يخطو اليمنيون منذ وقت مبكر صوب ترسيخ التجربة الديمقراطية باعتبارها صوناً أساسياً لقرينتها الوحدة الوطنية. ومن أجل ذلك جرت العملية الديمقراطية في أشكال انتخابية مختلفة خلال حوالي عقدين في مواعيدها المحددة دون أن تكترث للمشككين في التجربة، فأجريت الدورات الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية إضافة إلى الاستفتاء على الدستور وتعديلاته. وسنت القوانين والتشريعات المنظمة للعملية الديمقراطية . وهذه الأشواط غير الهينة المقطوعة في تجربة الديمقراطية اليمنية الناشئة تهيئ اليمن لبلوغ مرحلة الديمقراطية الناضجة إذا زاد منسوب الوعي الديمقراطي الشعبي واقترن بالممارسة المسئولة. ولما عرفت به القيادة اليمنية من مسئولية واعية في ممارستها الديمقراطية تقرر أخيراً تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في (27 أبريل 2009م) بناءً على اتفاق القوى السياسية من أجل إجراء بعض الإصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية وتطوير النظام الانتخابي. ويأتي هذا التأجيل تحقيقاً للمصلحة الوطنية العليا، وتوفيراً لمناخ المشاركة السياسية الواسعة، التي تجنب البلاد إهدار أبنائها في "دورات ووجبات صراع"!. وتوفير هذا المناخ الملائم لإنجاح التجربة الديمقراطية أمر لن يتم "بين غمضة عين وانتباهتها" كما يقال، بل يتعين له البدء بالحوار السياسي المسؤول بين الأطراف السياسية المعنية بإنجاح التجربة بعيداً عن المناكفات والمكايدات، والاتجاه نحو جعل 27 أبريل 2009م منطلق حوار ديمقراطي يستهدف الإصلاح المرجو، واستمرار تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه. وبالعودة إلى ما أنتجته الدورات الانتخابية السابقة، خاصة البرلمانية النيابية، يجد المتأمل في التجربة اليمنية برلماناً يمنياً خالصاً يعكس الطابع اليمني الأصيل والمتنوع جغرافياً واجتماعياً وسياسياً، ويتبين حجم تأثير هذه القوى الاجتماعية والسياسية عقب إجراء انتخابات ديمقراطية يكثر الحديث حول مدى نزاهتها وحريتها. وهذا ما سيسجله مؤرخو الديمقراطيات بالنسبة لخصوصية التجربة اليمنية وتميزها بكل إيجابياتها وسلبياتها، ولهذا يعول من تأمل أطراف العمل السياسي في تجربة الديمقراطية اليمنية وإفراز المجتمع فيها، يعول الاستفادة من مهلة التأجيل لعامين قادمين لإحداث الإصلاحات المطلوبة للنظام الانتخابي وتطوير الواقع السياسي لهذه الأطراف لتسهم في إنتاج برلمان ذي تجربة (كاملة الإيجابية) أو (قليلة السلبية). ولن يتأتى بلوغ هذه المرحلة ما لم يع الوطنيون اليمنيون في مختلف المناطق مسئوليتهم تجاه قرين التجربة الديمقراطية، الوحدة الوطنية، ثمرة النضال الطويل لشعب لا (ولن) يحيا بغير التوحد. ومهما اعترت التجربة من اختلالات أو واجهتها من عقبات فلا تستدعي هذه الحالات الطارئة التشكيك في (ثابت مقدس) الأولى عدم المساس به أو التعرض له ب("اسطوانات" عفا عليها الزمن). إن المشكلة في عموم البلاد لا تخرج عن إطارها الاقتصادي -دون أن تنفصل عن الأطر الأخرى بالطبع- كما شخصتها الحكومة في أكثر من مناسبة، فالحالة الاقتصادية اليمنية بخصوصيتها لا تنعزل عن الحالة الاقتصادية العالمية بعموميتها فبارتفاع أسعار النفط أمكن التقاط الأنفاس والتهيؤ لتحسين الوضع الاقتصادي اليمني، إلى أن ألمت بالعالم كله الأزمة العالمية الأخيرة وحدت من منسوب الأمل، وبتأثيرها وبتأثير غيرها من العوامل الداخلية علا النعيق، وامتدت أذرع "الأخطبوط" تحاول أن تطال السلم الاجتماعي. إن استمرار السلم الاجتماعي الذي تهدده قلة فزعة من استمراره طوال 15 عاماً رهن بوعي كل الأجيال اليمنية، التي حمت الوحدة والثورة والتي تعيش في ظلها أيضاً، ورهن بوعيها لمخاطر تهديده، ورهن باستعدادهم الذاتي لمنع تجدد "دورات الصراع"، وحلول الأبرياء "وجبة" أساسية لها. والحفاظ على المكانة التي تبوأها اليمن الموحد في نظر العالم كله. وكما كان للقيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح (شركاء) في صنع الوحدة المباركة، والديمقراطية، ممثلين "بالحزب الاشتراكي اليمني الذي وضع يده بيد المؤتمر الشعبي العام" للبدء في إرساء الوحدة والديمقراطية، كان له شركاؤه في حماية الوحدة وتثبيتها باعتبارها محل عزتهم وفخرهم وكرامتهم. والرائد في كل ذلك وعيهم لتطلع الشعب وإرادته في الحفاظ على حقه في مستقبل أفضل ويمن جديد موحد. وينبغي أن يشاركه اليوم كل أبناء اليمن من مختلف الأطياف والأجيال في استعادة ألق الوحدة المباركة وصون الديمقراطية وقص أذرع "الأخطبوط" بوعي مدرك لمسئوليتنا تجاه المستقبل وأجياله بدلاً من التوجه إلى العنف الذي يخدش -بل وينسف- التجربة من أساسها. إن الديمقراطية سلاح الدفاع الأمضى عن الوحدة. . والصوت الانتخابي والحوار الموضوعي، في مناخه الملائم، هو البديل الأنسب لدورات ووجبات الصراع. سبا