الرئيس اليمني علي عبدالله صالح هو أطول رؤساء الجمهوريات العربية مكوثاً في السلطة بعد الرئيس الليبي معمر القذافي حيث مضى عليه 27 عاماً في رئاسة الجمهورية اليمنية التي تولاها منذ عام 1978م، وهو ايضا من الرؤساء الذين أثير اللغط عن عزمهم توريث السلطة لابنائهم او حامت حولهم الشبهات القوية حول هذه النوايا المبيتة.. وعُرف الجنرال صالح الذي استلم السلطة على اثر اغتيال سلفه الجنرال الغشمي بسلطاته القوية والواسعة في مسك زمام السلطة حيث فشلت كل المحاولات الانقلابية عليه أو لاغتياله واستطاع بمهارة فائقة ان يستغل أزمة الحزب الاشتراكي الحاكم في الشطر الجنوبي في اواخر الثمانينيات ومغازلة تصاعد دعواتهم للوحدة مع الشطر الجنوبي تحت وطأة تلك الأزمة ولمداراة فشلهم.. استطاع ان يجر قادتهم لتحقيقها عام 1990م ثم لينقلب عليهم لاحقاً عام 1994م ويبعد معظمهم عن السلطة. وهو الى ذلك قائد أعلى للجيش الموحد وينتمي الى واحدة من القبائل الكبرى الرئيسية في الشمال هي قبيلة حاشد الرقم الصعب في أي توازن قبلي داخل السلطة، وهو يستمد جزءاً من مشروعيته - مهما رفع من شعارات سياسية معاصرة - إلى هذا التمثيل القبلي. وقد امتاز بالصراحة الواضحة المتناهية إعلانه في خطابه الأخير بعدم نيته على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة المقبلة معللاً ذلك بمبررات موضوعية ديمقراطية لا تشوبها شائبة إذا ما صدقت النوايا، كالرغبة في ارساء نظام حقيقي للتداول السلمي للسلطة وفتح المجال للأحزاب والتنظيمات السياسية «إلى اختيار الكفاءات والشباب من الوطنيين الشرفاء لأن الوطن مليء بالكفاءات من الشرفاء ويحتاج إلى دماء جديدة«.. اكثر من ذلك فقد صرح في هذا الخطاب بأن الناس ملت من وجوهنا علماً بأنه نفسه صاحب التعبير الشهير بأنه ما لم نحلق رؤوسنا بأنفسنا فإن الأمريكيين سيحلقونها لنا. الا ان عدة اعتبارات هي التي دفعت بعدم حمل اعلانه المفاجىء محمل الجد: أولاً: ما يُعرف عن الرئيس من السلطات الواسعة المطلقة التي يجمعها وينفرد بها بين يديه. ثانيا: نشأته وتربيته القبلية والعسكرية اللتان تتناقضان وهذه الأريحية في التنازل الطوعي عن السلطة. ثالثاً: عدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية في مجتمع قبلي لإجماع القوى السياسية والاجتماعية على فرض هذا الحل الديمقراطي لتداول السلطة ووجود مراكز قوى ونفوذ موالية للرئيس في السلطة ترتبط مصالحها بوجوده ستعرقل هذا الحل ولن تدعه بأي حال من الأحوال الابتعاد عنها وتركها لمهب الريح. فما لم يتم اجباره على الاستمرار في الحكم بافتراض جدية عزمه على التقاعد السياسي فإنه سيُجبر على توريث الرئاسة لابنه او لأحد المقربين منهم. بل لا يتوانى العديد من المحللين او المراقبين للشأن اليمني عن ترجيح واحد من ثلاثة سيناريوهات تخريجية مبيتة سيقدم عليها الرئيس: 1- إما العدول عن قراره استجابة "لضغط الجماهير" وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم. 2- وإما فسح المجال لتوريث السلطة لابنه البكر أحمد الذي يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري وقائد القوات الخاصة. 3- وإما فسح المجال لشخصية مقربة منه في الحزب أو المؤسسة العسكرية بحيث يكون انسحابه صورياً ويدير هو زمام صناعة القرار من خلف الكواليس خاصة وانه شدد في اعلانه اكثر من مرة على وجوب اختيار الكفاءات من «الشرفاء«. واذا ما صحت واحدة من هذه التخريجات الثلاث فإنها ستكون فضيحة مدوية امام العالم لا تقل مهزلة عن مهزلة الاستمرار في احتكار رئاسة الحكم الجمهوري العربي نفسه.. إذ ما نفع مثل هذه السيناريوهات التمثيلية المكشوفة ما لم تغير واقع الحال من فساد النظام الجمهوري العربي وشموليته المزمنة بابتعاده عن التداول الحقيقي للسلطة وفصل السلطات الثلاث واستقلال السلطة القضائية والتعددية الحزبية وضمان الحريات العامة؟ قال الامام الكاظم «ع« لهشام بن الحكم: ياهشام لو كانت في يدك جوزة وقال الناس لؤلؤة، ما كان ينفعك وانت تعلم أنها جوزة؟ ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس انها جوزة ما يضرك وانت تعلم أنها لؤلؤة؟! *نقلا عن الخليج البحرينية 25/7/2005م