رياح قوية وأمطار غزيرة تقتلع وتغرق خيام نازحين بغزة    اليمن بين ثبات النهج ومنزلق الارتهان: قراءة في ميزان السيادة والهوية    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    مصرع شخصين جراء عواصف شديدة تضرب دول شمال أوروبا    اجتماع أممي لبحث اعتراف الكيان بجمهورية أرض الصومال    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    استفزاز إماراتي للسعودية في اليمن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    يتباكون على ثروات الجنوب.. فضائح نهب النفط والمعادن في حضرموت نموذجًا    قربوا العسل والحبة السوداء والسواك لأبو الإرهاب وشقيقه    هؤلاء هم أبطال حضرموت قيادات صنعت المجد وقهرت الإرهاب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    خفر السواحل تحذّر من السباحة بسبب هجمات سمكة «أبو سَفَن»    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    الأحزاب تثمن استجابة التحالف لطلب القيادة اليمنية وترحب برسالة وزير الدفاع السعودي    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    أمن محافظة صنعاء يدشّن خطة البناء والتطوير    ندوات ووقفات نسائية في حجة بمناسبة عيد جمعة رجب    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    اجتماع برئاسة العلامة مفتاح يناقش آلية تطوير نشاط المركز الوطني لعلاج الحروق والتجميل    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    وزارة الإعلام تدشن خطة شاملة لإحياء شهر رجب وتعزيز الهوية الإيمانية    حملة أمنية تحرق مخيمات مهاجرين غير شرعيين على الحدود بصعدة    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدس في ليل الإسراء
نشر في سبأنت يوم 17 - 03 - 2020


مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة في ليلة ال 27 رجب، من كل عام، بذكرى عظيمة على قلوب المؤمنين هي ذكرى "الإسراء"، امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: "ومن يُعَظِم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج/32 .
معجزة الإسراء واحدة من الآيات الإلهية الكبرى التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم, بعد حصار قريش لبني هاشم في الشعب، وموت الناصر أبي طالب شيخ الأبطح، والونيس خديجة الكبرى، ونكبة وصد أهل الطائف, فكان فرج الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراء: "لنُرِيَهُ من آياتنا .." الإسراء/1 ، "من" تبعيضية، بمعنى بعض آياتنا وليس كل آياتنا, تثبيتاً لقلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتحمل كل ما يلاقيه من سخرية واستهزاء وعذاب قريش.
الإسراء هدية ربانية أتت لتنفيس وتفريج كرب المصطفى عما كان يلاقيه من ألم صدود وجحود أهل الطائف، وألم تعقب ورفض قريش, وهي بالمرتبة الأولى رحلة استكشاف للكون، وما في قوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/ 18 - "من" تبعيضية بمعنى بعض آيات ربه الكبرى وليس كلها -, من الغموض وعدم الإفصاح وعلامات التعجب والاستفهام عما رآه صلى الله عليه وآله وسلم، ما يكفي لتبيين أهمية هذه المعجزة التي كرم الله بها نبيه.
أسرى الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة،محطة الانطلاق، على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى، محطة الاستراحة، والصلاة بأرواح الأنبياء إماماً في تلك البقعة الطاهرة، ثم العودة الى مكة المكرمة في ذات الليلة، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة الإسراء: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"، ابتدأت الآية الشريفة بتنزيه الله والتأكيد على قدرته المطلقة، وفي هذا دلالة واضحة أن انتقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة الى بيت المقدس كان بالروح والجسد.
وسمى الله سبحانه وتعالى سورة كاملة باسم هذه المعجزة الربانية للتأكيد على أهميتها، رغم أنه لم يرد فيها سوى آية واحدة تتحدث عن حادثة الإسراء، وصفتها بدقة ووضوح - عكس حادثة المعراج وما فيها من اختلاف وجدل بين علماء المسلمين، لسنا بصدده في هذه الفسحة لطول الحديث فيه - وهو ما جعل قضية الإسراء محل إجماع بين علماء المسلمين، مع الاختلاف فيما رآه صلى الله عليه وآله وسلم خلال تلك الرحلة المقدسة وطريقة الانتقال وهل كانت بالروح والجسد أم بالروح فقط، والراجح كما هو واضح من منطوق القرآن أنها بالروح والجسد، وهو ما أكسبها أهمية خاصة وجعلها منطلقا لمرحلة جديدة في حياة الرسول والدعوة الاسلامية.
أُسرِي به صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة بسنة من دار أم هانئ بجوار المسجد الحرام بمكة المكرمة ليلا الى بيت المقدس، مهبط الملائكة ومقر الأنبياء، والمباركة أكنافه بالزروع والثمار والأنهار، وعاد في ذات الليلة، متعدياً عامل الزمن، وكانت الرحلة الى القدس في حينها تستغرق أشهراً ذهاباً وإياباً.

* لقد رأى من آيات ربه الكبرى
في هذه الرحلة المقدسة لم يتحدث صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ما رآه، بل عن شيئ يسير فقط تناقله الرواة فأضافوا إليه ما خُيِّل لهم أنه صالح لشرح آيات الله التي رآها صلى الله عليه وآله وسلم، بعض هذه الإضافة كان بحسن نية وبعضها كان من دس المنافقين، ليشوشوا علينا أمر ديننا، وليجعلوه مع العقل السليم والفطرة السليمة والسنة السليمة على اختلاف وتناقض، فيتسرب الشك إلى القلوب ثم الكفر والجحود.
وحسبنا أن القرآن الكريم قد وصفها ب"الكبرى"، وهذا الإجمال في الوصف لطفٌ من الله لنا، لأن عقولنا أقل من مستوى تلك المعلومات التي اختص الله بها نبيه، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرى إلا ما أذن الله له أن يراه، وقد وصف سبحانه وتعالى محافظة نبيه على حدود اللياقة والأدب وعدم مد النظر إلى ما لم يُأذن له في رؤيته: "ما زاغ البصر وما طغى, لقد رأى من آيات ربه الكبرى" النجم/17 – 18.
قال الإمام زيد بن علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى بسورة النجم: "ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى": ما عدل البصر وما حار مما رآه من علامات وعجائب الله في الكون، وفي تفسير الامام القاسم بن الحسين العياني عليه السلام: ما أخطأ البصر ولا مال، ولم يتعد الى غير الحق، بل أصاب، والآية الكبرى التي رآها النبي هي جبريل عليه السلام، وهو آية عظيمة باهرة منيرة، وفي البرهان يقول الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام: ما زاغ بصر النبي وما عدل عنه ولا شبهه ولا تخايله، ولا ظنه، بل قد رآه بحقائق الرؤية وأبصره، وما طغى رسول الله فيما أخبركم به ولا دخله في ذلك أشر ولا بغي، بل قد صدقكم عما أبصر ورأى، وقيل ما تجاوز صلى الله عليه وآله وسلم ما رآه من العجائب التي أُمر برؤيتها، ومُكِّن منها، ويضيف الهادي عليه السلام في توضيح ماهية الآيات الكبرى التي شاهدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رأى من جبريل عليه السلام آية من آيات الله العظمى لا يشبهها شيئ من الأشياء، وفي تفسير العلامة عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الشرفي: رأى كبرى آيات ربه وعُظمَاهَا حين عرج الى السماء، من عجائب الملكوت في تلك الليلة.
ولنا أن نتصور ما شئنا من آيات الله الكبرى التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن شريطة أن نعرض ذلك على كتاب الله، فما وافقه فهو الصواب وما خالفه فهو باطل مردود، وعقل المخالف بلا شك محتاج إلى طبيب، وليس القصد الإطالة وتصحيح وتنقية ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرحلة العظيمة المباركة، وإنما الوقوف على الحكمة من هذه المعجزة الإلهية.
وقد وجدت قريش في هذه الحادثة التي سمتها "خرافة"، مرتعاً خِصباً لنشر الأقاويل والأكاذيب والدعايات المغرضة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأبى الله إلا أن يُتِمَ نوره ولو كره الكافرون، وتظهر آيات ذلك في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم لبيت المقدس وصفاً دقيقاً كأنه يراه الساعة وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم ببعير لقريش في الطريق وما شرد منها وما جرى لماء قافلتهم ومتى يصلون مكة، ومع ذلك آمن من آمن وصدّق، وكفر المعاند الجهول الغوي.

* دلالات نهتدي بها
حملت معجزة الإسراء العديد من الدلالات والرسائل ليس للنبي فحسب بل وللأمة المحمدية الى قيام الساعة:
1 - تثبيت قلب الرسول الخاتم بما رآه من آيات ربه الكبرى ليزداد هُداً ونوراً وصبراً، على تحمل ما لاقاه ويلاقيه بعد موت أبي طالب وخديجة من ضروب الإهانة والسخرية والتعذيب.
2 - اشعار الرسول الخاتم وأمته بوحدة الشريعة السماوية المنزلة عليه والرسل من قبله: "إن الدين عند الله الإسلام" - ولنا بحث مطول حول واحدية الأديان السماوية وأن الإسلام هو دين كل الأنبياء والمرسلين -، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بشيئٍ جديد، ولم يكن أول من تلقّى الإهانة والتعذيب في سبيل الله, فقد تلقاها من قبله إبراهيم الخليل وموسى الكليم, ويشير إلى هذا رحلته صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلد الأنبياء "القدس الجريح"، وتعريجه على طور سيناء جبل الكليم موسى عليه السلام واتفاقه بأرواح الأنبياء عليهم السلام.
3 - توجيه رسالة ربانية للأمة الإسلامية في كل زمان ومكان لتأكيد ارتباط حرمة الحرم المكي والمسجد الأقصى الى قيام الساعة، ووجوبية رعاية حرمتهما، ومواجهة كل من يريد بهما شراً، والتأكيد وحدة مسار ومصير المسجدين وأن ما يقع على أحدهما سيكون له تداعيات كارثية مباشرة على الأخر.
بعد حادثة الإسراء اهتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفتح بيت المقدس وتجهيز جيشاً لهذه المهمة المقدسة قبيل وفاته بقيادة أسامة بن زيد 11 ه / 632 م، لكن وفاته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين حالت دون إنفاذ الجيش، وبعد وفاة الرسول الأكرم بأربع سنوات 15 ه / 635م، فتح المسلمون بيت المقدس، وتسلم عمر بن الخطاب مفاتيح القدس الشريف مباشرة من بطريكها "حفرونيوس" وتم بناء المسجد الأقصى في البقعة التي صلى فيها، وتحققت أمنية الرسول الخاتم وتطهرت بيت القدس من رجس ودنس اليهود.
تتابعت الأحداث بعدها وتمكن اليهود من انتزاع القدس وتهويده وتدنيسه خلال فترة تمدد الحروب الصليبية في المشرق العربي في العهد الوسيط، لكن المسلمون تمكنوا من استعادته في سنة 1187م، وبقي في حوزة المسلمين حتى نكبة حزيران يونيو 1967، ومن يومها والكيان الصهيوني الغاصب لا يدخر وسيلة لتسريع عملية تهويد الأماكن المقدسة في القدس وأكنافه، وتغليب العرق اليهودي وتحويل القدس إلى عاصمة أبدية لكيانه اللقيط، بمباركة هيئة الأمم ودعم رعاة البقر وتمويل بعران العرب.

* القدس الجريح
عندما احتل الكيان الصهيوني الغاصب مدينة القدس عام 1967 لم تكن مساحتها تتجاوز 6 كيلو متر مربع، بينما هي اليوم أكثر من 300 كيلو متر مربع، ويعمل الاحتلال لضم 25 بالمائة من أراضي الضفة (1413 كيلو متر مربع) بعد أن كان قد اقتطع في السابق أكثر من 5 بالمائة من الضفة.
إعلان الاحتلال مدينة القدس بموجب قانون عام 1980 عاصمة أبدية وموحدة له، معناه أن القدس الفلسطينية لم تعد تتجاوز الأحياء العربية خارج حدود الجدار، وبالأصح خارج حدود 1967 كما طرح ترامب في مبادرته المسماة بصفقة القرن، وهذه قد تم ملئها بالمستوطنات، أي أن أي تفاوض مستقبلي حول ملف القدس - حسب نتنياهو – بات مقتصراً على أحياء محدودة من القدس الشرقية وعلى المقدسات الإسلامية في المدينة القديمة – مساحتها واحد كيلو متر مربع فقط - والتي هي من ضمن مقدسات مسيحية ويهودية، بما لذلك من تعقيدات كثيرة ليست فلسطينية وإسرائيلية فحسب بل ودولية.
ملف القدس يظل من أكثر الملفات تعقيداً، لكن بصورة عامة لا تزال القدس حسب القرارات الدولية محتلة ولا يزال الفلسطينيين يأملون في الحصول على الأحياء العربية لتكون عاصمة لهم، وبالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى، وإمكانية التوصل إلى ضمانات بخصوص حائط البراق، بهدف إتاحة المجال لوصول اليهود إليه والصلاة أمامه، فيما يرى الاحتلال أن كل التعهدات التي أطلقها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقته المبدئية بإمكانية التخلي عن السيادة على الحرم القدسي ملغية، في إشارة واضحة لمبادرة بيل كلينتون حينها، المتضمنة انسحاب الاحتلال من الأحياء العربية وتقسيم البلدة القديمة، وإبقاء سيادة رمزية لإسرائيل على حائط البراق، وخلق حد أقصى من التواصل الجغرافي لكلا الطرفين، والتوافق على وجود مراقبة دولية لتوفير الثقة المتبادلة.
ومع ذلك فكل الوقائع والحقائق الميدانية تصب في خانة استحالة إمكانية تقسيم القدس الشرقية تحت أي ضغط، ويكفينا هنا لتأكيد هذه الحقيقة العودة إلى تصريح رئيسة وزراء الاحتلال "غولدا مائير" عندما أقدم كيانها على إحراق المسجد الأقصى عام 1969 حيث تقول أنها لم تنم تلك الليلة لتخوفها من تحرك الجيوش العربية والإسلامية وعندما استيقظت صباح اليوم التالي ولم يحدث شيء اطمأنت إلى مستقبل إسرائيل!!.

* مشروع التهويد (القدس 2020)
أُطلق قبل نحو 10 سنوات، وهو أحد أهم مشاريع التهويد وتغليب الوجود اليهودي في القدس، ويرى في العام الجاري 2020 مرحلة فاصلة لحسم هوية القدس لصالحه، خصوصا بعد نقل الادارة الأميركية سفارتها إلى مدينة القدس، واعتراف عرّاب صفقة القرن الرئيس الأميركي رونالد ترامب بها عاصمة موحدة لإسرائيل في 6 ديسمبر 2017.
والهدف العام للمشروع تقليص عدد الفلسطينيين في القدس إلى 25 ألف فلسطيني، مقابل 400 ألف متدين يهودي، في وقت أصبح فيه عدد الفلسطينيين في الأحياء العربية أقلية لأول مرة في التاريخ، ولذا وجد عرب القدس أنفسهم أمام خيارين: إما التهويد والأسرلة أو المغادرة.
وهذه واحدة من معطيات قانون الاحتلال لعام 1973 الذي حدد نسبة عرب المدينة ب22 بالمائة مقابل 70 بالمائة يهود، لكن رغم كل الأعمال الوحشية التي قام بها الاحتلال، لم يفلح حتى الآن في تغليب الكفة اليهودية، لاسيما في المدينة القديمة، حيث لازال هناك 30 ألف عربي مقابل 4 ألف يهودي، ونسبة الفلسطينيين في القدس بشطريها نحو 35 بالمائة (300 ألف فلسطيني) مع توقع الاحتلال بتجاوزهم 40 بالمائة في العام الجاري 2020 .
ميدانياً، لا تزال مدينة القدس، مدينة طاردة لليهود، وهذه من المفارقات العجيبة، حيث تمت مغادرة نحو 105 آلاف يهودي خلال الفترة 1980- 2005 فقط، وهي واحدة من الإشكاليات الكبيرة المعترضة مشروع التهويد، ما دعا الاحتلال في آب/أغسطس 2007 لاعتماد خطة بقيمة 200 مليون دولار والإقرار في نهاية تشرين الأول 2010 مشروع جديد يقضي باعتبار القدس منطقة ذات أولوية وطنية (مشروع القدس 30 - أ), وهو واحد من 38 قانون عنصري صدرت حتى نهاية 2010، منها 15 قانوناً صدرت في غضون عامٍ واحد فقط من ولاية نتنياهو و23 قانوناً صدرت في العقود السبعة الماضية، الى جانب سلسلة أخرى من القوانين الصادرة خلال الفترة 2010 - 2020.
وكلها تهدف لتحقيق غاية واحدة هي: إكساب مشاريع الاستيطان والتهويد والجدار صفة الشرعية القانونية والسياسية, في حين ينفرد قانون "30 – أ" بإعطاء الضوء الأخضر لتحويل القدس إلى مدينة عصرية جاذبة للسكان والمستثمرين اليهود، على غرار تل أبيب وإقامة سكة حديدية ومستوطنات جديدة فيها، تضم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية وتوسيع القائم منها، وزيادة تضييق الخناق على ما تبقى من الفلسطينيين فيها، على أمل أن يسهم ذلك في خفض نسبة عرب القدس إلى 12 بالمائة وليس 22 بالمائة كما كان مُخططاً له بموجب قانون عام 1973، وتالياً خفض نسبة عرب 1948 من 20 بالمائة في 2010 إلى 5 بالمائة في 2020، لأنهم باتوا يشكلون خطراً على أمن واستمرار ووجود الاحتلال, والعمل على اجتذاب نحو نصف مليون يهودي إلى القدس.
ولهذا الغرض فعّل الكيان الصهيوني قانون حسم الهوية (يمين الولاء) وقانون الاستيلاء على أملاك الغائبين والإفصاح عن مشروع الخريطة الجديدة لمدينة القدس العاصمة الأبدية والموحدة/ 2010، وكلها من شأنها إعطاء إسرائيل المسوغ القانوني لضم القدس الشرقية من جانب واحد، في حال نجحت هذه الخطوات، وهو ما لم تجرؤ عليه إسرائيل طول ال60 سنة الماضية، وما صفقة القرن سوى تحصيل حاصل.
مما سبق نفهم سر توقيت طرح الإدارة الأميركية لصفقة القرن بعد ثلاث سنوات فقط من نقل سفارة واشنطن الى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغاصب، بالتوازي مع تغير المزاج العربي الرسمي وتحديداً مملكة الدرعية الراعية للحرم المكي من القضية الفلسطينية وقضية القدس بشكل خاص وتقدمها صفوف المطبعين وتوظيف كل إمكانيتها للضغط من أجل تنضيج وإنجاح صفقة العار الأميركية.
فهل يُرضِيك يا حبيبي يا رسول الله ونحن نحتفي بذكرى الإسراء، ما يجري في مسراك، بتواطؤ ودعم رعاة المسجد الحرام؟؟.
ووالله لو هب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من مرقده للأخذ سوطاً يلهب به ظهور زعماء وقادة أمته، لتفريطهم في القدس الشريف وتواطؤهم مع الكيان الصهيوني اللقيط في كل جرائمه بحق الفلسطينيين، وصمتهم المخزي على مخططات تهويد القدس الشريف والمسجد الأقصى وطمس المعالم الإسلامية في فلسطين المحتلة بأريحية ومباركة سعودية غير مسبوقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.