ليست أمواج البحار وهيجانه أو الأسماك المفترسة ما يخافون، فالخوف يأتيهم من البشر بدءاً من أبناء جلدتهم، فمنذ أن يبدأ الصياد اليمني انطلاقه من موقع استراحته، ليبدأ رحلة الصيد، يراوده الخوف من أن يعود ليجد نفسه بلا موقع يرسو عليه عند عودته، وما أن يتقدم عشرات الأمتار في البحر تحل هواجس الخوف من القارب الذي يقوده وعدم وصوله إلى العمق، بل إنه لا يسمح له بالتقدم أكثر من 200متر، وإن كان قاربه حديثاً ومتطوراً، يبلغ الأعماق، وبقدر بلوغه تزداد مخاوفه من قراصنة يخطفونه ويسلبون قاربه، أو من عيارات نارية تصدرها قوات التحالف فتودي بحياته، همومٌ وهواجسٌ عمقتها أحداث واقعية، حتى أضحت واقعاً يومياً، دفعت بالصادين اليمنيين إلى الهروب من بيئة هي مصدر عيش أسرهم وجزءٌ فاعلٌ في الدخل القومي لليمن، وعلى إثر ذلك تراجع حجم الإنتاج السمكي لكل المحافظات اليمنية المطلة على البحر، وتراجعت إيرادات هذه الثروة إلى خزانة الدولة، في ظل قصور أمني للقوات البحرية اليمنية، وعدم جدية من الجهات المعنية لحل الإشكالات التي تواجه الصيادين ولا مبالاة بالأخذ بتوصيات النقابات والاتحادات المهنية العاملة في هذا المجال، كما أن هذا الوضع لم يمنع أو يحد من استمرار بقاء جمعيات وهمية تعمل في القطاع السمكي وتتقاضى موازنات باهظة، دون أن تخدم هذا القطاع في الواقع. عن هذا الوضع وما يعانيه الصيادون في بلادنا ودور الجهات المعنية في حل هذه الإشكاليات حاورنا الأستاذ علي أحمد بن شباء، رئيس الاتحاد التعاوني السمكي، فإلى الحصيلة: ماجد البكالي بالنسبة لخطتكم وجديدكم لهذا العام2009م في سبيل تطوير الأداء السمكي وخدمة الصياد؟ بالنسبة للعام2009م، هناك خطة للاتحاد؛ ولكن مع الأسف أن ما استجد في المياه الإقليمية من قرصنة وقوات تحالف دولية أضحى شغلنا الشاغل اليوم؛ لما ألحقته من ضرر بالصيادين، أدَّت إلى تعطيل أكثر الصيادين لاسيما صيادي أسماك التونة لم يستطيعوا مزاولة عملهم، لأن القرصنة وقوات التحالف لم تُميِّز الصيادين من غيرهم، وهو ما أدى إلى توقفهم عن العمل، وبالتالي انخفاض كمية إنتاج الأسماك، وزادت هذه التهديدات منذ عام 2008م، وتعمقت هذا العام. ما هي الحلول التي تقدمونها بوصفكم اتحاد سمكي يعنى بالصيادين وحمايتهم من القرصنة أو قوات التحالف؟ - ما نقدمه هو منع الصيادين عن العمل كي لا تتعرض حياتهم للخطر سواءً أكان من القراصنة أم قوات التحالف، فنحن لا نريد أن نخاطر بأرواح صيادينا وممتلكاتهم إلا إذا كان الصياد يصر للذهاب بنفسه، إضافة إلى أننا نبذل جهوداً بالتواصل مع وزارة الثروة السمكية والجهات ذات العلاقة لإيجاد حلول مناسبة تمكن الصياد من مزاولة عمله بأمان دون أن يتعرض للضرر. أبرز معاناة تواجه الصيادين تبدأ من صعوبة الحصول على قوارب صيد حديثة تمكنهم من الاصطياد في مسافات بعيدة في البحر، وحتى بنك التسليف المعني بالقروض السمكية لم يقدم لهم التسهيلات المناسبة، ما هو دوركم أنتم ووزارة الثروة السمكية للحد من معاناة الصياد؟ - بخصوص هذا الموضوع عانينا كثيراً من بنك التسليف، وحاولنا أن نأخذ من البنك قروضاً للصيادين والتعاون معهم، وكانت الرسوم والغرامات عملياً مرتفعة جداً على الصيادين من قبل البنك، لكننا الآن، في سبيل الحد من هذه المعاناة وتوفير قوارب مميزة للصيادين، وضعنا آلية مع وزارة الثروة السمكية تقضي بتحسين القارب التقليدي وتطويره وإن شاء الله نكون عند حسن ظن الصيادين، والأخ وزير الثروة السمكية يولي هذا الجانب اهتماماً بالغاً. بماذا تتصف القوارب التقليدية المحسنة؟ - تتصف بأنها مزودة بثلاث ثلاجات لحفظ الصيد، وأدوات للسلامة وأدوات لأمان الصياد، وغرفة لقيادة القارب، ويحمل القارب الواحد من 5إلى6 أطنان من الأسماك وتختلف في أحجامها من 5 أمتار وحتى 12متراً طولاً، تعطى الأحجام وفق نشاط الصياد، وقدرته الإنتاجية، ووسائل الصيد التي يستخدمها ويملكها. ماذا عن علاقتكم مع وزارة الثروة السمكية والجهات المعنية ومدى تقبلها لملاحظاتكم وتوصياتكم التي تخدم القطاع السمكي سواء أكان صياداً، أم إنتاجاً ؟ - الحقيقة وزارة الثروة السمكية جيدة في تعاملها معنا وعلاقتنا معها طيبة، ولكن الغريب أن أعداد اللوائح المنظمة للقطاع السمكي تنفرد بها الجهة الحكومية، ممثلة بوزارة الثروة السمكية، ويهمش البقية من اتحادات وصيادين وهم الأساس وجمعيات، ورغم أننا نقدم مقترحات ودراسات من واقع العمل خدمة للمصلحة العامة، وبما يسهم في تعزيز الأداء والارتقاء بالقطاع السمكي كتأكيدنا على أن لكل محافظة خصوصيتها، وفصلنا ذلك، وأهمية الإحصاء للإنتاج السمكي وعائدات الأسماك لخزانة الدولة والصيادين؛ ولكن المؤسف أن ذلك لم يؤخذ في الاعتبار، ولا يطبق ومناقشة المشاكل، أو التدريب، توضع رؤوس أقلام فقط، دون أن توضح المشكلة وأسبابها وحلولها والبدائل وهو ما يبقينا في نفس المشكلة. كانت محافظة حضرموت الرائدة في الإنتاج السمكي في بلادنا، فهل مازالت كذلك؟ - نعم كانت في البداية، لكنها الآن الأقل،كما نلامس ونتابع، والسبب هو القرصنة والقوات الدولية، ومن قبلها كانت محافظة الحديدة في الأعوام الماضية، حيث تدنى إنتاجها السمكي؛ بسبب الأريتريين وسيطرتهم على جزر في البحر وملاحقتهم الصيادين اليمنيين واختطافهم، لذا نطالب الدولة بإيجاد حلول مناسبة لمثل هذه الموضوعات والإشكاليات ومثيلاتها. قبل عقود كانت محافظة عدن الرائدة في إنتاج الثروة السمكية في اليمن غير أن أرقام إنتاجها السمكي شهدت تراجعاً مخيفاً خلال السنوات الأخيرة ما أسباب هذا التراجع في الوقع؟ - أسباب ذلك هي أن الصيادين حوصروا وأبعدوا عن مواقعهم المناسبة والمميزة للاصطياد، وبالتالي كيف تريد أن يستمر الإنتاج الجيد؟ وكيف تريد من الصياد أن يعيد نشاطه وحياته؟ من أبعدهم عن مواقعهم؟ - أبعدتهم الهيئة العامة للاستثمار، واستولت على كل مواقع الصيادين في عدن، بحجة أنها تريد تأجيرها لمستثمرين، وهذا نقض للتراث ومحاربة للاستثمار الوطني والاقتصاد اليمني باعتبار الصياد يدعم اقتصاد الوطن. ألم يكن مع هيئة الاستثمار حق في ذلك؟ - لا.. ما قامت به منافٍ للقانون؛ لأن القانون واضح و ينص على الابتعاد حوالي 300متر عن الساحل، لكنهم يريدون أن يستثمروا في البحر فقط دون مراعاة البيئة وعواملها، ولا معايير الاستثمار في هذا المجال ولا لوائحه وهذا أيضاً منافٍ للمصلحة الوطنية العامة، ونحن في صراع مع الهيئة بهذا الخصوص، فالثروة السمكية في بلادنا ثروة هائلة لكننا لم نستغلها ولم نستثمرها بالشكل المطلوب. ثمة صيادون عرب أو أجانب يأتون للمياه الإقليمية اليمنية يقومون بالاصطياد بشكل عشوائي وفي أوقات عدة دون مراعاة السيادة الوطنية وبطرق مضرة بالأحياء البحرية، هل ما تزال هذه الممارسات مستمرة وما أسبابها؟ - والله نحن طرحنا هذه الأمور في مواقف عدة، وأكدنا بأن الجندي في البحر هو الصياد،.. يجب أن يكون جندياً فعلياً، ولكن مع الأسف هذه غدت ظاهرة مستمرة إلى اليوم، ففي محافظة المهرة البواخر المصرية تشتغل بالصيد دون حسيب أو رقيب، وقبل فترة مسك الصيادون باخرتين مصرية وتفاجئنا بأنه تم إطلاق سراجهما دون أي محاسبة أو موانع. ما أبرز مشكلة تواجهكم حالياً بوصفكم اتحاد تعاوني سمكي وتعيق أداءكم؟ - المشكلة الرئيسية هي المشكلة المالية، وعدم كفاية النفقات التشغيلية لنتمكن من النزول إلى مواقع الصيد مع العلم أننا نورد لخزانة الدولة ما يقارب مليار وخمسمائة مليون ريال سنوياً من الصيادين، ولكن للأسف الشديد إننا لم نحصل سوى على (16.000.000) ستة عشر مليون ريال دعماً من الدولة في الوقت ذاته، والمؤسف أنك تجد منظمات مجتمع مدني أو نقابات، أو جمعيات تحصل على أكثر من ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الاتحاد من الدولة، وهو واقع مخزي، وعلى الرغم من أن الاتحاد حصل على توجيهات من رئيس الوزراء برفع موازنتها فإنها لم تنفذ بسبب القنوات الوسطية في وزارة المالية. تكلمتم على أن جمعيات ونقابات مدنية تحصل على موازنات ودعم أكثر من يحصل عليه الاتحاد، فما مهام الجمعيات الأخرى؟ - فيما يتعلق بجمعيات التعاون السمكي هناك ثلاث قنوات أو أنواع من الجمعيات جمعيات وهمية «جمعيات أبو سلة» وجمعيات وسطية، وأخرى منتجة. لماذا بقاء جمعيات أبوسلة طالما أن الجميع يدرك أنها وهمية؟ - والله القانون التعاوني هو من أعطى هذه المجاميع 30فرداً حق تشكيل جمعية بصفات اعتبارية أو شخصية، ولم يميز القانون مع الأسف بين الجمعيات الإنتاجية والأهلية، والخيرية والوهمية، ونحن طالبنا وزارة الشؤون الاجتماعية بتعديل بعض مواد القانون الخاص بالجمعيات التعاونية السمكية أو تغيير القانون بما يخدم الإنتاج السمكي والجمعيات المنتجة، ولكن ذلك لم يتحقق بعد. ما هي أبرز طموحاتكم المستقبلية ؟ - طموحاتنا أن يتحقق الأمن والأمان للصياد اليمني كي يزاول مهنته بسلامة، وأن تهتم الجهات المعنية بالصيادين وأوضاعهم وتعمل على تذليل الصعوبات تجاههم، فهم الأساس وهم من سيحافظ على الثروة السمكية ومن يحولها إلى دعم الاقتصاد الوطني. - ونقول للصيادين سنكون عند حسن ظنكم، وسنداً لكم دوماً ولقضاياكم، شاكراً صحيفتكم على اهتمامها بالقضايا الحساسة التي تهم المواطن والوطن