تتخذ مظاهر الازمة اليمنية اشكال مختلفة ومتفاوتة . لكن السنوات الاخيرة ابرزت ثلاث تحديات رئيسية بارزة ومعروفة وهي "الحركة الحوثية والحراك الجنوبي والقاعدة." واذا كان من اللافت في هذه التحديات الثلاثية التي تذكر بثلاثي الفقر والجهل والمرض، هو مسألة تبادل الادوار في عملية النشاط والكمون على مستوى التحرك في الداخل. فان اللافت اكثر هو درجة التشابه، في الشكل على الاقل، مع الادوار المفترضة للخارج.. اذ طالما تم النظر اعلاميا الى ثلاث دول معنية بهذه الازمة اليمنية وهي ايران والسعودية والولايات المتحدةالامريكية. ولعل التداخل بين تحديات الداخل وتضارب المصالح والاهداف والاستراتيجيات على مستوى الخارج هو ما ادى الى خلق كل هذا التعقيد والتشابك في القراءات المتعددة للازمة. وربما يكون المطلوب هو فك الارتباط والتشابك بين هذة الاطراف المختلفة ومحاولة القراءة سياسيا للاهداف والمصالح الحقيقية سواء كانت أنية او بعيدة. في تصريحات المسؤولين الحكوميين مؤخرا، جرى تصوير التحديات الداخلية على انها تحالف محور الشر على غرار المصطلح الذي اطلقه الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش ضد تنظيم القاعدة وايران وكوريا الشمالية. ورغم توافق والتقاء اهداف ومصالح القاعدة والحوثيين وعناصر الحراك الجنوبي عند نقطة ما او أكثر في مواجهة الحكومة اليمنية. لكن ليس ثمة ما يشي من قريب او بعيد الى وجود تحالف بين تلك الاطراف المتناقضة والمتباعدة فكريا وايدولوجيا. بل على العكس، هناك من يشير الى وجود تواطؤ يخدم السلطة والحكومة. والدلائل التي يسوقها البعض كثيرة، منها ما يمكن ان نطلق عليه هنا تبادل ادوار المواجهة مع الحكومة . فقبل اندلاع الحرب السادسة في صعدة والتي تتصدر حاليا مقدمة الانباء المحلية والخارجية، كان موضوع الحراك الجنوبي على أشده، حتى ان توقعات كثيرة، استبعدت مسألة هدوئه مجددا، وقبله وفي اثنائه ايضا، كانت القاعدة وبياناتها المهددة بالقادم السيء. ومع ان الامر قد يبدو طبيعيا لجهة الظروف والتكتيكات الخاصة بكل طرف، كما ان تبادلية ادوار المواجهة ليست مرصودة بدقة خصوصا لجهة ضربات القاعدة المفاجئة والتي عادة ما تشير ادبياتها الى عدم ايلاء الجانب السياسي الاهتمام الاكبر. غير ان تساؤلات البعض تدور حول ما اذا كان هنالك طرف او اطراف لها مقدرة التحكم في ضبط خيوط لعبة المواجهة نحو المكان والزمان المعين. وبالنسبة لهدوء جبهة الحراك الجنوبي، فقد اشارت معلومات غير مؤكدة الى وجود اتفاق غير معلن بين السلطات الحكومية والشيخ طارق الفضلي على التهدئة خصوصا بعد المواجهة الدموية في زنجبار والشروط التي كانت السلطة قد وضعتها في مواجهته. اما بالنسبة للعمليات المنسوبة لتنظيم القاعدة ، فهناك كثير من التحليلات التي اوضحت وجود ظروف واسباب مختلفة هيأت الارضية المناسبة لنشوء عملية الاختراقات المتبادلة بين بعض عناصر القاعدة وافراد داخل الاجهزة الامنية. بل ان بعض المهجوسين بنظرية المؤامرة يذهبون نحو التأكيد على ان القاعدة صنيعة النظام، وانه لا وجود حقيقي للتنظيم على الاراضي اليمنية. يأتي ذلك رغم توجيه القاعدة عدة ضربات مؤلمة للحكومة في الاونة الاخيرة، بحيث نالت من سمعتها وضربت الاقتصاد اليمني في الصميم، كما ادت عملياتها المتصاعدة الى اثارة المخاوف الدولية من تحول اليمن الى ما تسميه التقارير الدولية، افغانستان اخرى في المنطقة. وطالما كانت الحوثية هي الحدث الابرز حاليا بعد تفجر الحرب السادسة رسميا قبل اسابيع، فان ذلك يقود بالضرورة الى الحديث عن البعد الخارجي في الازمة اليمنية، ذاك ان هذا البعد يبدو واضحا وجليا في هذه الحرب اكثر من الحروب الخمسة الماضية وخاصة بعد التصريحات الصريحة التي اثارتها المصادر الاعلامية الايرانية. والى جانب التعاطف الكبير الذي ابدته تلك المصادر مع الحوثيين، وجهت الالة الاعلامية في طهران اتهامات للمملكة العربية السعودية تتهمها بالمشاركة في الحرب ضد الحوثيين من خلال تنسيق العمليات المشتركة مع القوات الحكومية اليمنية، وكذا مشاركة طيرانها بقصف القنابل الفوسفورية. وهو الامر الذي سارعت المصادر اليمنية الى نفيه قبل السعودية. واكدت هذه المصادر بأن التناولات الاعلامية الايرانية تكشف حقيقية التدخل الايراني في صعدة. وفيما بدا ان الحكومة اليمنية في حربها السادسة مع الحوثيين قد تقدمت خطوات هذه المرة في سياق الاتهامات الصريحة والموجهة لايران بعد الاعلان كذلك عن عثور الاجهزة الامنية على مخازن اسلحة من صنع ايراني في حوزة الحوثيين. لكن يبدو ان العنصر الاهم في ادلة الاتهام هو ما ستظل الحكومة تفتقده على الدوام كتوضيح طرق ووسائل الدعم الايراني للحوثيين بدقة ، بما في ذلك الاتهام الاخير بشأن الاسلحة الايرانية والذي نفاه الحوثيين ، مدللين على كذب الحكومة عبر مطالبتها بكشف ماتم الاعلان عنه امام الراي العام. ذلك هو ما دفع محللون ومراقون من الخارج للقول ان البعد الخارجي في موضوع صعدة مازال غير واضحا رغم تعدد الاتهامات وبيانات النفي. لكن يمكن القول بثقة كبيرة ان الواضح في موضوع صعدة هو وجود مصلحة ايرانية مؤكدة من انتصار الحوثيين وعدم انكسار شوكتهم. كما هي المصلحة اليمنية والسعودية ايضا في هزيمة الحوثيين وانكسار شوكتهم. مضافا اليهما وان بدرجة اقل امريكا. ليس لانها اصدرت مؤخرا تصريحا معبرا عن القلق ازاء تطور مجريات الاحداث في محافظة صعدة، والذي دعا الطرفين الى العودة الى اتفاقية الحوار. بل لان ذلك قد يكون من لزوميات العمل الاعلامي خصوصا من جانب دولة عظمى تعتبر نفسها راعية السلام في العالم. ويحظى تفسير الموقف الامريكي من حرب صعدة لدى بعض اليمنيين نفس التفسير الذي يورده بعض الكتاب العرب حول علاقة ايرانوامريكا في المنطقة وتحديدا في موضوع العراق والملف النووي الايراني، وذلك من خلال الحديث عن صفقات بين الجانبين والقول ان مصالحهما واحدة وان بدا في الظاهر غير ذلك. لكن في الاخير، يبدو مثلث قوس الازمات اليمنية الممتد بين الحوثية والحراك والقاعدة محكوما بظروف بيئته الداخلية المتباعدة والمتناقضة الا من الالتقاء حول معاداة الحكومة التي تلجأ بلاشك الى توظيف بعض الاحداث والعمليات الصادرة عن طرف ما ضد طرف اخر، كما تبدو احيانا عملية توظيف الحكومة لتحديات الداخل ضد الاطراف الخارجية بدافع المال. وبينما تلتقي ايران مع الحوثيين فكريا ويبدو بقائهم في قوة ومنعة في صالح تطلعاتها بالمنطقة، بخلاف المصلحة السعودية والامريكية مثلا. فانه لامجال للمقارنة بين القاعدة وايران الا من حيث القول بين بيئة الفوضى متطلب قاعدي وايراني ايضا وهي البيئة الانسب لازدهار نفوذ الطرفين. وهذا كذلك بخلاف السياسة السعودية والامريكية، حتى وان كانت نظرية الفوضى الخلاقة تجد صدى عند الكثيرين، لكن صاحب النظرية غادر السلطة العظمى بفعل عدم رضى الشعب الامريكي عن تقدير نتائج نظريته العكسية. وباستثناء قضية الحراك الجنوبي والظروف المنتجة للازمة، فان ايران كبعد خارجي تتوارى عن الساحة مقابل حضور امريكا والسعودية نظرا لعدة قراءات. لكن الجميع يعلم ان اليمن لن تكون يمنيين في حال الانفصال، وان الظروف التي انتجت نزعة الانتقام قد ولت بفعل التطورات المثيرة التي هبت على المنطقة بعد غزو العراق، ومن ثم ليس هناك من ضامن يحول دون انزلاق البلد الى الفوضى المدمرة والتي هي محل قلق خارجي اكثر من بعض الاطراف الداخل.