ومثلما انه لا خلاف على أن للوحدة اليمنية، إسهامها الفاعل في إعادة صياغة ورسم ملامح مستقبل اليمن الجديد، وتعزيز مسارات النهج الديمقراطي والعمل الفكري والثقافي، وتوسيع أفق الحرية والتعبير ، واحترام حقوق الإنسان، والارتقاء بأبجديات الحوار الثقافي الخلاق ، واتخاذها سبيلا للتفاهم مع الحضارات الإنسانية الاخرى، وكذا السمو بالوعي المجتمعي تجاه المفاهيم الديمقراطية.. فإن ثمار الحصاد الثقافي طيلة السنوات الماضية في نظر المهتمين والمثقفين اليمنيين والعرب والاجانب أبرزت مفاهيم جديدة تؤسس لمرحلة الوحدة ومتغيرات العصر. فمن ملتقى الشعر العربي الفرنسي، وملتقى حوار الحضارات والثقافات ، وفي البدء ملتقى الرواية العربية والألمانية، الى ملتقى الشعراء الشباب وآفاق التجربة التسعينية، وندوة تاريخ اليمن بين التدوين والتوثيق، والمعرض الاول للوثائق اليمنية، ومهرجان الأغنية اليمنية ، ومهرجان الموشح اليمنى، وبرنامج الموسم المسرحي، وانطلاق برنامج ايام المحافظات الثقافية، والأسابيع الثقافية العربية والاسلامية، وغيرها من الفعاليات النوعية التى شهدتها اليمن على مدى الفترة الماضية من مؤتمرات وندوات فكرية وأدبية ومهرجانات.. جاءت نظرة ورؤية المهتمين والمثقفين العرب والاجانب ممن شاركوا اليمن هذه الفعاليات، لتصب في بوتقة التفاؤل وحسن الظن، التي تؤكد مكانة اليمن على خارطة الوطن العربي الثقافية. وقد تجلت دلالات ذلك في انصع صورها، من خلال جملة الرؤى والتحليلات والكتابات والانطباعات التى عكستها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة المحلية والعربية عن المثقفين والمهتمين العرب والاجانب ، وتوضح ابرز القضايا الفكرية والادبية التى اثارتها مناشط الحصاد الثقافي برؤية تحليلية فلسفية الآفاق التى يمكن من خلالها قراءة تلك المدلولات على المشهد الثقافي . في البدء كان الحوار.. تظاهرة لإعلان الإيمان بثقافة الانسان وإبداعه وإصراره على الحرية والكرامة، كقيمة عليا لا تنقصها اختلافات العرق والدين والجغرافيا.. فعبر حوار حضاري دارت أفقه الرحبة مع مثقفين ألمان، شكلوا مع زملائهم العرب حلقة وصل جديدة فاعلة في عالم تعددت فيه الايدلوجيات وتصادمت فيه الرؤى، بين من يؤمن بالانسان وثقافته ومن يسوق لثقافة القتل والدمار، برزت الحاجة لصرخة واحدة في وجه ثقافة العنف كان قد أطلقها المشاركون قبل ان يختتموا أعمال ملتقاهم الفكري الحاشد. قضايا الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وإشاعة العدل ، ومحاربة الإرهاب والعنف والعنصرية والازدواجية في المعايير ، واحترام الإنسان وثقافته وإبداعه الفكري، وترفيع ثقافة الحوار الثقافي الخلاق.. كانت قضايا جوهرية لأكثر هذه المناشط في محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الشرق والغرب وفق منهجية احترام الآخر وخصوصيته وهويته ، بالتجاور والتبادل المعرفي، والبحث عن طريق تفضي بأبناء البشر نحو الآفاق الرحبة لحوار الحضارات وتعظيم قوى الإنسان الخلاقة في أي مكان كان على وجه البسيطة، ونبذ كل ما من شأنه جرهم إلى غير ذلك. وبحسب الواقع الثقافي، فان الميدان الادبي بكامل تفرعاته، يحتل مركزا متقدما من جملة المناشط الثقافية في اليمن، حيث يصل حجم الامسيات الشعرية إلى ثلث الفعاليات التى تقيمها المؤسسات الرسمية والاهلية ، وذلك لغزارة الانتاج في المجال الأدبي وسهولة عقد الامسيات بالإضافة الى انها غير مكلفه من الناحية المادية . وعلى التوالي، تندرج بقية المناشط الأخرى الفنية الغنائية ، والمسرحية، والفكرية، والعلمية، والمهرجانات والاسابيع الثقافية ، الانشطة الثقافية العربية والاجنبية، والمشاركات الخارجية، والآثار والمخطوطات والحرف، ومعارض الكتاب والمكتبات، والجوائز الثقافية وتكريم المبدعين . وتؤكد الإحصائيات الكمية للمناشط الثقافية، قطعها لشوط كبير في مختلف الحقول الثقافية والمعرفية خلال الفترة الاخيرة .. وإذا كانت هذه الفترة الزمنية القصيرة بالنسبة للثقافة التى تشكل عملا تراكميا متصلا ونسقا شاملا مترابطا، لاتفصله السنوات بقدر ما تغذيه وتعمقه .. فإن العام 1998م الذي أدرجت فيه (صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004م) مثل مسلكاً الى واقع عملي جديد يصلح للعمل النافع الذي يخدم الثقافة اليمنية، وجعل الجهات المعنية تصوب جل اهتمامها نحو وضع الخطط والبرامج الواقعية في سباق ماراثوني مع الزمن، بغية الوصول الى انجاح هذه التظاهرة الثقافية، ووضع رؤية تثقيفية للفعاليات والنشاطات التي ستقدم خلال هذه التظاهرة الثقافية العربية، بما يعكس ويبرز حقيقة التراث اليمني في أبهى صوره وروعته وتفرده. وبحسب الخطة الرئيسية لصنعاء عاصمة للثقافة العربية2004 وما تضمنته من تصورات اشتملت على محورين رئيسيين: الأول البنية التحتية وفيه إقامة وإنشاء عدد من المشروعات في مجال المسرح، والموسيقى، والمعمار.. والثاني: النشاط الثقافي والابداعي خلال العام 2004، وفيه احياء وتقديم عروض غنائية، وشعرية، وأمسيات الانشاد، واستضافة مائة شخصية عربية ثقافية وفنية، ومهرجان لرسوم الاطفال.. يحفل برنامج الاحتفال بصنعاء بالعديد من الفعاليات النوعية والموزعة بين الجهات الرسمية والاهلية. وبقدر ما يحفز المشهد الثقافي على قراءة الواقع الثقافي وآفاقه في بلادنا، من خلال فلسفة ورؤية المهتمين والمثقفين، الذين يرون ان المنطق الحقيقي للتطور وإزدهار الثقافة اليمنية يبدأ من عملية خلق البنية التحتية اللازمة والضرورية لعمل ثقافي راق يحرص على إنجازها وتفعيلها ، سواء كانت صنعاء عاصمة الثقافة العربية او ليست كذلك.. بقدر ما تدعو مهرجانات الشعر والغناء والموسيقى والرقص والمسرح والأدب والرواية والقصة، ودعوة مائة شخصية وغيرها من الفعاليات التى تمتد طوال العام الى زيارة اليمن للوقوف على مدلولاتها . يقول الاخ خالد عبد الله الرويشان وزير الثقافة والسياحة ان هذه الفعاليات تهدف للحفاظ على ثروات البلد الثقافية والحضارية.. منوها الى أن أهم ما يملكه البلد هو هذا التراث الضخم من الغناء والموسيقي والإنشاد والمخطوطات والمعمار والآثار والفلكلور والأهازيج والمواويل التي في كل بيت وفي كل قرية. ويؤكد أن من أهم ضمانات اتخذت لنجاح هذه البرامج الخاصة بالنشاط الابداعي والثقافي، تخصيص لجنة تتولى المتابعة والإشراف واتاحة فرصة متابعة الفعاليات لكافة الشرائح الاجتماعية والثقافية.. لافتا إلى ان الفعاليات الجارية استطاعت إيجاد جمهور عريض متنوع الاهتمامات من مسرح وغناء وموسيقى، وقدمت الثقافة اليمنية بالصورة الحقيقية.. فضلا عن مراعاتها لتمثيل مختلف المناطق اليمنية بما تمثله من تنوع فني وثقافي ، وإشراك وإبراز الكوادر الابداعية الشابة في مختلف المجالات وتشجيعها . وكما ان السياسة الثقافية تمثل إحدى أهم المرجعيات التى يقاس بها نهوض العمل الثقافي في نظر المهتمين، فإن الإحتياج لتجديد استراتيجية التنمية الثقافية وإعطائها مناحي جديدة تتفق مع متطلبات العصر وتحولاته المتسارعة، تظل عوامل هامة لتحديد احتياجات العمل الثقافي القادم واتجاهات تطوره.