العالم الخارجي يصنف بلادنا في مقدمة البلدان الأكثر فقراً وتخلفاً وفي آخر قائمة الدول الأقل نمواً، لا لأن اسمها يبدأ بحرف (الياء) الذي هو آخر أحرف الالفبائية بل لأنها ورثت تركة ثقيلة من الجهل والفقر والمرض والتخلف عن قوى الظلام والكهنوت والاستعمار القديم، وبدلاً من أن تبدأ عملية البناء والتنمية واللحاق بركب التطور الحضاري بعد مرحلة التحرر والاستقلال فإن المصالح الأنانية والضيقة لبعض النخب السياسية المسيطرة كانت بمثابة حجر عثرة أمام تحقيق أهداف الثورة هنا وهناك وساعدت الصراعات السياسية على السلطة في تأخير بناء الدولة اليمنية الحديثة إضافة إلى عوامل أخرى موضوعية وغير موضوعية إلى أن جاءت الوحدة المباركة التي استبشر الناس بقدومها وبخيرها إلا أن البلاد لم تهدأ ولم تستطع أن تتخلص من طاحونة الصراعات التي لاتتوقف نتيجة النظرة القاصرة للأمور من قبل بعض أصحاب القرار الذين لايهمهم إلا مصالحهم الشخصية وخيانة الوطن من خلال تحقيق أجندات خارجية مشبوهة .. إلا أن أكثر أبناء هذا الوطن المعطاء من المناضلين الوطنيين الشرفاء عملوا ما بوسعهم وجهدهم لخوض أكثر من معركة على أكثر من جبهة وصعيد فخاضوا معارك سياسية وتنموية ضد الفقر والجهل والمرض والظلم والجور والتخلف من أجل تحرر الأرض والإنسان وانعتاقه من ربقة قيود تلك المعوقات التي واجهها وتصدى لها أولئك المناضلون الشرفاء وسعوا إلى المزيد من ممارسة الديمقراطية والدفاع عن حرية الرأي والتعبير وإحلال الأمن والسكينة والاستقرار وتحقيق الحد الأدنى من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية برغم الظروف الصعبة التي واجهتهم من قبل قوى الشر والظلام وأعداء الحياة وصارعوها بعزيمة لاتقهر وتكبدوا الكثير من الخسائر في حياتهم ووقتهم وأرواحهم. ولو عدنا بشريط الذاكرة إلى الوراء وإلى أروع وأجمل وأبدع ما في ماضينا التليد وتاريخنا المجيد وعقدنا مقارنة بينه وبين واقعنا المرير لتحسرنا أو متنا من الحسرة على ما كانت عليه بلادنا من مجد وسؤدد، البلاد التي وصفها الرب الغفور بالبلدة الطيبة وبلد الشورى ووصفها رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم ببلد الإيمان والحكمة وعرفت عند الاغريق بالعربية السعيدة لأنها بلد اليمُن والخير والزراعة والبركة كان الاقتصاد فيها مزدهراً والتجارة رابحة وخاصة تجارة العطور والفنون والعلم والعلماء والصحابة والفتوحات الإسلامية التي كان معظم جنودها من اليمن ونشروا الدين والأخلاق في أصقاع الأرض شرقاً وغرباً. واليوم يا للحسرة نشاهد صوراً من الانقسامات والتصدعات والخلافات بين أبناء الوطن الواحد سلطة ومعارضة وشباباً وقوات مسلحة وقبائل وعلماء وبعض تمردات أفراد هنا وهناك برزت نتيجة تضارب مصالح ضيقة وصراع وحروب على السلطة ونتيجة افكار وأيديولوجيات متضاربة ومتناقضة لايدخل تحتها الوطن ولا المواطن ولا تقدر المسؤولية على عاتقها وستقود الوطن إلى حافة الهاوية وإلى مصير مجهول بسبب غرورها وعنادها ورفضها لمبدأ الحوار الذي به تحل كل مشاكل البلاد والعباد. اين ذلك الماضي العريق من قتل النفس التي حرم الله اليوم وعدم احترام حقوق الإنسان واحتقار المرأة والفوضى والدمار واتلاف الممتلكات العامة والخاصة وضعف الوازع الديني والأخلاقي واختفاء صور الألفة والمحبة والرحمة والتكافل الاجتماعي؟ لقد قست القلوب وتحولنا إلى وحوش ينهش بعضها لحم بعض حتى اضحكنا العالم علينا فصاروا يصفون بلد اليمن السعيد باليمن التعيس وينظرون إلينا بسخرية وازدراء لتخلفنا عن ركب الحضارة والتطور.