"مشاكلنا متمثلة في القانون والتمويل وتعاون الجهات المعنية معنا، بدون ذلك لا يمكن أن نقف أمام حيتان المباني والتجارة في تشويه المدن التاريخية اليمنية"، بهذه الكلمات لخص لنا رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المُدن التاريخية مهام ومشاكل الهيئة، التي تعد الجهة المدافعة عن تاريخ اليمن وحضارته ومعلمه الإنساني المتمثل في المُدن التاريخية من صنعاء القديمة وشبام حضرموتوزبيد، وغيرها من المدن التي بناها الأجداد وبدأ الأحفاد بتغيير معالمها اليوم. الدكتور عبدالله زيد عيسى، أو كما يحب أن يعرّف بنفسه على أنه أستاذ مدرّس في قسم العمارة بجامعة صنعاء، يقول: "أنا أصلا عملي الرسمي مدرّس في الجامعة، لكنني انتدبت للعمل في الهيئة عام2002، ولا زلت أدرّس في الجامعة، وبحكم تخصصي عارف المشاكل التي تعاني منها الهيئة اليوم، لكني مقيد بمطالب بشرية ومادية، وهما الشيئان الأهم لتفعيل عمل الهيئة".. لكننا توقفنا مع هذا الأستاذ الدكتور في حوار خاص هذا نصه: *أولا أين تقف سلطات الهيئة بالنسبة إلى زحف البناء الحديث على المُدن الأثرية كصنعاء وشبام حضرموت ومدينة زبيد وغيرها من المُدن التاريخية؟ - دور الهيئة بموجب القانون المحافظة على المدن التاريخية، أن تكون الجهة المسؤولة عن الحفاظ على تلك المدن من أي تدخلات وتغيير في ملامحها التاريخية، لكن للأسف قرار إنشاء الهيئة خوّلها أو حمّلها مسؤولية الحفاظ على المدن التاريخية، دون التركيز على العوامل المساعدة الأخرى لعملها، مثل: تحديد مصادر تمويل الهيئة ومجال وحدود عملها والجهات المتعاونة معها خاصة الأمنية والسلطات المحلية، وهذه كلها قصور قانوني في قانون إنشاء الهيئة، ولم يتم إلى يومنا هذا تلافي مثل هذه القصور، الأمر الذي عطل بشكل كبير عمل الهيئة في مواجهة الزحف العمراني الحديث على المدن الأثرية والتاريخية، فضلا عن وجود تشويهات وتدخل في تغيير معالم مدن تاريخية مهمة مثل: صنعاءوزبيد ومدن أخرى، تقف الهيئة مكتوفة اليدين أمامها بسبب عدم امتلاكها للموارد المساعدة في مواجهة تلك التدخلات. *هل يجب أن نحمّل تقصيرنا في مواجهة واجباتنا الإمكانيات.. هناك واجبات أخلاقية ومهنية يجب استشعارها؟ - الإمكانيات المادية في بلادنا تجعلك غير قادر على تنفيذ واجباتك بالشكل الصحيح، وعملنا في الهيئة يعتمد بشكل كبير على الجانب المادي، فالترميمات والمواجهات مع المعتدين على المعالم التاريخية للمدن ومعظمهم من التجار وأصحاب رؤوس الأموال والنفوذ، يجب أن تكون في مستواهم إن لم يكن وضعك المادي والقانوني اكبر منهم، لأننا نعمل من أجل الوطن والحفاظ على تراثه وحضارته.. إلى جانب الإمكانيات المادية هناك الإمكانيات البشرية أو الأيدي العاملة أو الكادر الفني المطلوب والقادر على تنفيذ جميع الخطط والبرامج الخاصة بالهيئة على أرض الواقع، لكن الهيئة اليوم لا تملك هذا الكادر القادر للتصرف على الأرض في الإدارة والتفتيش، على الأرض في مخالفات تريد إمكانية، والجميع يعرف حتى لو تريد تحضر طقما من الشرطة يلزمك تمويل، يلزمك مبالغ مالية لإيقاف مخالفة تهدد المُدن التاريخية مثل: مدينة صنعاء، فضلا عن غياب دور الجهات المعنية التي يجب أن يخوّلها القانون للوقوف مع عمل الهيئة، الأجهزة الأمنية السلطات المحلية وزارة الثقافة وزارة السياحة كلهم معنيون بالوقوف معنا ضد كل ما يشوّه تاريخنا في المدن التاريخية، وليس الوقوف ضد خططك وعملك كما هو حاصل الآن. *صحيح أن هذه مسؤولية كل مواطن.. لكن الهيئة يجب أن يكون لها الدور الرئيس في الموضوع، حتى ولو عن طريق إصدار بيانات للصحافة، أنتم تسجلون غيابا في الصحافة والإعلام المحلي؟ - المجتمع كله مسؤول، المواطن مسؤول، مكتب الأمن مسؤول، المجلس المحلي مسؤول يمكن أكثر من الهيئة، الصحافة والإعلام مسؤول، نحن غير قادرين على مواجهة الهجمات الشرسة التي تستهدف المدن التاريخية على مستوى الجمهورية بالإمكانيات التي معنا حاليا، وفي ظل القانون الحالي الذي لا يخول الهيئة القيام بعملها بالشكل الصحيح والمطلوب والمرجو منها، أعتقد أن دور الهيئة دور يجب ألاّ يكون دورا فنيا فقط، أو تسجيل مخالفات مثل ما هو حاصل مع ما يجري في صنعاء القديمة من تشويه في البناء القديم وإدخال البناء الحديث، أو من خلال تغيير ملامح المباني من قبل التجار الذين يستأجرون محلات فيها، يفترض أن أي عمل يتم داخل المدينة يكون بإشراف الهيئة، وأن يتم منح تراخيص كل الأعمال هناك من قبل الهيئة مش فقط يكتفي بما تمنحه مكاتب الأشغال والمجالس المحلية، وعقال الحارات الذين يفترض أن يكونوا عونا للهيئة للحافظ على المدينة؛ لأنها تاريخ هذه الأمّة، وليست فقط مصدر دخل لهم، الغريب أنه بعض الأحيان نمسك مخالفين، ونفاجأ بأن أهل المدينة يأتون للدفاع عنهم، كل ذلك يحدث نتيجة لعدم وجود مخطط واضح للحافظ على معالم المُدن، لكن كل جهة تضع نفسها مسؤولة ولها رؤية في ذلك والهيئة غابت تماما في عملها هناك، الناس تعتقد بأنها إذا بنت بالياجور مثلا خلاص ما فيش مشكلة، ما يعرفوا أنه في بعض الأماكن لا يصلح أن تُبنى فيها بالياجور، فما بالك في فتح محلات تجارية، وهذا ممنوع منعا باتا. * خلال عملك في الفترة السابقة هل قمتم بإغلاق محلات تجارية مخالفة بالمدينة أو أوقفتم عملا مخالفا في البناء، وغيره من الأعمال المشوّهة للمدينة؟ - نعم، قُمنا بإغلاق مئات من تلك المحلات بالتعاون مع النيابة العامة، لكنها تعود بطريقة أو بأخرى، والمفروض هذا الباب يغلق نهائيا، لكن عندنا ثغرة في القانون الناس كلهم يتعاطفون مع المالك، حتى النيابة والقضاء ليسوا مدركين نتيجة التشويه لمعلم تاريخي، يقولك: هذا صاحب البيت فتح دكانا من أجل أن يحسّن دخله، بحيث أن حالته الاقتصادية تعبانه، يعني في مبررات إلى حد ما مقبولة، لكن أنا من اجل أن أحافظ على المدينة، لا بُد أن يكون لنا حلول مع المالك، علينا كجهة أو كدولة أن نعالج الوضع الاقتصادي أو المادي للمالك بطريقة أو بأخرى، لكن لما يفتح محل أولا يسبب مشكلة للبيت لأن البيت تضعف، كما تعرفوا المباني في صنعاء القديمة لها حوائط حاملة جوار أساساتها من أجل الحفاظ عليها، لما تجيء تهدّّ الجدار بدل ما الجدار سد كامل، تعمل له فتحة، يبدأ البيت بالتشرّخ ومن ثم ينهار، ويصبح ضعيفا، وبعدين يأتي المالك ويقولك بيتي تشرّخ، ويريد أن تساعده في الترميم، وغير ذلك، المفروض في مباني صنعاء القديمة ألاّ يتم فيها فتح محلات تجارية، يجب أن تكون المحلات التجارية في الأماكن التي خصصت لها قديما فقط.. صنعاء القديمة بكل ما تملك من شوارع وحارات ومبانٍ خصصت للسكن فقط، ولها خصوصياتها السكنية.. لكن للأسف، الجانب الاقتصادي عبث بكل شيء فأصبحوا يبنوا بناء جديدا في الليل أو في الخميس، وبالأعياد، يعني يكون يوم عيد، الناس معيدون، وهم يشتغلون من أجل إدخال محلات تجارية إلى داخل الحارات المخصصة أصلا للسكن، وهذا يهدد بتداعي بيوت صنعاء القديمة، كما حدث مؤخرا عند ما انهارت مبانٍ بسبب الأمطار لأنها كانت ضعيفة البنية، بسبب تلك التدخلات العمرانية وفتح المحلات التجارية فيها. * ما حجم تعاون الجهات معكم.. لوقف مثل تلك الأعمال خاصة القضائية والأمنية؟ - النيابة متعاونة من خلال إصدار قرارات أو أوامر بالإزالة، لكن الضعف عندنا يتمثل في التنفيذ السريع والمباشر، وهذا شائع في البلاد وعلى مستوى كل القضايا، لكن مثل هذه الحالات إذا لم تنفذ وكان الإجراء سريعا، وفي وقته مهما جدا، فإذا تأخرت يومين أو ثلاثة أو أربعة، العملية تموت، وهذه أصحبت سياسة متبعة، بحيث يحتبس المالك أو صاحب الشأن يومين أو ثلاثة، وهم يكملون عملهم، فتجد أنهم قد أكملوا كل عمالهم، تأتي وتغلق بعدها الباب بالشمع الأحمر، تمر أيام وتأتي قضايا أخرى وتنشغل؛ لأنك كل يوم عندك قضايا، وهكذا يصبح الكل مسؤولا. النيابة تقولك: أنا عملت أمرا نيابيا، وأنتم لم تنفذوه، فلما ننزل ننفذ يخرج لك بالسلاح على الأرض، تتصل بالأمن يأتي وقد تجمّع الناس وامتلأ الشارع، ويضطرون إلى الرجوع من باب المحل، فما يستطيعون أن ينفذوا أي شيئا. هذا من جانب، ومن جانب آخر الذين ينزلون أو الميدانيون يريدون فلوسا وكاش، وإذا ما فيش عندك فلوس كاش، إذا باقي قضايا لم تحسمها، وهذه مشكلة تتراكم، ما فيش أحد يشتغل سواء من التفتيش أو من الأمن؛ لأنهم إذا أرادوا أن ينزلوا يريدوا فلوسا، وتدفع لهم كاش، لكي يقضي عمله في هذه الأماكن. *أليس لديكم ميزانية لعمليات النزول الميداني، والتنفيذ ضمن بنود الموازنة الخاصة بالهيئة؟ - الميزانية عندنا تحت الصفر، ميزانية سيئة جدا، لا تجعل الهيئة قادرة على القيام بمهامها، وبهذه الميزانية أرى أنهم يغلقوا الهيئة، معناه أن الهيئة لا تستطيع القيام بمهامها أو القيام بواجبها، وبالتالي إما أن تحسن وضعها أو تولي مهامها للمجلس المحلي، وتغلق. المشكلة هي الجانب الفني. لو أي جهة استلمت الحفاظ على المدينة لانتهت؛ لأنها ماسكة بقدر الإمكان، جانب اختصاص فني، وعلاقتنا باليونسكو كجهة اختصاص، وبالتالي نحن الذين نرفع التقارير إلى اليونسكو التي تمثل اليمن أمام اليونسكو كجهة اختصاص فنيين، ولنا فترة، وعندنا كادر يشرف على هذا، لكن بدون وجود إمكانية يبقى وجودنا وعدمنا سواء، نسجّل مخالفات، ونعمل أوامر نيابية، وفي ملفات، وعندنا ملفات بالمئات، ولكن التنفيذ على الأرض ضعيف. ودخل الكادر في التفتيش يجعله يمد يده للمخالفين. والمخالفون يصرفون الفلوس، وتمشي المخالفات، المخالف يستطيع أن يصرف أكثر من ما أصرفه أنا، وبفارق كبير، وبعدين عندنا مسألة الثواب والعقاب ضعيفة جدا. * هل يمكن أن تحدد لي أماكن الضعف بالضبط؟ - ضعيف لأني كرئيس هيئة ليس لديّ القدرة على محاسبة العاملين والفنيين في الهيئة -بحسب القانون، إذا عندي موظف فاسد أو عندي خمسة متلاعبين في التفتيش غير صالحين أريد أن أبعدهم، أصدر أمرا بوقفهم عن العمل فقط، وتبقى مرتباتهم سارية، وهم في البيوت، هذا ضعف؛ لأنك لا تستطيع أن تأتي ببديل حسب الموازنة التي لديك، وأين ستجد بديلا بمواصفات الموظف أو الفني النزيهة والكفؤ والأمين والمُخلص، وإذا وجد مثل ذلك الشخص هل يكفيه الراتب المخصص له من الهيئة حسب الموازنة من أجل أن يعيش بشرف، مستحيل، الراتب المخصص له لا يفي بالتزاماته المعيشية، والمشكلة هنا أن كل واحد يتصرّف كيفما يريد، يعني أنه يدخل في الغلط، ويعني يأخذ فلوس من هؤلاء المخالفين والمخالفة تمشي، وبالتالي لا يبقى أحد يضايقك ولا شيء، ويعملون وهم مبسوطين ومرتاحين. * طيّب، برائك ما هي الحلول؟ - الحلول، أنه أنا كمسؤول يكون عندي إمكانيات مالية من أجل استطيع أن أغيّر أو أبدّل هذا من جانب، ومن جانب آخر استطيع أن أرفع من دخل الفرد لأجل أضمن أنه يكون نظيفا في عمله، أنت مثلا شخص جيد أقولك أمسك لي التفتيش، لكن لازم يكون عندي قدرة أعطي لك فلوس، لكي تقابل المهمة المطلوبة منك، وعشان أنت تكون نظيفا لازم انا أساعدك من اجل مواجهات احتياجاتك الأسرية، تشتغل بشرف، وعارف أن المسؤول سوف يغطي احتياجاتك، لكن لما تحتاج وأنا ما لا أقدر أن أعمل لك شيئا، يقول: أيش هذا سيعمل لي، وأنأ أجيب رأسي، وخاصة في مجال التفتيش في ناس يقدم رأسه، ويواجه بالسلاح، إذا أنت مش قادر على أن تحميه وتوفّر له أبسط الاحتياجات له ولأسرته مقابل عمله، يبقى كيف أنك تحافظ عليه، هذا من جانب. من جانب آخر، أنك قادر على التغيير في الكادر. الجانب الآخر يكون عندي موازنة تقدر تتصرف فيها أنت كمسؤول، مش يتحكّم فيك مدير الحسابات والمدير المالي. وبصفتي مدير هيئة يجب أن يكون لديّ كل الصلاحيات، مش تبقى تحت رحمة هؤلاء المعينين من قبل المالية، لا يمر شيء إلا ولهم منه فائدة، وتبقى تصرف نصف الموازنة عليهم والنصف الآخر على الناس. المفروض أن تحسّن وضعهم فيها من أجل عمل جيّد، هناك خلل إداري ومالي في طريقة عملنا في اليمن. وإذا لم يتم إيجاد قوانين بديلة تحل ذلك الخلل، يبقى نضحك على أنفسنا، ونبقى مثل النعامة تضع رأسها في التراب. *ما دور المجالس المحلية في هذا الخصوص؟ وهل هناك تعاون أو تنسيق بينكم أم لا في هذا المجال؟ - المجلس المحلي عادة مشكلة كبيرة، ثانيا المجلس المحلي عنده موارد كبيرة جدا، ونحن الآن نسعى إلى أن نشتغل معهم، أو نعمل معاً كشريك، من المفروض أنه إذا عجزت الهيئة في موازنتها تغطى من المجلس المحلي، لكن مشكلة المجلس المحلي أن موازنته يشتغل بها، ولا يريد أحدا أن يتدخّل، يريد أن ينزل المناقصات هو، ويريد أن يشرف هو، ويريد أن يوقّع هو، فقلنا لهم: طيّب على الأقل إعطونا حصة30 بالمائة أو40 بالمائة للمُدن التاريخية والحفاظ عليها، ونحن نتكلم عن المجلس المحلي في صنعاء القديمة، وبالتالي يكون هو ذارعي اليمين، ومن المفترض أعتمد عليه في السيطرة على العمل في صنعاء بالكامل، ولكن في صعوبة، ما تكتمل، ونحتاج أن نجلس مع بعض، ويتفهموا بدورهم؛ لأنهم جديدون على هذا العمل، فلهم رؤية ليست واضحة، وكل واحد يحس أن له دورا. المجالس المحلية تلعب دورا في الحفاظ على المُدن التاريخية، مثل ما تلعب دورا في جوانب أخرى، مثلا: يريد أن يعمل صيانة للبنية التحتية للشوارع يجب أن يكون هناك ربط وجهود، لكن يجب أن يكون هو وكل الناس والجهات المعنية التي تشتغل داعمة ومشرفة، يكون مشرفا بإمكانيات وكادر صادق وشفاف ونظيف، ليس مشرفا من أجل أن يظهر فيك اليوم غلطة من أجل أن ترجع إليه، هذه مشكلة أنا أحسست بها، ولذلك هم يُنزلون مناقصة في يوم وليلة دون الرجوع إلينا، وعندنا مشكلة أن الفلوس تذهب في نهاية السنة، تلاقيهم يعبثوا بالفلوس عبثا عجيبا. وفي آخر شهر من السنة، يعملون عقودا ما تدري على كيف، لما تُسأل، يقول لك الفلوس تذهب علينا، من المفروض أن نشغلها بسرعة، وهذا خلل إداري، يجب أن يعاد النظر فيه، سواء على مستوى الإدارات. في الوزارات الأخرى، كل الجهات تلاقيها في آخر السنة تريد أن تصرف بسرعة؛ لأن الفلوس تذهب. يقول لك استفيدوا منها حتى ولو بالنصف، ينزلون مناقصات سريعة مرتفعة بوقت سريع وضيّق، مناقصات في يوم وليلة، يعني في جوانب نقص مرتبط فيها خلل إداري، إنه يجبرك أن تصرف الفلوس قبل نهاية السنة، نتيجة لمشاكل إدارية ومالية؛ لذلك تتراكم، فتمر نصف السنة وهم لم يعملوا أي شيء، والأخطر من هذا كله أنه إذا لم تصرفها هذه السنة يرفضوا يعطوها لك السنة القادمة في الميزانية، أنظر إلى أي مدى. نحن ووزارة السياحة يفترض أن نشتغل كفريق واحد، وهذا الذي نأمله. فالوزير نبيل الفقيه متفاهم وعنده طموح، لكن هناك مشكلة، وهي: كيف نشتغل فريقا واحدا؟ وإن شاء الله الأستاذ نبيل الفقيه يتفهّم هذا الموضوع، ويتعاون معنا، ونشتغل فريقا واحدا. عنده إمكانيات، ونحن عندنا كادر فني وإمكانيات ضعيفة، كيف نكمّل بعضنا البعض، ونحافظ على المُدن التاريخية، هو عنده مهام أخرى كثيرة، لكن فيما يخص المُدن التاريخية كيف نشتغل مع بعض كفريق واحد، وأنا الآن أحاول أن أكتب للمجلس المحلي على أساس ننسّق في هذا الموضوع، بحيث نوجد نوعا من التعاون البنّاء في هذا الموضوع، إن شاء الله. * في حال وقعت كوارث طبيعية (أمطار وسيول) وأصبحت تلك المُدن أو المباني فيها مهددة بالانهيار، أو انهارت، كما حصل في صنعاء القديمة، وفي حضرموت مؤخرا، ما دور الهيئة في هذه الحالة؟ - هذه مشكلة لها وضع خاص، مثل ما حصل في شبام حضرموت، تدخّلت الدولة على مستوى عالٍ، وعملت موازنة خاصة لذلك، وأصبح للهيئة هنا دور فني فقط، وذلك من خلال المشورة في الطريقة الأمثل لإعادة البناء، وما هي المواد المستخدمة في البناء؛ لكي تحافظ على طابعها المعماري، هناك فهم مغلوط لدى الناس عن عمل الهيئة في هذا الجانب، نحن لنا دور فني فقط، فليس من حقنا -نحن الفنيين والبنائين- أن نعمل أوامر حبس وضبط.. القانون لا يخوّلنا ذلك، مع أنه من المفروض أن يكون لنا دور في ذلك بالتعاون مع كل الجهات والمواطنين في الحفاظ على تراثنا.. هذا تراث وطن وأمّة، ونحن كلنا مسؤولون عن الحفاظ عليه. * ما حقيقة أن المُدن التاريخية اليمنية أصبحت اليوم -نتيجة للإهمال والتدخّل المعماري الحديث فيها- مهددة بالاستبعاد من قائمة التراث العالمي؟ - هذا غير صحيح بالمرّة.. فقط كان لدينا مدينة زبيد التاريخية مهددة بالاستبعاد من القائمة العالمية، حيث رفع لنا مجلس التراث العالمي عام 2000 بذلك، لكننا قُمنا بمعاجلة معظم الأمور، التي جعلتها مهددة بالخروج من القائمة.. أما باقي المُدن الأخرى ليست مهددة بالاستبعاد من القائمة، هذا غير صحيح. *ما هو السبب الذي دعاهم إلى هذا الأمر؟ - بسبب المخالفات التي سجّلت في المدينة، أهمها: تداخل البناء الحديث مع القديم.. بحيث غطّت على النمط القديم، وتحوّلت المدينة في بعض مناطقها إلى كتلة بلك وخرسانات، خاصة حول المدينة.. امتلأت كلها بالبلك والخرسانات، حتى وسط المدينة صاروا يهدون الياجور والطوب والبناء الجميل، وصاروا يبنون بالخرسانات والبلك، وهنا يبقى إنذار خطر، ووصل هذا الخبر إلى مجلس التراث العالمي، وسرعة جاءت رسالة رسمية: إعلانها في قائمة الخطر، وإذا لم تتدخل الدولة بشكل كبير ورسمي في هذه الحالة يمكن أن يشطبوها، ولا زال الآن في كل سنة يعطون مهلة لرفع تقرير، ماذا عملنا؟ ونحن نتحرك في زبيد تماما، يعني وصل الموضوع إلى أعلى مستوى، تدخل فيها مجلس الوزراء، وكلّف رئيس الوزراء لجنة برئاسة وزير الثقافة وعضوية الوزراء المعنيين ذوي العلاقة. والآن هناك برنامج يسير على ما يرام, لكن المشكلة هي أن معظم المخالفات المسجّلة هناك لها من بعد حرب الخليج، بدأت البنايات الحديثة بشكل أكثر إلى أن وصلت إلى أطراف المدينة. * هل هذه الهيئات أو المنظمات الدولية تدعمكم، بحيث يصبح الخوف من استبعاد مدينة أو معلم أثري له عواقبه أم أنه مجرد دعم معنوي وتسجيل اسم فقط.. ما نوع وحجم ذلك الدعم؟ - في البداية، كان دعما ماديا ومعنويا، ولكن الآن غير زمان، بمعنى أن مهمة مركز التراث العالمي تنحصر في دعمك لتكون مدينتك في موقع مركز التراث العالمي وعلى القائمة العالمية، من أجل أن تحصل على دعاية لمدينتك مجانية في كل أنحاء العالم، هذا هو دعم المركز.. يعرض اسمها وصورها في موقع اليونسكو، ولهذا الموقع مكان خاص، وبالتالي الجهات المانحة من دول العالم، مثل: ألمانياوهولندا أو أميركا، لما يعرفوا أن هذا موقع عالمي، وتحت الخطر، كلهم يهبون لدعمه. فحاليا المال الذي يتم العمل به في مدينة زبيد كله من أين؟ من المانحين، وبالتعاون مع الدولة طبعا، لكن بشكل رئيسي ألمانيا هي أكثر الدول المانحة، بالإضافة إلى هولندا. وهناك عدّة دول وجهات مانحة أخرى، مثل: صندوق التنمية الاجتماعي ومنظمة المُدن العربية والبنك العربي الإسلامي. وأيضا هناك جمعيات عربية ولجان وجمعيات لها موازنة، وتقدر تمولك، لكن كل ذلك يتم عن طريق الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي أصبح ملتقى معظم المنح، ونحن معتمدون في كثير من مشاريعنا في مدينة زبيد عليه. * ما هي الانجازات التي حققتها الهيئة في 2009؟ - معظم مشاريع الهيئة مشاريع سابقة، يعني عندنا مشاريع الرصف للحواري في صنعاء القديمة، فضلا عن مشاريع الترميمات والصيانة.. مشاريع محددة جداً، وفق إمكانيات موازنة الهيئة، لأنه لا يمكننا أن نبدأ بمشاريع جديدة، هذا ممنوع من المالية التي لا توافق على مشاريع جديدة، يعتمدون فقط القائمة، يقول لك بموجب قرار مجلس الوزراء، ولذلك ليس هناك أي مشاريع جديدة، ولا نستطيع نمشِّي أي خطة، يقول لك أنت عندك خطة، لازم تمشي عليها، نحن عندنا خطة خمسية، مثلا: الثالثة كلها لم تنفذ، أنا عندي طموح، عندي خطة، لكن لا توجد فلوس، إذا كيف أنفّذ هذه الخطة؟! وأصبح المعوِّق الرئيسي لنا، ولا تنفذ، وخاصة التنفيذ في الترميم مكلف جدا، أنظر إلى الناس عند ما يعملون المباني الجديدة، يصرفون مليارات وملايين في ذلك. ولكن في الحفاظ لا توجد، المفروض أن يكون معك مليار أو اثنين أو حتى مائة مليون سنويا لأجل تستطيع أن تشتغل وتدفع موازنة للمشاريع، لكن حتى اليوم ليس لديك موازنة تشغيلية، فعندك صراع عجيب، يعني في المالية نذهب لمناقشة الموازنة، يقول لك لا توجد معنا "بالمفتوح". الدولة إمكانيتها لا تسمح، فمثلا السنة هذه لم نناقش الموازنة؛ لأنهم يريدون أن يخصموا منها عن موازنة السنة الماضية، وموازنة السنة الماضية سيئة أصلا، رفعت لرئيس مجلس الوزراء بهذا الكلام، وحوّلني إلى وزارة المالية لإعادة النظر، بحيث أن الهيئة تكون قادرة على القيام بمهامها، لكن لتنفذ هذا الكلام تجري وراء المالية، وكأنك تطالب بهذا بشكل شخصي. إذا فالمشكلة إما ما عندنا إمكانيات، وبالتالي تتصرف وتتعامل بقدر إمكانياتك، ولا نقول والله إنها تمام، ولا أننا ننظر إلى المشاكل التي نواجهها ونتعاون جميعا في حلها، أو أن تكون عندنا إمكانيات بحيث أن يكون لك تأثير على الأرض. فالنقد سهل، لكن تعال امسك مكاني، ودير هذا المكان، وأنظر كيف ستشتغل، وفي الأخير إذا لم تجد إمكانيات، ماذا ستصرف أو ستجيب من عندك فلوس؟!! صحيح أن هذا التراث يعزّ علينا، ولكن بدون تعاوننا جميعا لا تستطيع الهيئة أن تكون قادرة على كل هذا. فهي -كما ذكرت لك- إدارة فنية، وكادرها كل سنة يضعف أكثر؛ بسبب الإمكانيات، والكل يعرف هذا، وموازنة وزارة الثقافة محدودة جدا، ولأنها لا توجد معها أي موارد دخل، دخلها الوحيد من وزارة المالية، إذا عند ما يكون ليس لديك إيرادات طوال السنة من أين تغطِّي بعض الجوانب التي فيها نقص؟! مثلا: المالية تعطيك سقفا معيّنا كل سنة، ولكن الذي قلته وذكرته لرئيس الوزراء ووزير المالية، أنه من المفروض أن يكون في نوع من الموازنة، مثلا: في جهات تحصل على مليارات، وفي جهات لم تحصل، ولما صدر قرار مجلس الوزراء بالخفض 50 بالمائة قلنا لهم: هذا ظلم، في جهات ممكن أن تخصم عليها 50 بالمائة، وما تتأثر، لكن الهيئة عند ما تخصم عليها 50 بالمائة، حكمت عليها بالإعدام، ولأن موازنتها تعبانة، ولا تغطي. فعد ما تأتي للمراجعة، يقول لك: هذا قرار مجلس الوزراء، ماذا أفعل لك، وبعدين نجلس نراجع، ونتابع المختص في المالية، وهكذا. السياسية