تعد المراهقة من أهم واخطر المراحل العمرية في حياة الشخص والأسرة والمجتمع، ويترتب عليها نقطة تحول للأفراد ليس على المستوى الجسدي ولكن النفسي والفكري والاجتماعي.. ما جعل مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث " كوتر" يخصص تقريره الثاني -عن تنمية المرأة العربية-لبحث ودراسة بعنوان " الفتاة العربية المراهقة.. الواقع والآفاق".. وأضافت السيدة سكينة بوراوي مديرة "كوتر"، النسبة الكبيرة لمراهقي الوطن العربي الى أسباب اختيارهم لهذا العنوان، حيث أن غالبية سكان المنطقة دون الخامسة والعشرين، حيث ارتفع عدد المراهقين العرب من 23 مليونا عام 1990 الى 31مليونا عام 2000، ويتوقع ارتفاعه الى 35 مليونا عام 2010م. وترى بوراوي انه اذا لم نهتم بالمراهقين فهناك قادمون آخرون–من الخارج- عبر الفضائيات والانترنت مهتمون بهذه الفئة، ويقدمون نموذجا للمراهق الذي يريدونه ويرسمون ملامح حياته من فكر وثقافة وحتى اللبس والأكل.. موجهة نتائج الدراسة لكل الحكومات والمنظمات غير الحكومية لرسم سياسات وتشريعات تتوافق مع نتائجه ومتطلبات المراهقين ومعاناتهم وتطلعاتهم. البحث الميداني الذي اجراه المركز، تم في سبع دول عربية هي البحرين، تونس، الجزائر، لبنان، مصر، المغرب، واليمن، شمل 200 مقابلة شخصية، وفيلما بعنوان "قوس قزح" عبارة عن شهادات لمراهق ومراهقة من الدول السبع. انقسمت الدراسة الى ستة محاور، تناول الأول "الهوية وبناء الذات"، آلية تكوين المراهق لهويته الذاتية ونظرته إلى نفسه، وفيه أظهر المراهقون عدم الاهتمام بالشكل والجمال، وركزوا على الجانب الأخلاقي والسلوكي، كما أعطوا أنفسهم –غالبا- صفات إيجابية. وبينت الدراسة أن المراهق يلجأ لطرق ثلاث لبناء ذاته.. الأولى "الامتثال" وفيه ينخرط المراهق في المجموعة الأسرية ويتبنى معاييرها ورؤاها وأحكامها.. والطريقة الثانية تتمثل في "التمرد" على الكبار ورفض أفكارهم وتصوراتهم وانتقاد سلوكياتهم.. فيما يعمد أصحاب الطريقة الثالثة الى "التوفيق" بين احترام ضوابط الأسرة والمجتمع، مع اسهام ذاتي في تكوين هوية متميزة، ويتجنبون الصدام. وخلصت الدراسة في هذا المحور أن بناء الفرد يرتبط بتوفر الموارد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمراهق وأسرته، وأن المراهقين حاليا ينضجون جسديا وعاطفيا وفكريا بشكل مبكر مقارنة بأقرانهم في السابق، ولكنهم أكثر تبعية لأهلهم ويستقلون في أعمار متأخرة أكثر من ذي قبل. أماالمحور الثاني عن "البلوغ والصحة الإنجابية والحب" فبحث ذكريات البلوغ وكيف استقبلها وتعامل معها المراهق، ونظرته للحب والجنس واختيار الشريك ومواصفاته.. وأظهر البحث قصورا معرفيا في قضابا الجنس والصحة الإنجابية، والخجل أثناء الحديث عنها، وكان مصدرهم للحصول على الثقافة الجنسية الأصدقاء والكتب والمجلات ووسائل الاعلام والانترنت، وفي كثير من الأحيان لم تكن ذا طابع علمي. كما أظهر البحث أن التمييز على أساس الجنس يبرز مع البلوغ، ما يعني أن الأدوار الاجتماعية للنساء والرجال تتكون مع تكون الهوية الجنسية. *المدرسة معبر إلزامي، ومدراء سجانون المحور الثالث حول "العلاقات الأسرية" بين أن المراهقات أشد ارتباطا بأسرهن، ورأى أغلبية المراهقين أن الاهل يقومون بدور الرقيب -غير المرغوب فيه- ويتدخلون في كل كبيرة وصغيرة في حياتهم من اختيار الأصدقاء الى اللبس. واوصت الدراسة بزيادة مساحة الحوار بين الأهل والأبناء، وإلغاء التمييز بين الإناث والذكور، وتطوير علاقات التكامل بين الأسرة وكل من المدرسة وأصدقاء المراهق. فيما أخذ المحور الرابع "المدرسة والعمل" من حيث علاقة المراهق بالمدرسة وتصوره لمستقبله المهني، وتجربة من انخرط منهم في سوق العمل. حيث اعتبر المراهقون المدرسة بمثابة معبر الزامي الى الرشد والعمل والاستقلالية، ولم تكن لأغلبهم مؤسسة جذابة وممتعة الى حد وصف مدير أو مديرة المدرسة بال"سجان"، كما انتقدوا المبالغة في نظام الانضباط واستعمال السلطة في علاقة الادارة والمدرسين بهم.. ورأى المراهقون أن المدرسين فقدوا كفاءتهم العلمية وقدراتهم على صنع علاقات تفاعلية مع الطلاب، وكثيرا منهم لم يجدوا بين مدرسيهم مثلا أعلى. أماالعمل فقد شكل خيارا أساسيا للمراهقين في تصور مستقبلهم الشخصي، ولكنهم لم يعطوه أهمية باعتباره تحقيقا للذات بقدر ارتباطه بلقمة العيش أو الحصول على اعتراف اجتماعي، أو باعتباره مسار طبيعيا للفرد من المنزل الى المدرسة فالعمل. وكشفت الدراسة أن العمل ليس أمرا حتميا بالنسبة للمراهقات، لا بسبب المنع الاجتماعي بل لارتباطه بقدرة الزوج على تأمين متطلبات الحياة من عدمه. في حين بحث المحور الخامس "ثقافة المراهق والسلوكيات" من حيث النظرة الى الجسد والمظهر، والعزلة والصداقة، والاهتمامات والهوايات.. وأوضح ان المراهقين يتقبلون –عموما- شكلهم، وان الذكور لم يحبذوا اطلاق صفة الجمال على أنفسهم في حين كانت القامة الطويلة والجسم الرياضي مطلبهم، وركزت الاناث على النحافة كمقياس للجمال. واختلفت العادات الغذائية بحسب المنطقة، فكان المراهقين في المدن أكثر استهلاكا للوجبات السريعة، فيما لايزال الطعام التقليدي الخيار الوحيد في الريف.. وبالنسبة للباس ظهر تأثير "العولمة" على المراهقين حيث فضل المراهقون –خاصة الفئات الوسطى والثرية- اللباس العصري "المعولم"، في حين التزم اخرون باللباس التقليدي، واعتبره قلة مسألة غير هامة. *الرياضة للأثرياء.. والموسيقى للجميع وارتبطت "الصداقة" لدى المراهقين –خاصة الاناث- بالأخوة والقرابة فالصديقة هي "الاخت او ابنة العم او الخال.."، في حين توسعت دائرة الذكور الى المدرسة والحي الى جانب الاخوة والاقارب.. وكان الاصدقاء هم المجموعة المفضلة للقيام بانشطة عديدة. وأظهر المراهقون تحفظا حيال "الأسرار" وتقاسمها مع الأصدقاء، فهم لا يبوحون بأسرارهم الا للصديق الذي سبق التأكد من عدم افشائه الأسرار. وحول هوايات المراهقين، وجدت الدراسة أن الرياضة ارتبطت بالذكور الأثرياء، في حين كانت الموسيقي الهواية الجامعة لكل المراهقين باختلاف جنسهم وسنهم وبلدانهم ودياناتهم ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي. وبينت الدراسة تقيد الاناث بالمنزل أثناء ممارستهن لهواياتهن مقابل ممارسة الذكور لهواياتهم مع اصدقائهم، ومن الهوايات الأوسع انتشارا مشاهدة التلفاز واستخدام الكمبيوتر، مقارنة بالمطالعة وارتياد السينما. * المرأة مضطهدة.. والبيت وضعها الطبيعي! أما المحور السادس والأخير للبحث فتناول "المواقف والقيم" من الشأن العام والمرأة والادوار الاجتماعية للنساء والرجال، والموقف من الدين والحياة السياسية، وتعريفهم للنجاح والسعادة والمال والهجرة. فرغم أن أغلب المراهقين عبروا عند عدم رضاهم على وضع المرأة في المجتمعات العربية، الا انهم اعتبروه وضعا طبيعيا وعاديا قياسا الى العادات والتقاليد السائدة، وان حصرها في الواجبات الاسرية هو الحالة المثالية لها. اما الحجاب فكان بمثابة تعبير سياسي وثقافي عن الهوية، وخلصت الدراسة الى تأثير الحركات الدينية السياسية والصديقات في ارتدائه. وأظهرت الدراسة أن الدين حاضر وبقوة ويؤدي دورا أساسيا في تحديد المواقف والسلوك لدى الغالبية العظمي من المراهقين، ولم يخرج عن هذه القاعدة الا قلة، ومع ذلك فان الثقافة الدينية بمعناها الواسع كانت ضعيفة.. وان المراهقين لا يميزون بين الأحكام الدينية والعادات الاجتماعية، كما أنهم لا يعرفون شيئا عن الأديان الأخرى. وبينت الدراسة اهتماما ملحوظا للمراهقين بالقضايا السياسية الكبرى وتحديدا فلسطين والعراق وافغانستان واحداث 11سبتمبر، يقابله عدم اهتمام بالعمل السياسي المنظم ونظرة سلبية للأحزاب و الحركات السياسية.. وهاجم المراهقون باختلاف جنسهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الفكرية والدينية والسياسية، السياسة الامريكية المنحازة لاسرائيل، واجمعوا في التعاطف مع الانتفاضة الفلسطينية والشعب العراقي، كما ادانوا الحرب واعتداءات سبتمبر. اما السعادة والنجاح فقد ارتبطت لديهم بالمستقبل، وبدت رغبتهم قوبة للهجرة. سبأنت