تشهد الساحة السياسية المصرية جدلاً لا ينتهي حول الانتخابات البرلمانية القادمة والتي أقرتها خارطة الطريق بعد الثلاثين من يوليو 2013، وهي أخر التزامات الأطراف التي اتفقت على عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والتي بدأت بالانتخابات الرئاسية ومرت بتعديل الدستور والاستفتاء عليه، ويفترض أن تنتهي بالانتخابات البرلمانية. وقد أشعل المشهد السياسي اعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاسبوع الماضي إجراء الانتخابات البرلمانية في مارس القادم .. وقال الرئيس المصري "إن الانتخابات البرلمانية، وهي المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق، ستجري قبل نهاية مارس من العام القادم". وفي جدلية توجه الحكومة والرئاسة المصرية فيما تراه يسير في اتجاه ترسيخ ثقافة الديمقراطية في مصر، تعترض بعض القوى السياسية والمدنية على ما تتجه الحكومة لإقراره من إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية والطريقة التي تعد لها الانتخابات، بينما يعترض طرف أخر يرى ما هو قائم غير شرعي باعتباره انقلاباً عسكرياً أقصى رئيس مدني منتخب. ويخشى بعض الفقهاء الدستوريين ان تشوب الانتخابات البرلمانية القادمة "مخالفة دستورية"، تفضي إلى هدم معبد البرلمان الجديد، في أول جلسة بالطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة المصرية العليا، وذلك بسبب الوقوع في خرق نص الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في يناير الماضي، الذي يلزم بإجراء الانتخابات البرلمانية في غضون ستة أشهر من إقراره. وهذا – بحسب الفقهاء- يفتح الباب للطعن على نتيجة الانتخابات مستقبلاً، لانتهاك أحكام ونصوص الدستور، الذي تنص المادة (230) منه على أنه "يجرى انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقا لما ينظمه القانون، على أن تبدأ إجراء الانتخابات الأولى منها خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يومًا ولا تجاوز التسعين يومًا من تاريخ العمل بالدستور، وفي جميع الأحوال تبدأ الإجراءات الانتخابية التالية خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور" وترقب الشارع المصري أن تبدأ الإجراءات الفعلية لانتخاب البرلمان الجديد وفق ما نصه الدستور في يونيو الماضي، إلا أن ذلك لم يتم، نظرا لأسباب تتعلق بإعادة تقسيم الدوائر وترسيم حدود المحافظات، بينما فسر مراقبون، ان الدولة المصرية ترى أن الكثير من القوى السياسية المصرية ليست على استعداد لخوض غمار الانتخابات، مما قد يفجر مفاجأة في النتائج بوصول قوى من النظام السابق الذي كانت تديره جماعة الإخوان المسلمين، او القوى التقليدية لنظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. ويخالف ذلك الرأي، توجه بدستورية الانتخابات البرلمانية القادمة كونها قد بدأت بالفعل مع تشكيل اللجنة العليا للانتخابات في يونيو الماضي، والتي بدأت في الإجراءات التحضيرية للانتخابات، وعلقت بدأها بصدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، تنفيذا لنصوص الدستور. بينما يرى توجه أخر بأن سبب تأخر الانتخابات نظراً للظروف الحالية التي لا تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة كما يريدها الشعب المصري في ظل المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية، والحرب التي تخوضها ضد الإرهاب. من جهتها نقلت صحيفة الأهرام المصرية عن وزير العدالة الانتقالية المصري ورئيس لجنة إعداد قانون تقسيم الدوائر المستشار إبراهيم الهنيدى قوله "أن اللجنة ستعمل الأسبوع المقبل على إعداد مشروع قانون الدوائر الانتخابية وفقا للتقسيم الإداري القديم بالنسبة للمقاعد الفردية والذي يبلغ عدد الدوائر فيه نحو 246 دائرة انتخابية". وأضاف الوزير المصري أن مجلس الوزراء وافق مبدئيا على مبادئ وقواعد ومعايير تقسيم الدوائر الانتخابية، مشيرا إلى أن هناك مقترحين لمشروع القانون، أولهما يتضمن تقسيم الدوائر الانتخابية بناء على التقسيم الإداري القديم والذي من المتوقع أن يصل عدد الدوائر خلاله إلى 246 دائرة بالنظام الفردي، إلى جانب 120 مقعد بنظام القائمة. أما المقترح الثاني بحسب تصريح وزير العدالة الانتقالية المصري، فيتضمن تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 420 دائرة يكون لكل منها نائب واحد بالنظام الفردي، لافتا إلى أن هذا المقترح تقدم به عدد من الأحزاب والقوى السياسية كما أن هناك مطالب من أحزاب وقوى سياسية أخرى برفض هذا المقترح. وقال الهنيدى أن لجنة تقسيم الدوائر تعمل حاليا على ضبط النسب وأعداد الناخبين داخل كل دائرة انتخابية، بما يتفق مع الدستور وقانون مجلس النواب، وأن القانون سيتضمن استحداث عدد من الدوائر الانتخابية ليتم تمثيل بعض المناطق غير الممثلة بشكل جيد، مثل حلايب وشلاتين والنوبة في جنوب مصر. ومن المتوقع بحسب – صحيفة المصري اليوم- ان يصل عدد أعضاء مجلس النواب المصري إلى 540، بالإضافة إلى نسبة 5% يعينها رئيس الجمهورية، بواقع 27 مقعداً، ليصل اجمالى عدد المقاعد إلى 567. كما تشير المعلومات أن دوائر الترشح الفردي ستقسم على 27 محافظة مصرية، لتحدد عدد الدوائر بكل محافظة طبقاً لعدد سكانها، حيث ستحظى القاهرة بأكبر عدد ويبلغ 48 مقعداً، مقسمة على 24 دائرة انتخابية، أما محافظة الجيزة فسيصل عدد المقاعد بها إلى 26 مقعداً مقسمة على 13 دائرة انتخابية، بينما تحصل الإسكندرية على 20 مقعداً مقسمة على 10 دوائر. وفيما يتصل بالقوائم يشترط قانون مجلس النواب أن تكون كل قائمة مكونة من 45 مرشحاً، بها 9 مرشحين من المسيحيين، و6 مرشحين من العمال والفلاحين، و6 من الشباب، و3 من ذوى الإعاقة، و3 من المقيمين للمصريين بالخارج. وعلى صعيد متصل بالانتخابات البرلمانية تواصل الأحزاب والتيارات السياسية المصرية عقد اللقاءات والجلسات المشتركة بين الشخصيات والرموز السياسية الحزبية المختلفة، لبحث واستعراض خارطة التحالفات المتوقع ان تخوض انتخابات البرلمان الجديد. وتشير مصادر إعلامية مصرية إن رموز سياسية كرئيس الوزراء المصري الأسبق كمال الجنزورى، و المرشح السابق للانتخابات الرئاسية عمرو موسى، تعمل على إجراء عدة اتصالات من شأنها خلق التوافق على قائمة موحدة تضم القوى الوطنية، ورغم الصعوبات التي تصاحب ذلك، الا ان الجهود السياسية جارية لتحقيق توافقات سياسية ناجحة. وعلق الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية الدكتور سعيد اللاوندي على تحالفات القوى السياسية في تصريحه لوكالة الأنباء اليمنية سبأ بأن وجود التحالفات السياسية أمر ديمقراطي وطبيعي، انتهجته الدول الكبرى كفرنسا خلال الفترة الماضية، لافتًا إلى أن التحالفات السياسية لا تعتبر عقبة في سبيل التحول الديمقراطي للمجتمعات. بينما قال رئيس اللجنة النوعية للشباب بتحالف "الوفد المصري" طارق التهامي "أن التحالفات الانتخابية أمر طبيعي خاصة مع تعدد الأحزاب السياسية في مصر، ووجود اتجاه داخل الحكومة بضرورة توحيد صفوف التيارات السياسية المختلفة، مشيرًا إلى أن التحالفات السياسية تسير على خطى توحيد الموقف السياسي". وأضاف التهامي أن تأجيل الانتخابات البرلمانية لما بعد شهر إبريل المقبل أمر مطروح، خاصة في ظل تأخر صدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وخروج قانون الانتخابات البرلمانية بشكل مشوه، لافتًا إلى أن قانون الانتخابات البرلمانية الحالي يمثل "كارثة" -على حد وصفه-، يمكن أن تطيح بالبرلمان القادم، حيث أن القانون يقلص من فرص الأحزاب السياسية في الحصول على مقاعد بالبرلمان بطريقة عادلة. من جهته أكد أمين لجنة الإعلام بحزب المحافظين المصري محمد الأمين أن التحالفات السياسية لم تكتمل بشكلها النهائي حتى الآن، مضيفًا أن تلك التحالفات الانتخابية تسعى لتشكيل قائمة وطنية موحدة من خلال التنسيق بين التحالفات وبعضها من جهة، والتنسيق مع الأحزاب التي لم تنضم لتحالف معين من جهة أخرى. وأضاف الأمين أن المناقشات لم تنتهي في أمر التواصل مع السيد عمرو موسى بشأن خوض الانتخابات على قوائم تحالف الوفد المصري، لافتًا إلى أن تحالف الوفد ناقش مع رئيس الوزراء المصري إمكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، بسبب تأخر إصدار قانون تقسيم الدوائر، مع وجود مقترحات لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، مشيرًا إلى أن الانتخابات البرلمانية لن تعقد في الموعد المتفق عليه في شهر يناير أو فبراير، وإنما ستكون في شهر إبريل من العام القادم 2015. ولفت الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية الدكتور يسري أن التحالفات السياسية ضعيفة جدًا وبها شخصنة لبعض الأمور، مضيفًا أن بعض الشخصيات العامة التي تولت مناصب في الدولة في فترة ما أدت إلى ضعف التحالفات السياسية الحزبية، بل وإفشالها، لافتًا إلى أن التحالفات غير قائمة على فكرة المؤسسية. وفي التعليق الدولي على موعد الانتخابات المصرية وصفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي الإعلان عن إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر خلال الربع الأول من العام المقبل بأنه "خطوة إيجابية." وقالت ساكي منذ ايام إن الولاياتالمتحدة ترى خطوة الانتخابات استكمالاً للمرحلة الانتقالية. الجدير بالذكر ان مصر تعيش بدون مؤسسة تشريعية منذ يونيو 2012، بعدما حلت المحكمة الدستورية مجلس الشعب الذي هيمنت عليه جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، والذي أجريت انتخاباته عقب تنحي الرئيس مبارك وقبيل تولي محمد مرسي الرئاسة، مما دفع مرسي للاحتفاظ بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وآلت فيما بعد إلى الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ثم إلى الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بعد انتخابه رئيسا في مايو الماضي.