يجري سباق هائل الآن بين دهاقنة الفساد وفرسان محاربة الفساد على مضمار شعب الحكمة؛ إلا أن البنية التحتية الجبارة التي نجح الفساد في حشدها وتجييشها خلال عقود من الغفلة لا بد أن ترجح كفة الدهاقنة الماكرين، مقارنةً بأفراد الهيئة الطيبين الطاهرين الذين أخشى أن يقوموا بمحاربة طواحين الهواء في نهاية المطاف. سبب خشيتي هو غياب الدور الأساس الذي يجب أن نضطلع به جميعا نحن الجماهير: فمن غير احتشادنا وثباتنا جميعا ضد هذا الفساد، فصدقوني أنه لا جدوى ولا فائدة ولا معنى لتكرار بلاغتنا الممجوجة عن الفساد. خذوا على سبيل المثال ما تسرب مؤخراً من تقارير الجهاز المركزي عن الملايين المهدورة- ملايني وملايينك- والتي أشارت بأصابع الاتهام إلى إمبراطور نقل المحروقات توفيق عبد الرحيم، فلا أنا ولا عبد القيوم علاو، ولا عوض العسلي، إلى آخر أفراد الكتيبة الواعية التي تزدان بها "نبأ نيوز" أشِاروا للموضوع من قريب أو بعيد، ولا مكتب الإمبراطور المتهم رد بكلمة، أو هدد برفع قضية حيال تلك الاتهامات..! وهنا يظهر التساؤل المهم الذي يجب أن أتوجه به إلى هيئة الطيبين الطاهرين: إذا لم تحرككم مثل هذه الاتهامات فماذا عساه سيحرككم!!؟ أم أن (كل دي مجرد إشاعات) ومحض افتراءات!؟ أفيدونا أفادكم الله..! إلا أنني لا بد أن أؤكد هنا من جدوى الكتابة، كأضعف الإيمان، فربما يزين لي فكري بأن قيامي بانتقاد رئيس هيئة المساحة والتخطيط الحضري في مقال قديم في "نبأ نيوز" بعنوان: (التجربة المصرية) قد أسهم بالإطاحة بالرجل، ولو بعد حين، مما يحفزني على الاستمرار في موقفي ضد الفساد، وربما أنها رميةً من غير رامٍ، ولكنها أصابت ما نهدف إليه. إذاً لا بد ألاّ تترك الهيئة بمفردها أمام هذه المعركة الطاحنة، بغض النظر عن الدعم القوي، والمؤثر الذي يقدمه فخامة الرئيس.. فلا بد من وقوفنا الدائم معها حتى لو لم نمنح مثل أعضائها درجة وامتيازات وزير، لأن أخشى ما أخشاه هو أن تتماهى هيئة مكافحة الفساد مع حكاية جحا والحمار المتكلم.. فقد روي في الأثر أن ملكا أراد معلما يعلم حماره الكلام، فاعتذر جميع العلماء والحكماء، إلا جحا الذي وعد بأن يعلمه الكلام بمهلة عام. وكان رد جحا على من اتهموه بالغباء أنه خلال العام إما أن يموت الملك أو الحمار أو جحا.. والله المستعان..