إن الاكتفاء بدور المراقب والمتصيد للأخطاء هو اختزال مبتذل للدور الذي يجب أن تلعبه المعارضة داخل النظام الديمقراطي الذي يرتكز بالأساس على العطاء الحقيقي والمساهمة الفعالة في ترسيخ وتطوير العملية الديمقراطية لكافة المشاركين في المنظومة السياسية من أحزاب السلطة والمعارضة، وهو ما يخلق حراكاً ايجابياً وفعالاً في الساحة السياسية ما من شأنه خلق روح التجديد والإبداع في وحدات النظام الديمقراطي ومؤسساته وقنواته الرسمية والشعبية. التسليم بإبقاء المعارضة في خندق المترقب والتمترس خلف دفاعات وهمية بحجة الدفاع عن وجودها في المنظومة السياسية وتكريس كل الجهود في أدائها وعطائها حول إيجاد صيغ مرنة بينها وبين السلطة (الحزب الحاكم) للإبقاء على أجندة مصالحها الحزبية أو المصالح الأخرى التي تتعلق ببقائها على قيد الحياة في مكملات اللوحة الديمقراطية ولعب أدوار لا ترتبط وجوهر حقيقة وجودها كبديل وحكومات ظل والوصول إلى السلطة بالطرق السلمية، هذا التسليم اليائس لرصيف الهامش الديمقراطي القابعة فيه المعارضة والمحاصر بأشواك الاختناق السياسي وضعف المشاركة وزحف الطموح الفردي أو الحزبي للأحزاب المستحوذة على السلطة يعمل على أضعاف عمليات التطور والنمو في التجربة الديمقراطية ويقتل كل الطموحات المشروعة في تحقيق أهداف المشاركة الشعبية الحقة في صناعة القرار وإضعاف النمو التصاعدي للخبرات والممارسات الديمقراطية داخل المجتمع ومؤسسات الدولة ويبطئ من مؤشرات النضوج ويقرب النظام الديمقراطي بكامله من التفكك والانهيار والسقوط كغنيمة سهلة المنال في مستنقعات التفردية والأوحدية وكماشات الإغراءات بالبقاء طويلاً على كراسي السلطة للفرد أو الحزب الأوحد الذي سيكرس جهوده عن طريق إضعاف منافسيه في المعارضة على السلطة وإبقائهم أتباع تدور في فلك رعايته وحمايته وهيمنته على كافة أوجه العمل الديمقراطي، واستغلال هذا الضعف والغياب الشعبي والسياسي لتشكيل نظام (شكلي) ديمقراطي وكرتنة العملية الديمقراطية بمساهمة وبمشاركة أكيدة للسلبية المعارضية.. إن المتابع لحالات الوهن والضعف والاختناق السياسي التي تعيشها التجربة الديمقراطية اليمنية وافتقادها لزخم الحراك الديمقراطي في جوانب الساحة السياسية، خلق أوضاعاً كسيحة في الجسد الديمقراطي لم تصمد كثيراً أمام الاختراقات الاحتوائية وسموم الثقافة الشمولية ولعنات الاقصاءات والرفض السائد لتوسيع منافذ الحريات والرغبات المتزايدة في التفردية واختزال الديمقراطية عبر انتخابات شكلية ومعروفة نتائجها سلفاً ومجالس برلمانية ومحلية لا تمثل سوى شخوصها التي فرضتها مسلمات الأمر الواقع الخانقة داخل المجاميع الجماهيرية والشعبية، وتعزيز سعي السلطة والحزب الحاكم لتشديد فبضتها على وظيفة الدولة والاستقرار باستغلال المال العام وموارد المجتمع لصالح السلطة، إضافة إلى المحاولات الجريئة والمفرطة للقفز فوق القانون والعبث الموسمي بمواد الدستور كل هذه الأمور وغيرها خلق جواً مسموماً وغير صحياً لنمو التجربة الديمقراطية بعدما افتقدت لأي ممارسات ديمقراطية إيجابية في الساحة السياسية جعل من التجربة تقف في حدود لحظة الميلاد وإن كانت حتى تلك الفترة قد شهدت تراجعاً في الخطوات.. هذا التراجع المخيف للتجربة الديمقراطية والتي أفسحت المساحة للهامش والرصيف ليستوعب الدولة والمعارضة لا يتحمل الحزب الحاكم المسئولية لوحده بقدر ما ساهم القصور والتسليم بالأمر الواقع والاكتفاء بلعب دور المساوم والمراقب المتصيد للمعارضة الشريكة في تحمل مسئولية انهيار النظام الديمقراطي، فالحكمة القديمة تقول: «ما الذي فرعنك يا فرعون قال ما لقيت أحد يوقفني»