لليمنيين الحق بالتزام الصمت عندما توصف بلادهم بصفات الفشل، بل أصبحت اليمن بلاد المفاجآت في صناعة الفشل، والأمر الذي لا يصدقه عقل إنسان هو ذلك التكيف العجيب مع محطات الفشل الثابتة.. فلا يعقل أن تبقى دوامة الفشل تثير زوابعها وتكرر صورها ومآسيها لعقود من السنين ولا تجد هناك من يرفضها أو حتى يتحسس من وجودها!!، فكيف يقبل اليمنيون أن يتعايشوا مع ثلاثي الفقر والمرض والجهل طيلة نصف قرن، وهم بالأساس قامت ثوراتهم ضد الأنظمة التي كانت تتحمل مسئولية ذلك وأسسوا دولتهم الجديدة على مكافحة ذلك الثلاثي ولم يتم لهم طيلة مسيرتهم القضاء عليها أو حتى التخفيف من نسبة الفقر أو المرض أو الجهل؟! وها هم اليوم يجتهدون لتقزيم ما اعتقده كثيرٌ من المتابعين لأحوال هذه البلاد بأنها الإنجازات العظمى التي حققها اليمنيون، الوحدة والديمقراطية، وهي ما كانت تخفف حدة الانتقاد لأوضاع اليمن ومعاناتها مع مختلف قضايا التنمية. مارست الحكومات اليمنية سياسة الترحيل للقضايا الوطنية وعمليات التنمية المستدامة وصناعة الإنسان وبناء الدولة المؤسساتية وذلك باعتمادها سياسات اللحظة، والانشغال بما قد يطرأ من أحداث وقضايا سواء أكانت محلية أم لها امتداد إقليمي وعالمي، وغالباً ما كانت الصراعات على السلطة لها الوجود المباشر في حياه الدولة اليمنية، وما يتبعها من سياسات تطبيعية مع توجهات ووجهات نظر الظافرين بالحكم، وما أن تفتقدهم الساحة تسقط كل ما قامت به تلك الحكومة، والتوقف مرة أخرى مع حسابات اللحظة. هذه الوقفات الإجبارية أرست تبعاتها ومخرجاتها قواعد وأسس الانتظار والترقب والحذر، ومعها افتقدت الساحة رويداً رويداً لعوامل التغيير، و عمل سياسات واستراتيجيات ثابتة، تعالج أوضاع البلاد وتخرجها من كماشات الجمود.. وبين متاهات الصراعات وملفاتها الثقيلة وبين حالات الترقب والحذر، رفضت الدولة ومؤسساتها تحت طائلة التآكل وحسابات الغنائم وصلت حد الاختفاء من حياة المواطن، الذي توسعت لديه ثقافات الانتماءات الأسرية والقبلية والتي باعدت بينه وبين المشروع المدني؛ ليحتكم الجميع إلى واقع أسير التراكمات السلبية، مثقل بالأرقام الطويلة للتخلف الحضاري، ولأمراض الدولة يتغذى منها بعض القوى المتنفذة والتي عمدت إلى إبقاء هذا الوضع كسياسة ثابتة، وتحييد كافة الآراء والسياسات التغيرية والتحديثية، وفصل ما يحدث في الساحة الوطنية والسياسية لخدمة المصالح العليا للبلاد والحفاظ على الدولة وتكوينات المجتمع ومؤسساته ترزح تحت الجمود الذي يلف كافة الأوضاع، ويبقى بعدها الحديث عن التنمية والقضاء على الفقر والمرض والجهل شعارات ترفعها الحكومات أمام الشعب كل يوم للإيهام والسيطرة على الوعي الجمعي وإقناعه بأن الوطن في عهد هذه الحكومة أو تلك كان ولا يزال شغلها الشاغل العمل على تلبية احتياجات المواطن، وإن كانت تربط القصور بتطبيق الشعارات على الواقع بأسباب خارجة عن إرادة السلطة والتي تحاول أن تجرفها بعيداً عن مسارها الوطني..