أوجدت الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر كثير من التحولات الاجتماعية والتنموية والثقافية والصحية لصالح المواطن اليمني الذي ظل خارج كل الحسابات في النظامين الملكي والاستعماري في شطري اليمن. من تلك التحولات التي باتت عنوان للتنمية في الوقت الحاضر ودليلا حيا لإنسانية الثورة اليمنية الخالدة, نظام التأمينات الاجتماعية بمضامينه وأهدافه الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والإنشائية بما يرتبط به من أثار ملموسة في حياة المواطن والوطن على مختلف الأصعدة الاقتصادية كونه يقوم على تنمية المدخرات وتحويلها إلى رافد للاقتصاد الوطني عبر إسهام التأمينات في استثمار فوائض أموالها في مشاريع استثمارية تعزز الاقتصاد القومي وتحقق التوازن بين الفئات والشرائح الاجتماعية وتخفف من حده الفقر. ومثلت أنظمة التأمينات والحماية الاجتماعية أهمية بالغة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بما حققته من نجاحات على صعيد المؤسسات العامة أو المختلطة وصولا إلى حماية العاملين في منشآت القطاع الخاص وغيرهم ممن تشملهم الحماية التأمينية في ظل اهتمام حكومي بالعمال في مختلف مواقع العمل والإنتاج. ومثّل اهتمام الحكومة بالتأمين الانطلاقة الواضحة صوب الاهتمام بتنمية المواطن عبر تطوير العمل التأميني وتوسيع مظلته لتشمل عموم أفراد المجتمع حيث حرصت الحكومة ومنذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية على سن منظومة تشريعية متكاملة من قوانين التأمينات والحماية الاجتماعية, وتحديث أوضاع الصناديق التأمينية والتقاعدية في إطار جعل هذه الصناديق قادرة على القيام بدورها الفاعل على المستوى الوطني في تخفيف آثار التحولات الاقتصادية إلى نظام السوق وما يترتب عليه من انعكاسات اجتماعية نتيجة تراجع دور الدولة الاقتصادي ومسؤوليتها في توفير الخدمات وفرص العمل لجميع المواطنين. وكان من بين أولويات دولة الوحدة أن ركزت على دمج وتطوير أنظمة التأمينات الاجتماعية للشطرين, باعتبارها أحد أهم نظم الحماية الاجتماعية التي تقدم لشريحة واسعة من المجتمع من العاملين في القطاع الخاص في حالة تحقق مخاطر العجز والشيخوخة والوفاة وإصابة العمل. والتأمينات الاجتماعية في ظل عالم المتغيرات اليوم هي من ستعمل على محاصرة التسول والتشرد وخلق الاطمئنان والسكينة بين صفوف المشمولين بالحماية التأمينية, كما إن اتساع دائرة التغطية التأمينية سوف يؤدي إلى انخفاض حدة الفقر بالمجتمع التي تعد واحدة من أهم مكونات السياسات الاجتماعية لأي دولة, كونها تعنى بتوفير العيش الكريم لجميع العاملين ومواجهة الأخطار الاجتماعية عن طريق تشريعات وتدابير اجتماعية التي تضعها الدولة. في العام 1991 بدأت أولى خطوات إيجاد نظام تأميني عصري يتواكب مع المتغيرات حيث تم دمج القانون رقم (1) 1980م في الشطر الشمالي سابقا والقانون رقم (1) 1980م في الشطر الجنوبي سابقا بالقانون رقم ( 25) لسنة 1991م بشأن معاشات التقاعد ومكافآت نهاية الخدمة للعاملين بالجهاز الحكومي والقطاعين العام والمختلط كما صدر القانون رقم 26 لسنة 1991م، لتنظيم الحماية للعاملين بالقطاع الخاص وتوسعة في شمولية التغطية نزولا إلى التأمين على المنشآت التي تستخدم خمسة عمال فأكثر كما شهد القانون توسع وميزات أكثر تجاه العاملين بالقطاع الخاص وتطبيقه على المنشآت التي تستخدم عاملا واحدا فأكثر بما في ذلك ذوي المهن الحرة والمشتغلين لحسابهم, وأصحاب الأعمال. وخلال السنوات الأربع الأخيرة شهد النظام التأميني نفسه, تطورا فعليا في كثير من الجوانب ذات صلة ترجمته المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية كمؤسسة وجدت لتوفير الحماية التأمينية للعاملين في القطاع الخاص في عدد من الإنجازات بعملها المؤسسي في مجال الاستثمار وتنوع المحفظة الاستثمارية والتوسع في التغطية التأمينية وتجويد الخدمة والمنفعة التأمينية لشريحة المؤمن عليهم وزيادة حجم الإيرادات التأمينية وعدد المنشآت والعاملين المؤمن عليهم. وتبين التقارير السنوية الصادرة عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية توسع نطاق التغطية التأمينية على المنشآت وأصحاب الأعمال والمؤمن عليهم المسجلين لدى المؤسسة من ثمانية آلاف و43 منشاة وصاحب عمل في العام 2005م، إلى ثلاثة عشر ألف و641 منشأة وصاحب عمل في العام 2009م وارتفع عدد المؤمن عليهم المسجلين من 208 آلاف عام 2005م إلى 285ألف عام 2009م. . وقد وأكب ذلك التوسع زيادة في الإيرادات التأمينية والاستثمارية للمؤسسة خلال الفترة 2005 - 2009م من 6 مليار و854 مليون و398 ألف ريال إلى 16 مليار و738 مليون و158 ألف ريال,مع حفاظ المؤسسة على خط ثابت في الموائمة بين إيراداتها ونفقاتها في ظل سياسة ترشيدية تنسجم مع خطة الحكومة في ترشيد الإنفاق وخاصة في جانب النفقات الإدارية, فلم تزيد نسبة النفقات بين العام 2005 - 2009 م عن 3 % تقريبا, حيث بلغ إجمالي النفقات في العام 2009م 2 مليار و581 مليون و298 ألف ريال مقارنة بمليار و2 مليون و882 ألف ريال في العام 2005م. وترجع التقارير السنوية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الزيادة في الإنفاق إلى تزايد المتقاعدين من سنة إلى أخرى في جميع أنواع المعاشات وتحديدا معاشات الشيخوخة وزيادة الحد الأدنى للمعاشات التعاقدية إلى 10 آلافريال كما بلغت عدد حالات المعاشات التقاعدية أربعة آلاف و616 في العام 2009 مقارنة بعدد ألفين و660 حالة معاش عام 2005م, إضافة إلى ارتفاع عدد الحالات المستفيدة من التعويضات التأمينية سنويا من عشرة آلاف و69 مستفيدا في العام 2005 إلى ثلاثة عشر و90 مستفيدا في العام 2009م. وتبذل المؤسسة جهدا كبيرا في تحصيل الموارد واستثمار الفوائض منها في مشاريع استثمارية مأمونة المخاطر وذات مردود استثماري مربح كان من نتائجها ارتفاع إجمالي التوظيفات الاستثمارية للمؤسسة من 27 مليار و698 مليون و969 ألف ريال في العام 2005م إلى 49 مليار و473 مليون و590 ألف ريال في العام 2009م حيث سعت المؤسسة إلى التوسع في أنشطتها الاستثمارية في العديد من المجالات المتعددة المالية والمصرفية والصحية والاتصالات والشركات القابضة والعقارات والصناعية وغيرها. وتبين التقارير السنوية للمؤسسة كيفية تصرفها في استثمار أموال وحقوق المؤمن عليهم من العمال في القطاع الخاص وفق آلية البحث عن فوائد وعوائد مالية مجزية لما تقوم به من مساهمات استثمارية قائمة على دراسات علمية للجدوى الاقتصادية والضمانات التي تكفل عدم الدخول بأي شكل من أشكال المضاربات، حيث تتركز تلك الاستثمارات في البنك الإسلامي للاستثمار، وبنك اليمن والخليج، والشركة اليمنية الليبية القابضة، والمستشفى السعودي الألماني، ومستشفى اليمن الدولي بتعز، وشركة الاتصالات (يمن موبايل) وغيرها من المساهمات العقارية والاستثمارية المتنوعة. فقد كانت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أحد اهتمامات الحكومة المتزايد في توفير الحماية الاجتماعية لكافة العاملين بالقطاع الخاص أسوة بالعاملين في القطاع العام من أجل تحقيق التوازن الاجتماعي وخاصة أنه لم يكن في المحافظات الجنوبية سابقا تأمينات على العاملين بالقطاع الخاص أو العاملين لأنفسهم حيث يعد التأمين على العامل والمواطن من مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض والبطالة, من أهم متطلبات الحياة في عالم اليوم, وهم من هموم المعيشة والتطور ذات الأولوية في كل مجتمع.