تغييب الوعي الفردي وتزييف الوعي الشعبي يظلان من أقذر المصائب التي أبتليت بهما شعوبنا العربية، ومن أسهل المهام التي تؤديها السلطات لإقصاء الأخر وتأليب المجتمع ضد الرأي الآخر.. في الأمس القريب طرح حزب رابطة أبناء اليمن "رأي" مبادرته الوطنية الإنقاذية لحل أزمات الوطن المتراكمة، وكان الطرح بمثابة إيجاد علاج أو مخرج وطني للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد بعد أن طال صمت جميع الأطراف حيال ما يحدث من مواجهات دموية على الساحة اليمنية وتعقيدات في مسار الاصلاحات الضرورية في بناء الدولة، واستمرأت السلطة اللجوء إلى العنف والعنف المفرط كحل أساسي وأولي للقضايا المثارة، سواء أمام التظاهرات السلمية للحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية أو في معالجتها لمشكلة صعدة، ليستسلم الجميع للأمر الواقع ولمعادلة الفعل وردة الفعل العنفية، وبات صوت التطرف العنفي هو المسيطر، وبدأت إفرازاته السوداء تظهر وتطفو روائحه على السطح من تعميق حدة المشكلة وتعقيدها. عند هذا الإنسداد والمخنق الذي أحاط بالمشهد السياسي المحلي جاءت مبادرة الرابطة لإنقاذه، والتي نادت إلى ضرورة الأخذ بالدولة المركبة، الدولة اللامركزية، بعد أن حكمت الوقائع والأحداث والسياسات السابقة للدولة البسيطة الدولة المركزية بالفشل، ولم يُعد هناك مجال للانتظار أكثر، ودعت إلى حوار وطني لا يستثنى فيه أحداً من اليمنيين وبالذات الشخصيات والكيانات والأحزاب الفاعلة على الساحة الوطنية لتدارس هذه المبادرة والاتفاق بشأنها وطرح وجهات النظر حول الفيدرالية المراد الوصول إليها وما هيتها للوصول إلى الغاية الوطنية السامية، والهدف المنشود، وهي إقامة دولة المواطنة السوية ذات الأبعاد الثلاثة التنمية والديمقراطية والعدالة... وعمدت المبادرة إلى طرح آلية وضمانات لتنفيذ ما يتوصل إليه اليمنيون.. وبعد قرابة الشهرين من طرح هذه المبادرة لم يصدر ما يشير رسمياً إلى رفضها أو الموافقة عليها بعد أن كانت قد لاقت تجاوباً كبيراً وصدىً أكبر في العديد من القوى السياسية والكيانات والمنتديات الوطنية والذين أجمعوا على أنها أقرب وأصدق الحلول التي طُرحت لمعالجة الأزمة الوطنية.. إلا أن الشيء الغريب أن تطل بعض الأصوات تكفّر الفيدرالية وتهمز وتلمز بمن نادى بها بل وتنعتها بمسميات وأوصاف لا أول لها ولا آخر دون تمييز أو على الأقل دراسة شاملة للمبادرة بكامل بنودها.. وهو ما يعني بأننا لا نزال نعيش سياسة تزييف الوعي الشعبي والسياسي والاستئثار بحقيقة المشكلة والحل والرفض الثابت للرأي الآخر وإقصائه، والمحاولات المستميتة لتهميشه، وهو ما تحاول أن تشير بهذه السياسة بعض القنوات الرسمية والقريبة جداً من القرار السياسي السلطوي.. فمتى سننتهي من هذه السياسة التي أثبتت الأيام أنها أحد الأسباب الرئيسية في ما وصلت إليه البلاد من أوضاع قاتلة؟..