إصابة 2 متظاهرين في حضرموت وباصرة يدين ويؤكد أن استخدام القوة ليس حلا    رصاص الجعيملاني والعامري في تريم.. اشتعال مواجهة بين المحتجين قوات الاحتلال وسط صمت حكومي    الأمم المتحدة: استمرار الاشتباكات في السويداء وعدد النازحين بلغ 191 ألفا    هائل سعيد أنعم.. نفوذ اقتصادي أم وصاية على القرار الجنوبي؟    مجموعة تجارية خاصة جدا يجب أن تكون معاملتها وفقا لأحكام القانون    منتخب اليمن للناشئين في المجموعة الثانية    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    عساكر أجلاف جهلة لا يعرفون للثقافة والفنون من قيمة.. يهدمون بلقيس    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    محاضرات قانونية بالعاصمة عدن لتعزيز وعي منتسبي الحزام الأمني    الأرصاد الجوية تحذّر من استمرار الأمطار الرعدية في عدة محافظات    عاجل: من أجل الجبايات.. الجعيملاني والعامري يأمران بانزال المدرعات إلى تريم واستخدام العنف    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    إيران تدعم حزب الله في مواجهة خطة تجريده من سلاحه    الهيئة التنفيذية المساعدة للانتقالي بحضرموت تُدين اقتحام مدينة تريم وتطالب بتحقيق مستقل في الانتهاكات    الاتحاد الأوروبي يقدم منحة لدعم اللاجئين في اليمن    خبير طقس يتوقع أمطار فوق المعدلات الطبيعية غرب اليمن خلال أغسطس الجاري    طيار هيروشيما الذي لم يندم.. كيف تقتل 140 ألف إنسان بلا رحمة؟    أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض.    ناشطون يطلقون حملة إلكترونية للإشادة بالتحسن الاقتصادي ودعم القيادة الجنوبية    سون نجم توتنهام يصبح أغلى صفقة في الدوري الأميركي    سلة آسيا.. لبنان يكسب قطر    خسارة موريتانيا في الوقت القاتل تمنح تنزانيا الصدارة    آسيوية السلة تغيّر مخططات لمى    الفساد حين يهاجم الشجعان .. الفريق سلطان السامعي نموذجًا    الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تنعيان الشيخ محسن عطيفة    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    من الصحافة الصفراء إلى الإعلام الأصفر.. من يدوّن تاريخ الجنوب؟    طالت عشرات الدول.. ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    صحيفة بريطانية : إجراءات حكومية جريئة وراء التعافي المفاجئ للعملة اليمنية    من هي الجهة المستوردة.. إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثي في ميناء عدن    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اللجان الدستورية والخارجية والإعلام في مجلس النواب تعقد اجتماعات مع الجانب الحكومي    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    بسبب خلافات على الجبايات.. قيادي حوثي يقتحم صندوق النظافة في إب    عدن.. البنك المركزي يوقف ترخيص منشأة صرافة ويغلق مقرها    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    زيدان يقترب من العودة للتدريب    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسفة القتال في الإسلام
نشر في نشوان نيوز يوم 04 - 10 - 2011

رابعاً: علة مشروعية القتال في الإسلام هو الظلم: لو تدبرنا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بنظرة متجددة متحررة من فهوم الآباء (العلماء) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) البقرة170،

سنجد أن فلسفة القتال في الإسلام ومشروعيته تدور حول معنى وعلة أساسية هي الظلم سواء كان ظلماً إسلامياً أو يهودياً أو مسيحياً، لا الكفر واختلاف المعتقد والدين، ولنتدبر قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39، فهذه الآية صريحة الدلالة بأن النصرة الإلهية والإذن بالقتال شرع للذين وقع عليهم الظلم بما يؤكد أن مشروعية القتال كحكم قامت على علة الظلم، و"الحكم يدور مع العلة وجوباً وعدماً" كما يقول علماء الأصول لا على علة الكفر واختلاف المعتقد والدين، ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير النص بالنص بقوله تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}العنكبوت46، ففي هذا التوجيه الإلهي الصريح بيان لوسيلة تغيير معتقدات الآخرين بأنه الحوار والجدال بالتي هي أحسن والبلاغ والتذكير، واعتبرت هذه الآية أن الحوار والجدال هو الأصل في التعامل مع أهل الكتاب (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، والقتال والحرب هو الاستثناء لمن ظلم المسلمين من أهل الكتاب بالاعتداء عليهم (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
وهذا الاستثناء بقتال أهل الكتاب ارتكز في القرآن على علة الظلم لا علة الاختلاف العقدي، ولم تكتف الآية ببيان وسيلة تصحيح معتقدات الآخرين وأفكارهم وهي الحوار والجدال، بل علمتنا أدب الحوار نفسه فجعلت شرط هذا الحوار أن يكون بالتي هي أحسن (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والأمر بالمجادلة بالتي هي أحسن منطوقاً دلّ على النهي عن المجادلة بالتي هي أسوأ مفهوماً كما يقول علماء الأصول إضافة إلى أداة الإستثناء حصراً وقصراً.
أليس في هذا البيان القرآني البديع دليل ساطع على احترام الإسلام لاختلاف الناس في العقائد على قاعدة حرية المعتقد والبلاغ.
ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير النص بالنص بأن البلاغ والحوار هو وسيلة تصحيح معتقدات الآخرين لا القتال والسيف بالآيات القطعية التي أمرت الرسول صلى الله عليه وسلم بالبيان لأهل الكتاب والبلاغ و محاورة أهل الكتاب مع الاحتجاج عليهم بما في كتبهم لا بما في القرآن فحسب، فمن الآيات التي دلت على أن الرسول صلى الله عليه وسلمقد بُعث مبيناً لأهل الكتاب ومبشراً ومنذراً، قوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }المائدة19، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15.
ومن الآيات القطعية الدالة على أن الرسول قد أمر بالبلاغ لأهل الكتاب لا القتال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{67} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{68} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{69}) المائدة.
ومن هذه الآيات نستفيد معاني جمة أهمها:
1- أن الله سبحانه وتعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ لأهل الكتاب لا بالقتال في سياق تصحيح انحرافاتهم العقائدية بما يعزز فهمنا السابق بأن إختلاف العقائد لا يوجب القتال وإنما الحوار والبلاغ.
2- أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بلاغه لأهل الكتاب ومحاورته إياهم لم يحاججهم بالقرآن وإنما بالتوراة والإنجيل لأن هذا الأسلوب هو أقوى أنواع الحجج عبر مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب بإقامة التوراة والإنجيل والعمل بما فيها لا بكتب التفسير التي كتبها الأحبار والرهبان فغطت وأخفت الكثير مما في كتب أهل الكتاب {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ}المائدة68، ويتعزز هذا الفهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جادل أهل الكتاب وحاورهم بما في كتبهم لأنها حجة عليهم بقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {93} فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{94} قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{95}}آل عمران، وقوله تعالى {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }القصص49.
3- في إطار هذه الآية الآمرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} نورد آيات تدل على أن مهام الرسل والرسول صلى الله عليه وسلم في إطار إختلاف العقائد هو مجرد البلاغ والتذكير والإنذار والتبشير لا مقاتلة الآخرين حتى يسلموا بقوله تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54، فهذه الآية دلت دلالة قطعية بأن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في إطار تصحيح المعتقدات الخاطئة هو مجرد البلاغ فحسب و (ما) النافية وأداة الإستثناء (إلا) تفيد الحصر والقصر كما يقول علماء اللغة، حتى وإن أعرضوا من بعد البلاغ فمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي مجرد البلاغ والتذكير بدليل قوله تعالى بمنهجية تفسير النص بالنص {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}الشورى48، أي إن أعرضوا بعد البلاغ والحوار والمجادلة والتذكير والبيان فقد أديت واجبك ولم ترسل عليهم وصياً وحفيظاً، ويتعزز هذا الفهم بقوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{22}) الغاشية، وقوله تعالى:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45، فهذا التواتر بالإستدلال بالآيات وربط بعضها ببعض يدل دلالة قاطعة على أن الحوار والبلاغ والتذكير هو وسيلة التفاهم لاختلاف المعتقدات لا القتال.
4- كما أن هذه الآيات التي أكدت أن الرسول صلى الله عليه وسل مبلغ أهل الكتاب وحاورهم وذكرهم تدل دلالة قاطعة على عدم صحة رأي العلماء الذين قالوا بأن آية السيف قد نسخت آيات المجادلة بالتي هي أحسن والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لأن مثل هذا الزعم ينفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاور أهل الكتاب وبلّغهم والقرآن أكد ذلك كحقيقة تاريخية قام بها الرسول وعندئذ يغدو القول بنسخ آيات الحوار والبلاغ بمثابة التكذيب للقرآن لا مجرد نسخ حكم آية بحكم آية أخرى لأن النسخ يمكن أن يتم على الآيات التي هي بمثابة أحكام نظرية مجردة لا على الآيات الخبرية التي أكدت قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بعملية الحوار والبلاغ فعلياً.
خامساً: النهي القرآني الصريح عن إستخدام القتال كأداة لتغيير معتقدات الناس وأديانهم واعتبار ذلك نوعاً من أنواع الظلم :
من خلال الربط الموضوعي بين آيات القتال بعضها ببعض كموضوع واحد يتعزز فهمنا السابق للقتال في الإسلام ولحرية المعتقد والبلاغ وكيف أن الإسلام إعتبر البلاغ والحوار وسيلة الدعوة لا القتال والحرب من خلال الآيات القرآنية الصريحة التي وردت في سياق ذم قتال الآخرين بسبب عقائدهم وإيذائهم عبر إخراجهم من ديارهم وهدم دور عبادتهم في قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40}) الحج، فهذه الآيات البينات نستفيد منها عدة معاني وأحكام شرعية أهمها:
أ‌- أن مشروعية القتال في الإسلام وفلسفته تقوم على علة وقوع الظلم على الآخرين لا علة الكفر والإيمان كما هو الفهم التقليدي الشائع (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
ب‌- تصريح هذه الآيات بأن مقاتلة الآخرين وإيذائهم عبر إخراجهم من ديارهم بسبب إختلاف عقائدهم هو نوع من أنواع الظلم الذي يوجب النصرة الإلهية عبر سنة التدافع (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
فالمقصود بالصوامع كما يقول علماء التفسير صوامع الرهبان التي يعتزلون فيها للعبادة والبيع هي كنائس النصارى والصلوات هي كنائس اليهود والمساجد هي مساجد المسلمين.
وبهذه الآيات البينات يتضح بأدلة قطعية أن مقاتلة الآخرين لإكراههم على تغيير معتقداتهم وإخراجهم من ديارهم وهدم دور عبادتهم يعتبر نوع من أنواع الظلم الذي لا يقره الإسلام بما يعزز فهمنا السابق إلى درجة القطع بأن الإسلام قائم على حرية المعتقد واحترام الأديان الأخرى وأن القتال ليس وسيلة من وسائل الدعوة وأداة من أدوات تغيير معتقدات الآخرين عبر الإكراه وإنما الحوار والبلاغ والمجادلة بالتي هي أحسن، أو بمعنى آخر أن القتال لم يشرع إلا للمحافظة على حرية الناس ديناً ونفساً وعقلاً ومالاً وعرضاً وأرضاً ويتعزز هذا الفهم بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة8.
فصريح هذه الآية فيه أمر إلهي بمعاملة أهل الكتاب وغيرهم بالبر والقسط والقبول بالتعدد العقائدي والديني في إطار الدولة الإسلامية طالما أنهم لم يعتدوا على المسلمين بالقتال بما يؤكد ما أسلفناه من أن القتال لم يشرع إبتداء وإنما لرد إعتداء (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) وإذا إنتفت العلة إنتفى الحكم فإذا لم يقاتلونا لم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بعدم الإعتداء عليهم فحسب وإنما معاملتهم أحسن معاملة (أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
ويتعزز فهمنا لهذه المعاني القرآنية القائمة على إحترام عقائد الآخرين وعلى القبول بالتعدد الديني في إطار دولة الإسلام من خلال النهي عن إخراجهم من ديارهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) بالسنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم التي كانت ترجمة عملية لهذه المعاني القرآنية حيث حافظوا على حرية اليهود والنصارى في كنف الدولة الإسلامية وقامت الدولة الإسلامية على أساس التعدد العقدي والمحافظة على حرية المعتقدات إبتداء من دولة المدينة التي قامت على أساس الصحيفة والوثيقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم ويهود المدينة التي أقرت تعدد الأديان في دولة المدينة حتى أن من ضمن ما ورد في صحيفة المدينة (المسلمون واليهود أمة من دون الناس) فهذه الصحيفة هي أول وثيقة سياسية تقوم على أساس التعدد الديني والمواطنة المتساوية ولم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة إلا بعد خيانتهم للمسلمين وتحالفهم مع قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بما يعتبر خيانة وطنية ونقضاً للعهد، وسيتم التطرق إلى هذه الوثيقة بالتفصيل في الحلقات القادمة إنشاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.