دفع استمرار تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا بالأجانب المقيمين فيها إلى تركها، في ظل احتدام القتال خلال الأسابيع القليلة الماضية بين قوات الحكومة والميليشيات المسلحة المتناحرة فيما بينها. وواصلت عدة دول أجنبية إجلاء رعاياها ومن بينها بريطانيا والصين،فيما تدرس كوريا الجنوبية إغلاق سفارتها لدى ليبيا مع اكتمال إجلاء الكوريين المقيمين فيها. وقامت سفينة تابعة للبحرية البريطانية بأجلاء أكثر من 93 شخصاً، وذلك في ثاني عملية من نوعها تنظمها بريطانيا. ووصلت السفينة إلى مالطا أمس الاربعاء وعلى متنها العديد من البريطانيين الذين نقلوا من طرابلس. وأعلنت الخارجية البريطانية أنها ساعدت في إجلاء أكثر من 200 مواطنا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مضيفة أن العديد من البريطانيين غاردوا البلاد مسبقا. وأغلقت بريطانيا سفارتها في ليبيا بعد نشوب معارك عنيفة أدت إلى مقتل المئات من المواطنين، كما نصحت رعاياها بعدم السفر إلى ليبيا بسبب "تردي الوضع الأمني". وقال الناطق باسم الخارجية البريطانية إن "السفارة البريطانية في ليبيا مغلقة في الوقت الراهن من الخامس من اغسطس الجاري"، مضيفا "نحث جميع المواطنين البريطانيين على مغادرة ليبيا فورا، ومن يحتاج للمساعدة منهم من أجل المغادرة عليهم الاتصال بالخارجية البريطانية". وعلى الصعيد نفسه، أجلت السلطات الصينية نحو 900 عامل صيني بحسب مسؤول صيني. وقال المسؤول إنه لم يتبق من الجالية الصينية في ليبيا سوى عدد قليل، مشيرا إلى أنهم موجودون في طرابلس. وأسفرت المعارك في ليبيا خلال اسبوعين عن مقتل 200 شخص على الأقل وإصابة نحو ألف آخرين، بحسب وزارة الصحة الليبية. من جهة أخرى، أفادت تقارير إخبارية بأن الحكومة الكورية تدرس إغلاق سفارتها لدى ليبيا مع اكتمال إجلاء الكوريين المقيمين فيها. ونقلت وكالة أنباء "يونهاب" الكورية الجنوبية عن مصادر حكومية القول إن "الحكومة تخطط لخفض عدد عمال سفارتها لدى ليبيا تدرجيا تماشيا مع إجراءات انسحاب الكوريين المقيمين هناك، كما ستنظر في نهاية المطاف في إغلاق السفارة مع اكتمال عملية سحب الكوريين". وأشارت إلى أن قرار سحب البعثة الدبلوماسية من ليبيا يأتي نظرا لما تشهده ليبيا من اشتباكات عنيفة بين جماعات مسلحة. وقد وضعت حكومة سيول ليبيا على قائمة الدول المحظور السفر إليها نهاية الشهر الماضي، وبموجب القرار تجري حاليا عملية إعادة نحو 510 من الكوريين الجنوبيين المقيمين في ليبيا. وتمكن نحو 70 من الكوريين في ليبيا من الذهاب إلى مالطا وتونس حتى الآن. وتخطط الحكومة لإجلاء عدد أكبر من مواطنيها خلال الأسبوع الحالي. وأجلت فرنسا زهاء 50 من مواطنيها ورعايا بريطانيين من ليبيا عبر البحر، نهاية الشهر الماضي بينما أغلقت سفارتها في طرابلس مؤقتا بعد تدهور الأحوال الأمنية. وكانت الولاياتالمتحدة أخلت سفارتها في ليبيا مع نهاية الشهر الماضي ونقلت العاملين بها تحت حراسة مشددة عبر الحدود إلى تونس بسبب تصاعد الاشتباكات بين الميليشيات المتقاتلة في طرابلس. كما أجلت الولاياتالمتحدة ايضا رعاياها المتواجدين في ليبيا بسبب الوضع الطارئ وغير المستقر الذي يخيم على البلاد. ولا تزال الولاياتالمتحدة تحت تأثير الحادث الذي وقع في 11 سبتمبر 2012 ضد القنصلية الأمريكية في بنغازي وقضى فيه أربعة أمريكيين من بينهم السفير كريستوفر ستيفنس. وقد حذرت جماعة أنصار الشريعة الولاياتالمتحدة من التدخل في أزمة البلاد وهددتها بأنها ستواجه ما هو أسوأ من الصراعات التي خاضتها في الصومال أو العراق أو أفغانستان. وأدرجت واشنطن الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. والجماعة متهمة بتدبير الهجوم على القنصلية الأمريكية. ويتواصل نزوح آلاف الليبيين وبأعداد متزايدة باتجاه معبر رأس جدير الحدودي مع تونس هربا من الأوضاع الأمنية المتدهورة. وفي موازاة ذلك دعا مجلس النواب المنتخب في ليبيا إلى وقف فوري لإطلاق النار تحت إشراف الأممالمتحدة بهدف إنهاء ثلاثة أسابيع من اشتباكات وقعت بين ميليشيات أودت بحياة أكثر من 200 شخص. وقال عضو البرلمان عيسى العرابي إن 131 من أعضاء مجلس النواب البالغ عدده مئتي عضو صوتوا لمساندة وقف فوري لإطلاق النار في جميع أماكن القتال في البلاد والسماح للأمم المتحدة بالإشراف على العملية. ولم تتكشف على الفور تفاصيل الاقتراح ولم يتضح موقف الميليشيات المتحاربة من قرار البرلمان الذي لا يعترف به بعض حلفائها السياسيين بدعوى أنه غير دستوري. وصوت البرلمان أيضا على الموافقة على تسليم بعض السلطات التنفيذية بصفة مؤقتة إلى الهيئة التشريعية لحين إجراء انتخابات رئاسية واختيار رئيس جديد للبلاد. وباتت الآمال معقودة على البرلمان الجديد الذي ستقع على عاتقه المهمة الصعبة لفرض النظام وسلطة الدولة.