صراع على التحقيق في شحنة معدات الطائرات المسيّرة في المنطقة الحرة.. من يدير المشهد الأمني في عدن..؟!    إبليس العليمي يشعل الفتنة بين الحضارم.. انفجار سياسي قادم    عدن.. البنك المركزي يوقف ترخيص منشأة صرافة ويغلق مقرها    مشروع "المستشفى التعليمي لكلية طب عدن".. بين طموح الإنجاز ومحاولات الإفشال    انتقالي الضالع ينظم محاضرات توعوية لطلاب المخيم الصيفي بالمحافظة    فريق من مجلس المستشارين يطّلع على عمل مركز الطوارئ التوليدية وعدد من المراكز الصحية بأبين    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    تقرير خاص : عودة الرئيس الزُبيدي إلى عدن تُحرّك المياه الراكدة: حراك سياسي واقتصادي لافت    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تدعو لتشديد الرقابة على الأسواق    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج    في آخر أعماله القذرة.. معين عبدالملك يطلب من الهند حصر بيع القمح لهائل سعيد    همج العساكر يعربدون.. هل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟    حركة أمل: الحكومة اللبنانية تخالف بيانها الوزاري وجلسة الغد فرصة للتصحيح    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    خطوة في طريق التعافي الاقتصادي    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    رايتس رادار تدين حملات الاختطافات الحوثية في إب وتطالب بالإفراج عن المختطفين    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    قتلة وجلادي أمن مأرب يزهقون حياة طفل يتيم عمره 13 عاما    المواجهة مع هائل سعيد.. آخر معارك الوحدة اليمنية اللعينة    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    سفير إسرائيلي سابق يطالب ماكرون بفرض عقوبات فورية على إسرائيل وعزلها جغرافيًا    من ضمّني لن أتركه وحده.. وكلمة السامعي بلاغ رسمي قبل السقوط!    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    ستبقى "سلطان" الحقيقة وفارسها..    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استعادة الوعي بجواز الاختلاط.. ماذا بعد؟
أضواء
نشر في 14 أكتوبر يوم 06 - 02 - 2011

حصل أخيرا في المجتمع السعودي ما لم يكن معهودا من قبل، وهو تصدي مجموعة من رجال الدين، والمسئولين في مؤسسات دينية، للدفاع عن جواز الاختلاط بين الرجال والنساء استنادا إلى أدلة شرعية مستمدة من الكتاب والسنة.
وزير العدل السعودي، محمد العيسى، مثلا، يعلن بوضوح وحسم جواز الاختلاط ضمن ضوابط شرعية. يعتمد العيسى في موقفه على أحاديث وآيات قرآنية، كلها تفيد جواز اختلاط الرجال والنساء في أطر اجتماعية أو دينية معينة: مثل المآدب، والمناظرات العلمية، والتعليم، والحج... إلخ. بل يؤكد أن مصطلح الاختلاط لا وجود له في الشريعة الإسلامية. مضيفا أن «شيوع مصطلح الاختلاط بدل الخلوة غير الشرعية من الجناية العمدية على المصطلحات الشرعية». ويصف الوزير مواقف من يرفضون الاختلاط بدعوى الخوف على المحارم بقوله: «ومن غار على الحرمات فوق غيرة الشرع، دخل في حيز الوسوسة، وسوء الظن بالناس، والتعقب على الشريعة.» وهذا موقف غير مسبوق من مسؤول بمستوى وزير العدل.
قبل العيسى وبعده تحدث كثيرون بالمعنى ذاته. فرئيس هيئة الأمر بالمعروف في منطقة مكة المكرمة، أحمد الغامدي، يقول: «والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة»، وأن العادات والتقاليد غيرت هذا الأصل، ولم يبق منه إلا الاختلاط في أماكن العبادات مثل الصلاة والحج، وذلك لأن هذه تستعصي على العادات. وممن تكلم بمثل ذلك الشيخ عبداللطيف الحارثي، القاضي بديوان المظالم. واللافت هنا هو إجماع هؤلاء على أن الاختلاط مصطلح غير موجود في المصادر الشرعية، وأنه مصطلح مستحدث. وهو أمر مثير للاستغراب. لأنه إذا كان الأمر كذلك، فلماذا صمت من يرى هذا الرأي عقودا، بل ربما قرونا أمام تحريم الاختلاط؟ .
يبدو من كلام هؤلاء الأفاضل وكأن المجتمع هو الذي صك هذا المصطلح ليضفي على عاداته وتقاليده غطاء شرعيا يبررها ويزكيها. في حين أن العلماء ورجال الدين هم من نحت مصطلح الاختلاط، ومن ثم هم من خلط بين الدين وبين عادات المجتمع وتقاليده. والآن يأتي رجال وعلماء آخرون يصححون هذا الالتباس. وليس لهذا الموقف من تسمية إلا أنه صحوة جاءت متأخرة، أو استعادة للوعي بجواز الاختلاط بعد عقود من الصمت المطبق على تحريم هذا السلوك.
لكن موقف أصحاب الوعي المستجد يمثل مؤشرا مهما على حجم التغير الذي حصل للمجتمع السعودي، وهو موقف يأتي استجابة ولو متأخرة لهذا التغير. من الصعب أن نأتي على تفاصيل هذا التغير. لكن الأكيد أن فكرة «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا» التي تبناها العاهل السعودي، هي التي قرعت جرس الاختلاط، وأعلنت أن الزمن لم يعد يتسع له، وأنها بذلك تكون قد ألقت بحجر كبير في بركة الدولة والمجتمع. فهذه الجامعة هي أول مؤسسة تعليمية في السعودية تسمح بالاختلاط. ولم يكن من الممكن الإقدام على مثل هذه الخطوة إلا تحت مظلة الدولة أو مظلة الملك. وقد اختار الملك بمكانته وحدود صلاحياته الشرعية والدستورية أن يضفي مظلته على هذه الخطوة الكبيرة. وهذه مبادرة لا تنقصها الشجاعة أبدا، وسوف يسجلها التاريخ له.
رسميا، وفي إطار الدولة، لا يزال الاختلاط ممنوعا. وانطلاقا مما يقوله أصحاب الوعي الجديد، فإن هذا المنع ليس بالقانون والنظام، وليس بالنص الديني، وإنما بالعادة والعرف الاجتماعيين. والمربك أن جهة دينية رسمية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هي التي تتولى مراقبة الالتزام بهذا المنع. وبقدر ما أن الهيئة تمثل بهذا الدور سياسة داخلية للدولة، فإنها في الوقت نفسه تعبر عن جزء من المجتمع: ليس بالضرورة كل المجتمع، لكن عن قطاع معتبر منه. وهذا نتيجة طبيعية لأجيال تشكل وعيها عبر عقود طويلة من الزمن، وضدا على الموروث الإسلامي، على حرمة الاختلاط. من هنا تأتي أهمية موقف الملك، وشجاعته على المبادرة بكسر هذه الحلقة المفرغة.
تبدو الدولة من ناحيتها وكأنها تستجيب من خلال الهيئة لما يريده المجتمع، لكنها في الوقت نفسه تكون في هذه الجزئية تنفذ سياسة تتصادم مع سياستها التنموية الأشمل. التوسع الضخم لتعليم المرأة، في كل المراحل والتخصصات، يقابله تضييق في مجالات العمل أمام المرأة، أو وضع شروط ومحددات لعملها تحد من قدرتها على الحراك الوظيفي. يقال إن الدولة تريد بذلك ممارسة نوع من الضبط والتوجيه لعملية التغيير الاجتماعي، بحيث لا تتحول إلى عملية حرق مراحل مربكة للمجتمع، وأن تكون عملية متدرجة يمكن استيعاب نتائجها مع الوقت. لكن هذا يتطلب قبل كل شيء برنامجا واضحا يلتزم بمثل هذا الهدف، وهو غير موجود. الأهم من ذلك أن فكرة التدرج لا تنطبق على ما تواجهه المرأة من قيود في مجتمعها. لأن ما هو مفروض عليها، مثل غطاء الوجه، وعدم جواز الاختلاط، والمحرم، وولي الأمر، وعدم السماح لها بقيادة السيارة... كلها أمور مبدئية أساسية، والإبقاء عليها كما هي يعرقل التغيير ولا يمرحله أو يساعد على تدرجيته. من هذه الزاوية، لا يبدو سياسة الدولة منسجمة مع طبيعتها، ولا مع شمولية سياستها التنموية. ومن هنا مرة أخرى، تبدو أهمية واستنارة خطوة الملك.
بقي أن نعرف أن استعادة الوعي بجواز الاختلاط تفرض مراجعة أشمل للفكر الديني السائد بمنهجيته الحالية. فإذا اكتشف الآن، ما كان معروفا من قبل، من أن حرمة الاختلاط لا أساس لها من الشرع، ماذا عن المحرمات الأخرى: حرمة كشف الوجه، وحرمة قيادة المرأة للسيارة، ووجوب إغلاق الأسواق والمحلات بعد الأذان. قبل ذلك سقطت محرمات كان معمولا بها بعدما تكشف خطلها الشرعي، مثل الصورة، وبطاقة الهوية للمرأة. الاختلاط هو العنوان الأكبر لمسألة العلاقة بين المرأة والرجل. والإصرار على الفصل بينهما بدواع جنسية فقط، رسخ مع الوقت فكرة أن هذه العلاقة خارج إطار المحارم هي علاقة جنسية حصرا، وأنها لا يمكن أن تتسع لما هو غير ذلك. وهذا افتراض متوهم تحول إلى عرف يتحدد على أساسه الموقف من هذه العلاقة.
في تحقيق لصحيفة «الرياض» عن الموضوع، تقول الاختصاصية النفسية مها المشاري: «ما نحتاجه هو ثقافة التعامل بين الجنسين في أماكن العمل، إلى جانب توفير أنظمة واضحة وملزمة لبناء وضبط هذه الثقافة». لاحظ استخدامها لتعبير «ثقافة التعامل بين الجنسين في العمل»، وأنها مفقودة في ثقافة المجتمع. المفارقة هنا أن المجتمع يرسخ ما يخاف منه (الجنس) ويحاول تفاديه. بحيث أصبح النساء والرجال لا ينظرون إلى علاقتهم ببعضهم البعض إلا من الزاوية الجنسية فقط. والمطلوب في هذه الحالة أكثر من إعلان موقف، وتصحيح لمصطلح. المطلوب أن يعاد النظر في مفهوم العلاقة من أساسها، وفي السياسة الرسمية تجاه المرأة في التعليم، والصحة، والحقوق، والعلاقات الاجتماعية. وبالتوازي مع ذلك، المطلوب إعادة تشكيل وعي الرجل بالمرأة، ووعي المرأة بالرجل، وتغيير موقف كل منهما تجاه الآخر بما يؤدي إلى إخراج مصطلح «الاختلاط» من ثقافة الناس، تمشيا مع ما كان عليه المسلمون من قبل.
عن / جريدة ( الاتحاد) الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.