؟!! وما كان من عبدالله إلا أن قام مبكراً في صبيحة اليوم التالي ليسدد الفاتورة بالتي هي أحسن، واقفاً في الطابور الطويل، وهو يدعو بكل ما يحمله من غيظ على كل من دعا لهم مسبقا في الليلة السابقة)!! هذه حالنا مع وزارة الاتصالات الموقرة، وكلنا عبدالله، فهل تفسر لنا الوزارة والمؤسسة هذه المهزلة، كيف للمواطن أن يشتري كرتاً ليدفع به فاتورة تلفونه المفصول، في حين أنه لا يستطيع الاتصال بالرقم المدون على الكرت!! إن هذه المهزلة أكبر بكثير من أن تفسر، وعند اتصالنا بعمليات الوزارة، رد علينا أحدهم مفسراً أن الرقم الذي يجب الاتصال به لتسديد الفاتورة هو 183 وليس 184!! فما رأيكم بهذا العذر الأقبح من الذنب؟! لقد تفوقت الوزارة على أبي نواس وهارون الرشيد في قصة العذر الأقبح من الذنب! ولأثبت للقراء مدى عجز وزارة الاتصالات، فكان حرياً بهم أن يقوموا فور معرفتهم بهذه (الكارثة) أن يحولوا –أو يضيفوا- الرقم 184 المطبوع على الكرت إلى الرقم المفترض وهو 183، أو أن يقوموا –وهو الأفضل- بالسماح للرقم المفصول بالاتصال بالأرقام المجانية، وهذا المتبع في كل أنحاء العالم، فماذا لو احتاج المواطن إلى الاتصال بالاسعاف، أو الشرطة، أو الإطفاء لأمر عاجل وخطير، لا أستطيع –شخصياً- تخيل الشتائم التي قد تصدر عن مواطن يحترق بيته أو يهاجمه اللصوص، أو أحتاج أحد أفراد أسرته إلى الإسعاف، فرفع السماعة ليجد من يخبره أنه لا يمكنه الاتصال بالشرطة، أو الإطفاء، أو الإسعاف لأن تلفونه مفصول!!هل يمكنكم أنتم أن تتخيلوا؟! اقرأ في "نبأ نيوز" .. مواضيع ذات علاقة بوزارة الاتصالات.. * حملة تخفيض الإنترنت في اليمن ... يقلم: د. أمير العتمي * تحيا عقلية (السياحة) وتسقط عقلية (الاتصالات)... بقلم عوض العسلي * اسرقني.. عيني عينك! ... بقلم: الدكتور أمير العتمي * (نبأ نيوز) تطلب خبراء اتصال روحي لإيصالها ب(يمن نت) * تقرير الشبكة العربية لحقوق الإنسان حول الانترنت * (يمن موبايل) تفشل في بيع أسهمها المطروحة للاكتتاب * فساد وزارة الاتصالات يدفع (عمانتيل) لرفض عرض المشغل الثالث * (يونتيل) تعجز عن الدفع والاتصالات ترفض(عمانتل) في خرق قانوني سافر