(الدلمون) هي حضارة عظيمة تركت كثيرا من الآثار التي تدل على رقيها وقد عرفت قبل التاريخ بأرض الفردوس وأرض الخلود والحياة. كان مركزها قبل خمسة آلاف سنة تقريبا في جزر البحرين وجزيرة (تاروت) في (القطيف) ومثلت مركزا استراتيجيا مهما فهي حلقة الوصل بين بلدان الشرق الأوسط والأدنى حيث كانت في الشمال حضارة بلاد ما بين النهرين "العراق" وفي الشرق حضارة (ميلوخا) في وادي السند "باكستان" وفي مصر حضارة الفراعنة وفي شبه الجزيرة العربية وحضارة مجان بعمان وحضارة اليمن. ارتبط اسم (دلمون) بعدد من الأساطير وبذلك أخذ الاسم بعدا أسطوريا، وقد أدى عدم التدقيق والتمحيص للمبالغة في البعد الأسطوري للاسم؛ إذ يرى البعض أن (دلمون) مساوية للفردوس أو جنة عدن التوراتية بسبب ورود اسم دلمون ضمن أسطورة الخلق السومرية "إنكي وننخرساج" وبحسب تحليل حديث لهذه الأسطورة ،فإن قصة (دلمون) منفصلة عن قصة الخلق السومرية ولكن تم دمجها معها فتوهم البعض أنها المكان الذي تزوج به (إنكي وننخرساج ) على الرغم من أن الأسطورة تتحدث عن أحداث وقعت على الأرجح في مستنقعات جنوب سومر. كذلك أعطيت (دلمون) بعداً أسطوريا كونها أرض الخلود عندما قصدها جلجامش بحثا عن زهرة الخلود. وعندما تم ربط اسم (دلمون) بالحضارة القديمة التي قامت على جزر البحرين قديماً تم إعطاء تلك الحضارة كل البعد الأسطوري الذي اكتسبه اسم (دلمون). امتدت حضارة (الدلمون) على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية من الكويت عند جزيرة (فيلكا) حتى حدود حضارة مجان في سلطنة عمان وحضارة أم النار في إمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعرفت (دلمون) بهذا الاسم عبر التاريخ لأنها محاطة بالماء من كل ناحية. جاء ذكر (دلمون) في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد و التي وجدت في بلاد الرافدين و في موقع (ايبلا) في شمال سوريا و حاول العلماء معرفة مكان (دلمون) التي وصفت بأرض الخلود و بأنها تقع حيث تشرق الشمس و تبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة. وأثبتت التنقيبات الأثرية إن البحرين هي (دلمون) المشار إليها في النصوص المسمارية القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة بل هي مركزها النابض بالنشاط و الحيوية ففيها المستوطنات من مدن وقرى تعجّ بحياة القصور والدور والأسواق والعيون الطبيعية والقنوات وفيها المعابد المقدسة وفيها مئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال والأحجام وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة و تقدم الصناعة والتجارة واتساعها حتى لعبت (دلمون) دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند، وأنحاء الجزيرة العرب الأخرى.