وتلك هي واحدة من أهم قواعد نظام حكم بيت حميد الدين المقيتة، حيث اختفى ومات وعانى كثيرون بفعل ما كان يُعرف بنظام الرهائن. إن الحديث عن نظام الرهائن في العهد الإمامي يمكن أن يكون أمراً موحشاً بالفعل، إذ عاش حوالي ربع السكان من الرجال والنساء كرهائن لدى سجانين مجردين من المبادئ الإنسانية. وهذا خطاب وجه للإمام يرسم صورة أدق: "مولانا، أيدكم الله بنصره المبين وشرح صدركم.. فقد وصل إلينا سلطان الأكثف، الذي توفي ولده في المستشفى، وهو يفيد إنه أوصل ابن عمه بدلاًُ عن ولده الرهينة المتوفي". ويعكس نظام الرهائن، بحسب صحيفة الفضول الصادرة من عدن عام 1994، صورة قاتمة في التاريخ اليمني، إذ لجأت حكومة المملكة المتوكلية إلى اعتقال الشباب كرهائن "وتحويل القلاع في صنعاء وحصون شهارة وحجة وتعز والحديدة وزبيد قبور اًلزهرات اليمن تغص بهم حجراتها المظلمة وهم أطفال أبرياء وشباب ناضج وشيوخ أجلاء". فمع ظهور حكم الأئمة، روجت تلك الفئة نفسها باعتبارها محورا هاماً لتجارة الرقيق والعنف المنظم ضد الفرد والمجتمع اليمني الذي تحول في ظل الحكم الإمامي-كما يقول الشيخ الحكيمي_ إلى "شعب بائس منقطع عن الركب الإنساني في شتى ميادين الحياة". يقول أحمد محمد دهمان،وهو أحدالمناضلين الذين قادوا العربات المدرعة في الأيام الأولى للثورة: "لا يعلم هذا الجيل بالأحوال التي كان عليها أسلافه في ظل الحكم الإمامي الذي امتهن أعتى درجات الظلم ومارس سياسة أخذ الرهائن والتعسف في جباية الأموال.. إنه حكم غريب وعدو لمفردات الحرية والارتقاء بمستوى حياة الناس المعيشية". وفي كل الأمكنة، كان هناك إحساس عميق بالظلم ومرارة نظام الرهائن الذي أمعن في تعذيب وتشويه أناس أبرياء على أيدي المأمورين والسفاحين،المعنيين بحماية نظام سقيم وقيادات ضعيفة متوجسة من الثورة.. وهو النظام الذي وصفه الدكتور عبدالعزيز المسعودي بقوله: "إنه لنظام عسكري قاس شديد،بل حكم اشتباه ارتياب.. وقال ايضاً المستشرق هانز هولفريتر في وصفه لنظام الرهائن: "إنه وسيلة من وسائل العنف وطريقة بربرية لمحاولة غرس الطمأنينة والثقة بالدولة والإخلاص للواجب". إن نظام الرهائن، كان نظام أساسي من أنظمة الحكم الإمامي، فحينما يتعلق الأمر بتعيين ممثل جديد لحكومة المملكة المتوكلية، كان على القبيلة أن تقبل مكرهة بتسليم رهائنها فور وصول ممثل الحكومة إلى القرية أو المحل.. وكل هذافي حالة السلم فقط . ويذكر الشيخ علي المنصوري، من محافظة الجوف، نوعاً من الرهائن سُمي برهينة الستر التي تؤخذ من المناطق التي لا يلتزم أبنائها بحجاب المرأة.. وهنا كالرهن الإداري، حيث طلب الإمام يحيى من الشيخ حميد علي باشا عندما عينه عاملاً على ماوية، أن يرهن ولدين من أبنائه أحدهما رهين الطاعة والآخر رهينة وظيفة. وقد أدى تذمر بعض المشائخ في الجنوب من نظام الرهائن، بحسب الباحث أمين الجبر، إلى عرقلة مشاريع الوحدة الوطنية.. فهذا سلطان الحواشب علي بن نافع يفضل احتلال بلاده من قبل الإنجليز على أن يسلم إبنه الوحيد رهينة للإمام. يقول الجبر: "إن من أبرز ملامح الحكم الإمامي غياب مفهوم وحدة التراب اليمني واستعداد التفريط بأجزاء كثيرة من الأرض تحت اعتبارات مختلفة، وفي إ طار الشعار الإمامي الطائفي المعروف (من شهارة إلى سمارة). ويبين الباحث بأن آل قطيب في الضالع رفضوا الدخول في طاعة المملكة المتوكلية،بسبب تعنت الإمام في المطالبة بالرهائن رغم أن عامل المنطقة المعين هناك،كان ملأ السجون بالرهائن. أحد الاسئلة التي أثيرت في ذلك التاريخ، تتعلق بالأسباب التي حدت بالحكم الإمامي إلى التمسك بنظام الرهائن، فكان الجواب أن الحكم الإمامي قام علىأساس الشك والاشتباه والإرتياب، كما أن هذه هي طبيعة الأنظمة الفردية الديكتاتورية،إذ أنه يجب أن لا يعرف الكثيرون بما يدور داخل الغرف المغلقة. التحقيقات الصحفية (سبأ)