1 - من مطلع الصمت إلى غروب الكلام، الكلام الذي أتعبه الرحيل و كلما وجد نتوءاً استوقفه ظنا منه أن المحطات تجبر الراحل على التوقف . لكني لم أحاول أن أفتش في ثنايا كلمات كرائحة عطر تجاوزت فراسة حاسة الشم لدي، لأني نادراً ما استخدم فراستي في هذا الاتجاه، و لم أحاول أن استوقف سيول حروفك وهي تكسر سدودي عنوة، وتقلب صفحاتي كزوبعة في فنجان القهوة، ولم أحاول ترميم بنيان أنهار تحت جحافل ظنونك و هي تحنو بسفور طاغ إلى إيحائك بأن تلك الفرس سهلة الانقياد، وسحر الكلام سيصنع منها زورقاً ورقياً عصفت به الأمواج و استقر في حويصلة صخرة مدببة، و من البديهي أن يعلق ذلك الزورق الطافي حسب تخمينك بأي عائق، والكلمات الساحرة كالموج تجرف معها كل تكوين انبنى على هامش اللقاء، و هديرك الطاغي يصم الآذان عندما يمر على جثة سمعي و هو ممعن في تجاهلي، استفزازاً لنبض قلبي المشتت بينك و بين دوافعك المتفانية في تحقيق انتصارك . وككل مرة تفكر فقط كيف تشيد صروحك على حيز معلق في الهواء الطلق، فلا يكاد يظهر لك في الآفاق سوى عناق السماء لقمم صروحك التي مازالت قابعة في خريطتك الهندسية . لم أحاول أن أغزل من خيوط كبريائي التي تزين وشاحي الأزلي هوية و ادعائها دون حق . لكنك أمعنت كثيراً في الدوس على براعم صمتي، كي لا يكتمل نموها إلا إذا كانت أهواؤك حديقتها، ولا ترضى أن تتفتح أزهارها إلا إذا كنت قصصت لها شريط الافتتاح بمقص مزاجك، كما لا يجوز أن يعبرها الربيع إلا إذا أظهر لك الطاعة و التبجيل . أكان علي التظاهر بعكس ما أراه منعكساً على نواجذي ؟. وظاهراً للداني و القاصي! وهو يكاد ينطق الطين، ويسترد منها الأنين، وما على الهدب أن يسحب فتيل الدمع الحزين .. إلا إني أرفض و بكل قوة إخفاء ما هو ظاهر، و التظاهر بعكسه وأن أكون طرفاً في حرب خاسرة . أما علمت بأن قلبي سيد قراري؟.. رغم أنه نزيه من كل تلويث الدهر ، و لا تشوبه شائبة . هب أنه متواطئ مع عقلي ! وان كان العقل لا يخطئ غالباً.. إلا أن قلبي أكثر منه وعياً . والحدس لا يفلت يده من البصيرة التي قد تتوارى خلفها حواجز ضبابية .. إلا إن البصيرة تخترق الحواجز . لهذا حاشاني لوكنت أهملت ري رياض صدقنا ذات يوم، وحاشاني إن لم أفتح نافذة قلبي كي يتسلل من ضلعها الشرقي لوجين القمر، ذاك الذي يتقن كيف يلعب دورك غيابا وحضوراً، فتجيد السماء فتح أزاريرها لتدسك في قميصها الفضفاض. 2 - من مطلع صمتي إلى غروب الكلام ، مازلت أحاول أن أطبق على حروفي نواميسك التي أقرت بها الكتابة منذ بدء الهجاء وتخوم الإملاء . لم يملِ علي الزمن إلا ما أمليته أنت على ذائقتي، ورفعت به سقفاً بدا يهتز تحت برق الاختلاف، و هزات هزيم الخلاف بيني و بين ما كان من سابق الآلام و مسبوق بالآتي لا يمحوه سوى كفك الدحم، الذي لم أتنبأ به إلا عندما تناهت إلي خطواتك الواثقة والدافقة بالدفء و الأمان و التي تدلل على أنك القرم . أرجوك يا لحن الشرق لا تنس أني دمجت بأنفاسي عطراً لا يغتسل به النسيان، فأنا شرقية العطر و الذكاء والذاكرة، و الغضب و الرضا، و شرقيتي هي التي تلامس أصابعك بطرف وشاحي..و تنسج منه ابتسامة نسيمٍ برائحة مسك قديم، قدم اللقاء .. وكان اللقاء قبل ديناميكية اللقاء المعروف لأنه تم هناك في الغيم .. حروفك ناولتني فاكهة لم أتذوقها من قبل، وحروفي نثرت أمامك حبات خضل ماطرة حين قلت كيف للسماء أن تمطر ذهباً و لآلئ، وكلانا كان أشبه بالآخر .. وكلانا اتجه بعكس وجهة الآخر، فالطرق تدبر اللقاءات و تتفرق في أول التفاتة نحو ردات أفعالنا، وما إن استقر السحر والذهول حتى تبدلت الاتجاهات كتبديل السكك الحديدية لمساراتها . وشرقيتك هي التي تربطني بندائك الذي يوحي لك دائماً بأني غير آبهة به نظرا لشرقيتي . ولا تنس بأني أعلم جيدا انا معاً نحب البحر، ولكن لا تفسر صمتي بالغرور، لأن الغرور أعمى، فلا يرى سوى عمود ظل تكسره الجدران بسهولة، ويمحوه الزوال على هدب الليل . الغرور من صفات البحر فأنا لم اتهمه يوما بالغدر لأن الإنسان سبقه على ارتداء ثوب الغرور. وحيث حبنا بدأ من البحر، فهو لن ينتهي حتى تتبلل الطين في اليابسة بلون الحب..ذاك الذي يكتبنا معاً حتى يغرق البحر بنا، ومن تراه سينتشل البحر من نظراتنا المتشابكة دون التلاقي من خلف شاطئين متقابلين؟ لا تسكب براكين غضبك ملامة علي لأن الشواطئ لا تلتقي أبداً..أبدا..أبداً..أبداً