اعتبر عدد من المراقبين أن التطورات الأخيرة على صعيد الأحداث التي تشهدها الساحة اليمنية وبخاصة ما يتعلق بانشقاق بعض القادة البارزين في الجيش وعلى رأسهم اللواء علي محسن الأحمر واللواء محمد علي محسن ومعهما العميد عبداللاه القاضي وعبدالملك السياني وصالح الضنين، قد مثلت مدخلا مهما لنظام صنعاء لبدء حوار جاد وعملي مع الشباب المطالبين بالتغيير في اتجاه معالجة المشكلات الرئيسية التي أوصلت الأوضاع في البلاد إلى ما هي عليه الآن، على اعتبار أن قضية الفساد تكاد تكون هي السبب الرئيسي لما هو حاصل اليوم .. وهذه المجموعة من الأشخاص كانت قد شكلت الى جانب آخرين من بينهم حميد الاحمر وبعض إخوته، عصابة أو( إخطبوط ) الفساد الذي طال كل شيء بحيث أنه على مدى سنوات طويلة صالت وجالت هذه العصابة وعاثت فساداً في عموم محافظات اليمن، فنهبت أراضي الدولة والمواطنين والممتلكات العامة والخاصة على حد سواء، مستغلة سلطاتها ومراكز نفوذها القبلية والعسكرية. وبالتالي فإن عملية الإصلاحات ومكافحة الفساد يمكن أن تشكل منطلقاً أساسياً لأي حوار مع الشباب المطالبين بالتغير، وبحيث لابد من أن تكون نقطة البداية هنا، محاسبة عصابة (الجنرال علي محسن الأحمر)، لأننا بذلك يمكن أن نعطي الثقة للشارع اليمني بشكل عام بأن ثمة اصلاحات حقيقية ومعالجة فعلية للفساد وتطهير البلاد من رموزه. ذلك أن ما حدث - كما يرى بعض المراقبين- بالنسبة لانشقاق علي محسن الأحمر ومن معه ممن سبق الإشارة إليهم عن النظام يمثل فرصة تاريخية أمام الرئيس علي عبدالله للبدء بخطوات عملية عاجلة لمكافحة الفساد واستئصاله من مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على حد سواء بحيث يكون ذلك متزامناً مع حوار جاد وهادف وبناء مع الشباب. وبحسب المراقبين فإن انشقاق علي محسن الأحمر عن النظام يمثل كذلك فرصة كبيرة بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح للسير نحو إيجاد نظام جديد خال من الفساد، باعتبار أن علي محسن الأحمر كان يمثل عقبة كاداء في طريق الإصلاحات ومكافحة الفساد، بعد أن أوغل في فساده من نهب للأراضي وابتزاز للمستثمرين والسيطرة على البنوك والدخول في الاستثمارات النفطية. ولعل الكثيرين يعرفون أن علي محسن الأحمر ومحمد علي محسن وغيرهما ممن ينتسبون الى بيت الأحمر، كانوا من أبرز الشخصيات التي تضمنتها القوائم المعلنة من قبل الشباب المطالبين بالتغيير بل ومن قبل بعض اقطاب المعارضة، كشخصيات فاسدة مطلوب التخلص منها ومحاسبتها. وهناك من المراقبين من يرى أن نظام الفساد قد انزاح من على كاهل الدولة يوم 21 مارس بخروج عتاولة الفساد وكبار رموزه الذين طالما أساؤوا كثيراً إلى النظام الوطني الديمقراطي في اليمن الذي كما يقول المثل «رفعهم من القاع باع» وأعاقوا بل أفشلوا معظم جهود الاصلاحات والبناء والتنمية في الوطن، على الرغم من أن هؤلاء كانوا فيما سبق لا يفقهون شيئاً وكانوا يفتقرون الى الحد الأدنى من التجربة والثقافة والكفاءة. وهناك الكثير من المواطنين الذين طالهم أذى هؤلاء وبطشهم وظلمهم من جراء تلك الممارسات التسلطية التي مارسوها بحق الناس، إذ لم يكتف علي محسن الأحمر ومن معه ممن عرفوا ب(رموز الفساد) بنهب ممتلكات الدولة والمال العام، بل امتد بطشهم وفسادهم ليطال المواطنين الضعفاء الذين نهبت أراضيهم وممتلكاتهم من قبل هؤلاء الذين استولوا على مساحات شاسعة من أراضي المواطنين في مختلف محافظات اليمن سواء المحافظات الشمالية أو الجنوبية. وكان علي محسن الأحمر قد عمد منذ انتهاء حرب صيف عام 1994م إلى التصرف بأراضي المحافظات الجنوبية سواء في محافظة عدن أو في غيرها من المحافظات، وراح يصدر الآلاف من أوامر الصرف والتوزيع لتلك الأراضي وكأنها ملكية أو وريثة خاصة، مستغلاَ بذلك سلطته العسكرية، غير آبه ولا مكترث بمشاعر المواطنين الذين هم في الأساس أصحاب تلك الأراضي وملاكها الحقيقيون.. وهي ذات الممارسات التي دأب عليها اللواء علي محسن الأحمر في كثير من المناطق بالمحافظات الشمالية، التي نهب واستولى فيها على كثير من أراضي المواطنين سواء باغتصابها وتملكها قهراً لنفسه أو بالتصرف بها وتوزيعها وصرف عقود تمليك للغير بأوامر شخصية ومباشرة منه وبتوقيعه. ولعلنا نجد في أبناء منطقتي مذبح وشملان والسنية بأمانة العاصمة صنعاء والواقعتين بالقرب من معسكرات الفرقة الأولى مدرع التي يقودها،نموذجا مبسطاً لضحايا علي محسن الأحمر الذين عانوا الأمرين جراء البسط على أراضيهم وبشكل تعسفي، ولم يكونوا يملكون أمام البسط التعسفي على أراضيهم وممتلكاتهم سوى التضرع بالدعاء إلى الله بأن ينصفهم من هذا الرجل الذي ظل فوق القانون وبعيدا عن أي ملاحقات قضائية، فضلا عن الكثير من نماذج البطش والابتزاز للمستثمرين والشركات النفطية والبنوك، إذ سيطر علي محسن الأحمر وعصابة الفساد التابعة له بمن فيهم حميد الأحمر على كثير من الشركات والبنوك والاستثمارات والتجارة، ومارسوا التهريب بمختلف أشكاله، بما في ذلك تهريب الغاز والنفط والأسلحة،حتى تجارة وتهريب الممنوعات شملها أيضاً نشاطهم.. ووفقاً لمعلومات دقيقة ومؤكدة فإن علي محسن الاحمر وحميد الأحمر كثيراً ما كانا يلتقيان في مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع بصنعاء ويعقدان الصفقات التجارية سواء تلك المتعلقة بالأراضي التي يقومون بالاستيلاء عليها أو الانشطة التجارية الأخرى ضمن شراكتهما الثنائية أحياناً، وأحياناً أخرى في إطار تلك الشراكة التي تربطهما مع باقي شركائهما من رموز عصابة الفساد. وكل تلك الأعمال وممارسات النهب التي يقومون بها لحقوق وممتلكات الناس، بالطبع كانت محسوبة على نظام الحكم في اليمن، باعتبار أن أولئك الذين كشفوا عن أقنعتهم كانوا محسوبين على رئيس الدولة، بحيث استغلوا مناصبهم وصلات القرابة التي تربطهم به في القيام بمثل تلك الاعمال والممارسات التسلطية، فمارسوا إرهاب الناس واستغلوا وجاهاتهم وقربهم لتحقيق مصالح خاصة وبناء ثروات طائلة على حساب المواطنين البسطاء، بينما كان كل مسئولي النظام تقريباً يغضون الطرف عن ممارسات أولئك النفر الذين زيفوا كل شيء وجيروه باسم النظام، كما منحوا أولادهم الشهادات العلمية المزورة ومكنوهم من المناصب والرتب وغيرها، من منظور أنهم أبناء الذوات. وبالتالي فقد استطاع هؤلاء أن يلصقوا بالنظام صفة الفساد، لأنهم أفسدوا في ظله وعبثوا في حمايته.. وصدقوا أنفسهم رغم أنهم كانوا وما زالوا غير قادرين حتى على نطق الكلمات بشكل سليم. ولم يكن إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية تأييده لما يسمى ثورة الشباب مفاجئا كما صورته الماكنة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج ، بل ان العملية هي تحصيل حاصل ، فالرجل معروف بعلاقته التاريخية بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة والجماعات الجهادية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وهناك من يعتبر أن علي محسن الاحمر يمثل الاب الروحي لتنظيم القاعدة في اليمن وبالذات الجناح العسكري. ولذلك فقد جعل من الفرقة الأولى مدرع وكرا لتلك الجماعات وخصوصا (الإخوان المسلمين) الذين حصلوا على رتب عسكرية بمن فيهم القيادي الاخواني «محمد قحطان» الذي كان يعد من المقربين لعلي محسن الأحمر الذي يعد ومعه كل من عبدالمجيد الزنداني وعبدالله صعتر ومحمد اليدومي وغيرهم من قيادات الاخوان المسلمين المنضوية في اطار ما يعرف بالتجمع اليمني للإصلاح، القادة الفعليين والممولين الاساسيين لتنظيم القاعدة في اليمن، بحيث استطاعوا إلى حد ما أن يتكتموا على أدوارهم هذه تحت مظلة ما يملكونه من شركات ومؤسسات تجارية تتوزع في مختلف المحافظات. ولعل وجود اللواء علي محسن الأحمر ضمن قائمة قيادات تنظيم القاعدة في اليمن قد تسبب في كثير من الحرج للنظام اليمني أمام المجتمع الدولي وبخاصة بعد ان ورد اسمه ضمن المتهمين بتمويل الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر مع رجل الدين المتشدد عبدالمجيد الزنداني الذي كان قد حصل من اللواء علي محسن على تلك المساحة الشاسعة من الأراضي التي اقام عليها مشروع جامعة «الإيمان»، التي تعد احد أوكار تفريخ الإرهابيين، والتي كان الهدف من اقامتها وفقاً لما نقله مقربون عن الزنداني هو خلق جيل مشبع بالفكر الجهادي الذي لن تقوم الأمة الإسلامية ولن يقوم الاسلام ويعم العالم إلا بوجوده من وجهة نظرهم. كما أن اللواء علي محسن الأحمر كثيراً ما تسبب في تعكير صفو علاقات اليمن مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي طالبت صنعاء مرات عدة بتسليمه باعتباره متهماً بتمويل الجماعات الإرهابية وضالعاً في الهجوم الارهابي الذي تعرضت له المدمرة الامريكية « يو اس اس كول» قبالة ميناء عدن في أكتوبر عام 2000م، الذي أودى بحياة العشرات من مشاة البحرية الامريكية إلى جانب طارق الفضلي الذي كان من المقربين لزعيم القاعدة أسامة بن لادن وتربطه علاقة تنظيمية وثيقة باللواء علي محسن الأحمر، وهي العلاقة التي توطدت أكثر بارتباط الرجلين بعلاقة مصاهرة، وذلك عندما اقترن علي محسن الأحمر بشقيقة طارق الفضلي، وكما هو معروف أن العناصر الجهادية بمن فيهم عناصر تنظيم القاعدة اعتادوا وبشكل لافت على توثيق علاقاتهم ببعضهم من خلال المصاهرة التي ربما يرون أنها تمثل ضمانة قوية لديمومة تلك العلاقات. وهناك من يرون أن علي محسن الأحمر لم يكن يوما إلى جانب الإخوان المسلمين بل دمية في أيديهم، خصوصا وان هذا الرجل لا يملك من قراره شيئاً سوى الإنصات لخطب الوعظ والإرشاد التي يلقيها عليه الساسة الملتحون من جماعة الإخوان ومن على شاكلتهم من الجماعات الدينية المتطرفة وتنفيذ ما يطلب منه بكل سمع وطاعة. وبالتالي لن نجافي الحقيقة اذا قلنا ان رحيل علي محسن عن النظام سيعطي دفعة قوية للقضاء على الفساد في المؤسسة العسكرية والمدنية والقيام بثورة إصلاحية تمحو تلك الصورة السلبية التي لطالما رسمها هؤلاء الذين عاثوا في الارض فساداً. ذلك أن الفساد الذي استشرى طيلة المرحلة الماضية كان قد جعل من هذا الرجل عالة على سلطات الدولة واصبح مثل الورم الخبيث الذي لا علاج له إلا باستئصاله واجتثاثه ، وهو ما يمكن القول إنه قد تحقق يوم 21 مارس الجاري عندما اختار الانشقاق والخروج من صف الدولة الذي تمادى كثيراً في تدنيسه بمفاسده التي لا حصر لها، لتعود الأمور بذلك الى نصابها الصحيح وبما يفتح المجال نحو إعادة بناء المؤسسة العسكرية وفق معايير مؤسسية خالية من كل العلات والعاهات. وختاماً نود الإشارة إلى ما حدث يوم 21 مارس.. كان المضحك أن علي محسن الأحمر بدا وكأنه يريد أن يجعل من نفسه «طنطاوي اليمن»، متناسياً ذلك الفرق الشاسع بينه وبين «طنطاوي مصر» ثقافة وعلماً وقدرة، وغاب عنه أن الجميع يعرف حقيقة مستواه الثقافي والفكري، وأن من يعد له البيانات والكلمات المنمقة هو الاخواني محمد قحطان والقاعدي عسكر زعبل وغيرهما من عناصر الاخوان. كما تناسى تلك الحقيقة الساطعة التي يعرفها عامة الناس بأن يده ملطخة بدماء الحوثيين الذين ذبحهم في جبال صعدة ورمل نساءهم ويتم أطفالهم وشردهم من مساكنهم.. كما نسي ما ارتكبه من جرائم ومذابح ضد الناصريين والاشتراكيين وأنه استباح حرماتهم وأباح دماءهم ونهب أراضيهم، إلى درجة لم يجدوا معها غير المطالبة باستقلال جنوب الوطن عن النظام الظالم الرجعي التسلطي،بسبب ممارسات أولئك المفترسين من عصابة الفساد التي يتزعمها علي محسن الأحمر، وهي العصابة التي بطشت بالضعفاء والفقراء ونهبت أراضيهم وحرمتهم من أبسط مقومات الحياة والمواطنة. وبالتالي فقد حق عليهم القول « اذا لم تستح فاصنع ما شئت». والدلائل كثيرة وواضحة وظاهرة للغاية.