للأخلاق أهمية بالغة للإنسان، وذلك لما لها من تأثير في سلوكه، ذلك أن كل ما يصدر عن الإنسان من سلوك يتوافق مع ما هو مستقر في نفسه من معان وصفات. أي أن أفعال الانسان موصولة دائماً بما في نفسه من معان وصفات، صلة فروع الشجرة بجذورها المغيبة في التراب.أي أن صلاح الإنسان مرتبط بصلاح أخلاقه، فإذا صلحت أخلاقه صلح سلوكه، وإن فسدت فسد . وقد أكد الإسلام على صلاح النفوس إذا اريد تغيير أحوال الناس من عسر الى يسر، ومن شقاء الى سعادة، ومن ضيق الى رخاء، ومن قلق الى طمأنينة، ومن ذل الى عز، أو نحو ذلك، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) . وتقوم الاخلاق بوظيفة وزن سلوك الانسان وتقويمه، أي أن الانسان اذا اراد ان يفعل شيئاً او يتركه، عليه ان يزن ذلك الفعل ويقومه بمعيار الاخلاق المستقرة في نفسه، فإذا اظهر فعله مرضياً ومقبولاً، انبعثت في النفس رغبة فيه واتجاه إليه، ثم اقدام عليه، وان كان الامر خلاف ذلك انكمشت النفس عنه وكرهته، واحجمت عنه وتركته. وعملية الوزن هذه قد تكون سريعة جداً، وغير محسوس بها الى درجة ان الانسان قد يفعل الشيء او يتركه بدون رؤية او تفكير، وفي بعض الحالات لا تكون عملية الوزن هذه إلا بعد تأمل، ومضي وقت في التفكير، وقد لا تتم هذه العملية، فيقع الانسان في التردد بين الفعل أو الترك. وقد يتوقف ذلك على أنواع المعاني الأخلاقية التي يحملها الانسان، وذلك من حيث جودتها أو رداءتها، ومدى رسوخها في نفسه، وانصباغه بها، وحماسته لها، وشعوره بضرورتها بالنسبة له، فلا يكفي لظهور أثر الأخلاق في فعل الانسان او تركه، أن يعرف الانسان ما هو جيد أو رديء من الاخلاق، بل لا بد من ان ينصبغ بها كيانه، وان تترسخ في اعماق نفسه، بحيث يكون متصفاً بها، وتكون حاضرة في ذهنه، مسيطرة على سلوكه، متحمساً لها، غيوراً عليها، ومؤمناً ان الحياة لا تصلح إلا بها. ولهذا أكد الاسلام على معاني الاخلاق الفاضلة، وحث عليها، وشوق الناس اليها لكونها اخلاقاً فاضلة، تخاطب الفطرة السليمة والوجدان المباشر، ولكونها أسهل فهماً وأسهل تطبيقاً من الناحية العملية من أخلاق الفلاسفة، لذلك هي أخلاق قادرة على منح المجتمعات والشعوب الاسلامية طاقات روحية هائلة تدفعها للتقدم والنهوض. وتتميز الاخلاق الاسلامية بجملة من الخصائص منها : انها دعوة عامة، فالدعوة الى القول بما هو احسن ، هي دعوة عامة، للناس جميعاً، ان يقولوا كلاماً طيباً في جميع الاحوال والاوقات، سواء في احاديثهم او في مخاطباتهم او في مظاهراتهم او في خطاباتهم كما ان نهي الاسلام عن الاخلاق السيئة دعوة عامة كذلك، فقد دعا الناس جميعاً الى الابتعاد عن الرذائل واجتناب عمل كل قبيح . ومن خصائص الاخلاق الاسلامية الشمول، بمعنى ان دائرتها واسعة تشمل جميع افعال الانسان، سواء الافعال الخاصة بنفسه، أو الافعال المتعلقة بغيره، وسواء كان الغير فرداً او مجتمعاً او دولة. ويعتبر الاسلام كل ما هو قبيح في علاقات الافراد هو قبيح ايضاً في علاقات الدول، وما هو جميل وحسن في علاقات الافراد هو ايضاً حسن وجميل في علاقات الدول. ولا يجوز في عرف الاخلاق الاسلامية الوصول الى الغايات الشريفة باتباع الوسائل الخسيسة، كما هو الحال عند من يقول: (الغاية تبرر الوسيلة). وتمتاز الاخلاق الاسلامية بكونها موصولة بالإيمان وتقوى الله، وفي الحديث الشريف : (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) . فالإيمان يورث الأخلاق الحسنة، وعلى رأسها الأمانة وحفظ العهد، فمن فقد الأمانة وضيع العهد كان ذلك إشارة إلى خلوه من الايمان، وتفريطه بتقوى الله. أي أن الاخلاق السيئة تنافي الايمان وتناقضه، لأن الايمان والخلق الرديء لا يجتمعان. ❊ خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان