فرانك ميرمييه "أكاديمي عشق اليمن". ولد في 4/12/1958. حصل في عام 1988 على شهادة الدكتوراه في الانثربولوجيا من أكاديمية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس عن موضوع "أسواق صنعاء والمجتمع الحضري". وكان حصل قبل ذلك على دبلوم الدراسات المعمقة من نفس الأكاديمية في عام 1983 حول موضوع "التسلسل الاجتماعي في اليمن: دراسة تحليلية عن معاييره ". كما انه حاصل على درجة الأستاذية في اللغة العربية من جامعة السوربون. وعمل منذ 1991 إلى 1997 مديراً للمركز الفرنسي للدراسات اليمنية في صنعاء. وقد عمل في مجالات بحثية كثيرة في معهد العالم العربي بباريس بدأ علاقته الحميمة باليمن كمترجم للبعثة الطبية الفرنسية في تعز من 1979-1981. ومنذ سبتمبر 2002 يعمل باحثا في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط في بيروت. وقد نشر العديد من الكتب من أهمها: -شيخ الليل في صنعاء: تنظيم الأسواق والمجتمع الحضري، صدر بالفرنسية عام 1997. -اليمن، بيبليوغرافيا، صدر عام 1990 بالعربية. وسينشر قريبا كتاب أنثروبولوجيا الجنوب العربي وكتاب النشر في العالم العربي. واشرف على إصدار العديد من الكتب منها: - العولمة ووسائل الاتصال الجديدة في الفضاء العربي، 2003 الذي ترجم إلى العربية في نفس العام. - اليمن المعاصر 1999 وترجم إلى العربية عام 2004. - صنعاء خارج الأسوار: مدينة عربية معاصرة، 1995. كما أسس مجلة حوليات يمانية التي تصدر سنويا عن المركز الفرنسي للدراسات اليمنية بصنعاء منذ 1989. إلى جانب ذلك، يعتبر فرنك ميرمييه مسئول مشارك عن العديد من البرامج الأكاديمية الفرنسية الخاصة بالعالم العربي. وهو عضو هيئة تحرير العديد من المجلات العلمية والأكاديمية والمحكمة وقد نشر عشرات المواضيع عن اليمن منها على سبيل المثال لا الحصر: -"الأجناس البشرية والبنية الاجتماعية للأراضي العليا في اليمن"، نشر في موسوعة الإسلام التي تصدر بالفرنسية والإنجليزية 2003. - "القات في صنعاء"، 2001 في كتاب (اليمن: من درب إلى آخر) صدر عام 2001 بالفرنسية - "عدن: مرسى الخيال" في كتاب اليمن من درب إلى آخر. - "اليمن" في بلدان العالم وجبالها 2001 - "صنعاء : القبيلة والمدينة" مجلة المستقبل، بيروت مارس 2000 - "صنعاء في مرآة القات" المستقبل بيروت ديسمبر 2000 - "اليمن : موروث تاريخ مبعثر"، كتاب اليمن المعاصر، 1999. - "التجربة الديمقراطية في اليمن"، مجلة لوموند ديبلوماتيك-العالم الدبلوماسي، أبريل 1997. - "الإسلام السياسي في اليمن: التقليد ضد التقاليد؟" في كتاب (اليمن : الدولة أمام الديمقراطية)، 1997. - "زيارة قبر هود"، في حضرموت الوادي الملهم، 1997. - "المقيل في الأحياء الصنعانية-المدينة والسلطة والمجتمع"، مجلة مشرق ومغرب، مارس 1994. - الوظائف الأسطورية لصنعاءوعدن"، مجلة العالم الإسلامي، يناير 1993. *** يزور فرنك ميرمييه اليمن حالياوهي الفرصة التي نجري معه فيها الحوار التالي: - تعود سيد ميرمييه إلى اليمن في زيارة سريعة كيف تجدها بعد غياب سبع سنوات ونصف عن اخر مرة كنت فيها ؟ بصراحة لي 7 سنوات و5 أشهر لم أزر اليمن وحين عدت الآن وجدت صنعاء تغيرت كثيراً، خصوصاً على المستوى المدني من خلال الأعمال التي نفذت مثل الجسور وترميم بعض الشوارع وترميم صنعاء القديمة، بل أن التغيير على مستوى اللوحات المعلقة أعلى المحلات التجارية، وكذا انتشار مقاهي الانترنت وكل وسائل الاتصال، وهذا يدل أن الشعب اليمني جاد في الابتعاد عن ما يشاع عن عزلته ، وما لفت انتباهي بشكل كبير التوسع العمراني الهائل في صنعاء، وهذه الأشياء لها دلالتها في أن اليمن يتطور بسرعة كبيرة. - على المستوى السياسي والديمقراطي، كيف ترى اليمن المعاصر؟ أشرفت على كتابة ونشر كتاب اسمه اليمن المعاصر صدر عام 1996، هذا الكتاب مكتوب من قبل 21 باحث فرنسيين وألمان ويمنيين أيضاً. والآن يترجم إلى اللغة العربية وسينشر قريباً إن شاء الله. من عام 1997 إلى 2005 لم أتابع التغييرات التي حدثت مثلما كنت أتابعها بدقة في الماضي، لكن ما يزال اليمن يتميز بالمسيرة الديمقراطية، وهذا يلاحظ في انتشار الصحف المحلية، في نفس الوقت كل مسيرة ديمقراطية تلاقي صعوبات وقدكتبت هذا في كتاب اليمن المعاصر الذي يمتاز بالديموقراطية في بيئته العربية وخصوصا الجزيرة العربية إذ توجد في اليمن حيوية اجتماعية ويتجسد هذا في التعددية السياسية وانتشار الجمعيات وهذا دليل لديمومة المسيرة الديمقراطية. - تكلمت عن الصحف ومقاهي الانترنت الموجودة الآن في صنعاء، كيف ترى وسائل الاتصال والإعلام اليمنية في إطار عولمة وسائل الاتصال؟ قلت في البداية أن من الملاحظ في صنعاء انتشارمقاهي الانترنت واستعمال التلفون السيار في نفس الوقت التعددية الفضائية التي نلاحظها الآن تسمح للجمهور اليمني لتوسيع نطاقه للأخبار مثل كل الجمهور العربي وفي نفس الوقت هذا يربط كثيراً اليمن بالبلدان العربية الأخرى لأن أكثر الناس في العالم العربي لا يتفرجون للفضائيات الأجنبية لكن يتفرجوا للفضائيات العربية فممكن نقول ونفترض أنه توجد الآن عروبة جديدة هي عروبة الجمهور عروبة ناتجة من الجمهور.. لماذا!! لأن العروبة السياسية فقدت في الوقت الراهن قليلا من نفوذها كأيديولوجيا سياسية. وفي نفس الوقت توجد قومية أخرى جديدة هي عروبة جديدة منبثقة من المشاركة في نفس فضاء الفضائيات العربية.. فضاء البرامج المشتركة حيث من المحيط إلى الخليج كثير من العرب يتفرجوا إلى نفس الفضائيات ويشاركوا في نفس حساسيات الحياة السياسية أو فضاء التأثير والتأثر، فهذا شيء جديد. وهنالك شيء آخر ممكن إضافته إلى هذا وهو تغيرات الانترنت وهي مهمة جدا، لأنه وخصوصا في اليمن لا توجد قيود على الانترنت كما نراه في بلدان عربية أخرى، فهذه الحرية بالنسبة للانترنت تسمح للناس بتوسيع أفق المعرفة بل وتسمح للشباب بتكوين ثقافة أخرى جديدة مختلفة عن ثقافات الجيل السابق.. ثقافة منفتحة على العالم وعلى الاخر . والآن يوجد في اليمن حالياً موقع سبأ نت والمؤتمر نت والصحوة نت وسبتمبر نت وغيرها من المواقع تؤيد انتقل النقاش السياسي إلى حد ما إلى الانترنت. .يمكن نقول أن وسائل الاتصال الجديدة مثل الانترنت والفضائيات خلقت في العالم العربي فضاء عام جديد ولا سيما في المجال السياسي حيث يوجد نقاش وتبادل الآراء وإذا لم يكن هنالك تبادل للآراء يوجد على الأقل معرفة بأراء الآخرين وهذا يضمن الصيرورة الديمقراطية التي نراها الآن تنتشر بشكل كبير في العالم العربي. - في ظل انتشار هذه الفضاءات الجديدة وُجد توجه حكومي في إيجاد صحف محلية وإذاعات محلية في كل محافظة من محافظات الجمهورية وذلك في إطار اللامركزية. فهل يدعم هذا تأكيد الهوية الوطنية المحلية؟ كل ما يدعم اللامركزية شيء إيجابي، لماذا؟ أولاً هذا يعبر عن الثقة بالنفس حيث أن الوحدة الآن تمت ولا يمكن أن تتراجع الوحدة قائمة إلى الأبد وهذا يعبر عن الثقة بالنفس من قبل الحكومة والنظام السياسي. ثانياً يعبر عن الإحساس والوعي بأن المواطن يحتاج إلى تعزيز صلته بأرضه وبيئته لأنه كيف للمرء أن يمارس الديمقراطية إذا هو غير معني ببيئته بالمكان الذي يعيش فيه فممكن القول أن هذه اللامركزية بالنسبة للصحف والإذاعات المحلية يمكن أن تعزز المسيرة الديمقراطية لأنها تعزز علاقة المواطن بالبيئة، وفي نفس الوقت يستطيع المواطن أن يعبر عن مشاكله المحلية في هذه الصحف والإذاعات المحلية. وأرى أن هذه المرحلة مهمة وإيجابية جدا خصوصا أن الجمعيات التي ذكرتها من قبل هي أيضاً جمعيات تعني بتطوير المناطق والمحافظات المختلفة للجمهورية اليمنية فهذه الوسائل مثلها مثل الجمعيات تعبر عن وعي المواطن بتطوير بيئته وفي نفس الوقت أنه ينعكس على المستوى الوطني لتعزيز الانتماء للوطن. وبرأيي ليس للإذاعات والصحف المحلية أي تأثير سلبي على الهوية الوطنية كما يقول البعض. الآن كل محافظة يستمعون للإذاعة المحلية ويشاهدوا الفضائيات التي تعني بشئونهم وشؤن غيرهم . ممكن تتضارب الهويات بين محلية ووطنية وقومية عربية لكن هذا لا يؤثر كثيرا على الهوية الوطنية، لأن الهوية اليمنية ثابتة منذ تاريخ قديم جدا وترسخت بعد تحقيق الوحدة. وأنا فرنسي قادم من بلد كان يمتاز بالمركزية الشديدة ولاحظنا في فرنسا أن اللامركزية قربت المواطنين أكثر من الدولة من خلال انتخابهم لمن يمثلهم لدى الإدارة السياسية. - هل تتفق في تحليلك مع نظرية عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو حول وسائل الإعلام وصناعة رأي الجماهير؟ ساهم عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو كثيرا في نقد وسائل الاتصال وخصوصا التلفزيون. وقد انتقد التلفزيون خصوصاً في كتاب أفرده لهذا الأمر حيث انتقد عدم الحرية في التلفزيون بشكل عام. إذ اعتبر أن التلفزيون يمثل نظام خاص وله قواعده الخاصة التي تُفرض على الجمهور. وأنه لا مناص من الخضوع القواعد عند متابعته. مثلاً حين تتابع برنامج ما، حتى ولو كنت تتكلم في البرنامج فأنت مربوط بوقت وقد يقطع المذيع كلامك بعد دقيقة. ثانيا التلفزيون هدفه هو أن يعرض برامج للاستقطاب.. وحتى البرامج الثقافية في التلفزيون لا تهدف إلى توزيع المعرفة بل توجيه الرأي من خلال خلق ثقافة نوعية. وهذا اكثر شيء موجود في التلفزيون الغربي. وأنا اتفق كثيراً مع بورديو لكن أنا لا اتفق معه في بعض الأشياء. مثلا هو رفض قطعيا إدخال التلفزيون إلى بيته. ومرة واحدة أجرى معه أحد التلفزيونات مقابلة فقطع بورديو المقابلة وانتقد الصحفي الذي قابله وقال انه خانه. والواقع أنه أصاب في تمثيله للتلفزيون بنظام شمولي. حيث يتغلغل بالمكان الخاص ويجلب إلى المكان الخاص هموم غير موجودة فيه. ويختار من المكان العام اشياء ليست بالضرورة مقبولة في مكان خاص. إنه يفرض عليك ما يختاره هو لا ما تختاره أنت. مع التلفزيون الآن في العالم العربي مثلا لا ندرك حجم كل هذه الصور التي تُروج بكثرة بدون أن يستوعب العقل هذه السرعة.. فأنا اعتقد أن التلفزيون إذا لم نتحكم في استعماله ممكن يكون خطير جدا. هناك اختلاف بين الواقع والخيال التلفزيوني، بين الواقع وما يختاره التلفزيون من لقطات سريعة ليقدمها على أنها الواقع. لان الذي يبثه التلفزيون ليس واقع ولكنه لقطات مختارة. هو فكر وهذا الفكر ليس بيد المشاهد . ويروج التلفزيون أنه رأي ورأي آخر والواقع غير ذلك. التلفزيون فكر موجه منذ لحظة اختيار الموضوع ومن يتحدث فيه وما يثير وعما يتغاضى. يقول بعض المستشرقين أن العالم العربي يعاني من مشكلة هوية.. يعيش على ذكرى الأبطال والرموز مثل صلاح الدين وأن العرب يبحثون منذ فترة عن بطل هناك من يقول أن العالم العربي يبحث في الوقت الحالي عن الرمز لكنه لا يجد البطل. فهل ترون أن العالم العربي فعلاً يحتاج ويبحث عن الرمز؟ لا بد لكل مجتمع أن يعيش على أساطير ويخلق أساطيره مثلا نحن في فرنسا خلقنا أسطورة أسرة الغاليين الذين كانوا في وقت الرومان يدافعون عن فرنسا ولدينا شخصيات بطولية مثل جان دارك.. فكل بلد طبعا له أساطيره ويحتاج إلى رموز. العالم العربي لديه الكثير من الرموز، في نفس الوقت ممكن القول أن العالم العربي حالياً يحتاج إلى أشياء أخرى، ممكن يحتاج إلى النقد الذاتي وأيضاً الشك لأنهما ممكن يكونا محرك للتاريخ. يعني عندما دائما يفكر الشخص أنه هو الذي يقول الكلام الحق وأنه يعتمد على يقين لا شك دون أي نقد ذاتي فهذا كلام يسبب خطورة، فالبحث عن الجديد والبحث عن المستقبل يبدأ من النقد الذاتي. وأنا افتكر أن العالم العربي يحتاج إلى النقد الذاتي. وعلى كل حال التعددية التي نراها الآن كرسالة سياسية هي رمز الديمقراطية التعددية. أي إمكانية وجود الرأي والرأي الآخر. وهذه الديمقراطية ممكن نعتبرها تعددية مواتية لضرورة إعادة كتابة التاريخ. لأن التعددية موجودة في التاريخ. وليس من الصواب أنه عندما نكتب التاريخ دائما تنسى الكثير من الجوانب التي تزعج مثلا النظام الحكام في فترة معينة إلى آخره. فأنا أرى أن إعادة كتابة التاريخ خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار كل الجوانب السلبية والإيجابية في التاريخ فهذا يبني مستقبل آمن. فلا بد من الذاكرة لكن هذه الذاكرة يجب ان تبنى على أسس صالحة فالنصوص الصحيحة تكون طبعا موضوعية الحقائق وهذا شيء ضروري جداً. نحن في فرنسا اعترفنا بوجود فترات غير مشرفة لكنها حقيقة تاريخية موجودة ولا يصح إنكارها مثلا لدينا حكومة فيشي والفترة الاستعمارية. وتعدد الآراء في كتابة التاريخ ممكن أن يمر أيضاً عبر تعدد وسائل الإعلام. - ما هي مشاريعك المستقبلية بشكل عام وعن اليمن بشكل خاص؟ أشرفت حاليا على الانتهاء من كتابة كتاب عن النشر في العالم العربي وهو يتناول من خلال التحقيق الميداني في عدة دول عربية موضوع الكتاب في العالم العربي وهذا الكتاب سينشر في هذا العام إن شاء الله. أيضاً أشرف حالياً على كتابة كتاب جماعي عن اليمن لمجموعة من الباحثين يتناولون تاريخ المدن في اليمن قبل وبعد الإسلام. فالمدن هي الشبكة الحضرية فكيف كانت هذه الشبكة قبل الإسلام ثم كيف صارت بعد الإسلام. أيضاً يتناول الكتاب مفهوم المدينة في كل مرحلة مثلا قبل الإسلام ومفهوم المدينة عند الهمداني وفي الفترة الرسولية وغيرها. أيضاً أنا على وشك الانتهاء من كتابة كتاب آخر عن اليمن يتناول عدة مواضيع جمعتها حين كنت فيها خلال الثمانينات والتسعينات، وهو يتناول مواضيع مختلفة مثلا عن عدن ومكانة عدن في الأسطورة العربية وعن قراءة الأجانب الذين كتبوا عن عدن، وكذا التغييرات التي حصلت منذ الوحدة في المجتمع وفي النظام السياسي. - وماذا عن كتاب "صنعاء خارج الأسوار" ؟ صنعاء خارج الأسوار كتاب جماعي أشرفت على نشره بالفرنسية عام 1995 وهو لم يترجم. حقيقة كنا فكرنا بعمل كتاب ليس عن صنعاء القديمة لأنه كانت توجد الكثير من الكتب عن صنعاء القديمة لكننا اخترنا موضوع عن التوسع العمراني لصنعاء خارج أسوارها. وتناولنا مثلا الأماكن التجارية الجديدة الموجودة خارج السور وتناولت شخصياً موضوع أمانة العاصمة والتمدين التقليدي لمدينة صنعاء مع عقال الحارات إلى أخره. وتناولت موضوع جغرافية صنعاء وتوسعها العمراني... الخ. الكتاب مهم وشارك فيه العديد من الباحثين والكتاب، وهو فعلا فريد من نوعه. ومن المفيد التعمق في مواضيعه الآن لأن المدينة توسعت أكثر ونحتاج بالتالي إلى التوسع اكثر في ما كتبنا لنواكب تطور المدينة. - وعن ماذا يتحدث كتابك الشهير المعنون ب"شيخ الليل"؟ شيخ الليل يتحدث عن السوق في صنعاء، عن المجتمع الحضري في صنعاء القديمة. أيضا يتناول عملية تنظيم الأسواق من خلال العقال وشيخ الليل وشيخ المشائخ، وأيضا عن الناس كيف يعيشون ويشتغلون في هذه الاسواق. وأنا بصدد توسيع كتاباتي عن هذا السوق وأكتب حالياً كتاب بعنوان حوليات يمانية عن التغييرات التي حصلت منذ الستينات إلى الآن في هذا السوق وما هي مكانة السوق في المدينة اقتصاديا بل ورمزيا واجتماعيا حيث يبدأ السوق من باب المدينة باب اليمن، التي تمثل بوابة داخلية للمدينة، وتمثل نقطة التقاء الريف والمدينة. وهذا كان وارد في الماضي اكثر من الآن لأن المدينة توسعت في الوقت الراهن لكن لا تزال السوق تعبر كثيرا عن المدينة حيث تتوفر السلع المتعلقة للقيام بالطقوس الاجتماعية مثلا توجد سوق المعطارة حيث تشترى كل المواد للولادة والدفن والختان إلى آخره و توجد في السوق شبكة من الأسواق كسوق الزبيب والبن والقشر والحنطة والمعطارة وغيرها خصوصا المواد التي تستخدم في الطقوس الاجتماعية المهمة في اليمن، وكل هذا مجمع في مكان واحد هو السوق. الذي يعتبر مكانا مهما جدا في تسويق المنتجات المحلية للريفيين وخصوصا الزراعية مثل الزبيب واللوز والبن والقشر والمحاصيل والخضروات بل وحتى المصوغات والصناعات التقليدية وغيرها. هذا الكتاب سيصدر قريباً ليكمل ما تناولته في كتاب شيخ الليل الذي صدر في 1997. وبالمناسبة تمت ترجمة كتاب شيخ الليل إلى اللغة العربية وستنشره إن شاء الله دار قدموس بسوريا عام 2005. وأتمنى أن يترجم أيضاً كتابي الأخير من الفرنسية إلى العربية. - صنعاء ..لو تحدثنا عن صنعاءالمدينة، هل تمثل صنعاء رمزا للمدينة العربية؟ أرى أن هنالك مدن عربية وليس مدينة عربية. لا شك توجد صفات مشتركة بين كل المدن العربية مثل وجود السوق وخانات السكن - السماسر في صنعاء - ووجود الجامع الكبير بداخل السوق ووجود السور والقلعة والحمامات ووجود حارات مغلقة على نفسها بدون وظيفة وإلى أخره. يعني في بعض الصفات طبعا التي تجمع المدن العربية. لكن هل نتكلم عن مدينة عربية أو مدن عربية؟ أنا افضل أن نتكلم عن المدن العربية. ذلك أن هنالك صفات مشتركة ومفاهيم مختلفة بين صنعاءوعدن التي هي في الداخل بين الإسكندرية والقاهرة. فهناك صفات وخصوصيات لكل مدينة عربية. هذه الخصوصيات تنبثق من التكوين الاجتماعي لكل مدينة، حيث نرى مثلا في الشرق في بيروت وفي دمشق وجود تقاليد مختلفة داخل المدينة مثل وجود الكنائس والجوامع وهذا يمنحها طابع خاص. توجد أشياء أخرى ناتجة عن علاقة المدينة ببيئاتها الخاصة، مثلا عندما نرى ان صنعاء لها علاقة خاصة مع ما نسميه من قبل "المخارف" وهي سلسلة من القرى التي تحيط بصنعاء مثل الروضة ووادي ظهر وغيرها والتي كانت تمثل من قبل منتجع ومسكن الخريف للكثير من سكان صنعاء. فهذه العلاقة بين الريف والمدينة خاصة بصنعاء وليست موجودة نفس العلاقة بين مكة وبيئتها المحيطة. لذلك من الصعب أن نتكلم عن مدينة عربية ولكن مدن عربية. - كتبت عن التجربة الديمقراطية في اليمن، وأن اليمن هي الجمهورية الديمقراطية الوحيدة في محيطها الإقليمي إلي أي حد يميز ذلك اليمن ؟ البلدان العربية من الخليج إلى البحر تعيش في مجتمع سكاني متشابك. ولا ننسى وجود كثير من اليمنيين مهاجرين في عدد من الأقطار العربية الم تكن جميعها ولا تنسى أيضا أن الصحافة اليومية في الوطن العربي تبث أخبار عن البلدان المجاورة وبلا شك تتكلم عن الديمقراطية اليمنية ولهذا تأثير غير مباشر طبعا لان وجود نظام ديمقراطي في بلدما بحد ذاته هو تأثير لانه يبرهن على أن هنالك نموذج آخر يمكن أن يوجد في بلد عربي أو مسلم. وهذه ليست تأثير غربي بل تأثير داخلي كتجربة يمكن الرجوع إليها. . اليمن مصدر افتخار الكثير من العرب.. وأتذكر قبل سنتين حيث كنت في المغرب في الرباط وألقيت محاضرة عن اليمن وفي نهاية المحاضرة جاء معظم الحاضرين من المغرب العربي ومن الرباط جاءوا في آخر المحاضرة ليقولوا لي هل تعرف أننا المغاربة منحدرين من اليمن، وكانوا يفتخرون بهذا الشيء وكأن اليمن يمثل عروبة أصيلة وكل الذين يأتون من الجنوب هم أكثر عروبة من الآخرين، والكثير من الناس في لبنان وسوريا حتى المسيحيين يقولون انهم ينحدرون من اليمن لكي يؤكدوا على عروبتهم. على كل حال الكثير من العرب يفتخرون باليمن وبتجربته الديموقراطيه التي تؤكد على سرعه الحراك الاجتماعي والسياسي في هذا البلد الذي يحاول البعض تصويره بالبلد المتخلف للتقليل من تجربته المتميزه رغم ضروفه الصعبه. - بعين الباحث كيف ترى الدراسات التي تُجرى عن اليمن؟ جيل جديد من اليمنيين منذ التسعينات بدأ بدراسات عن اليمن وهي شيء يجب تشجيعه. إذ لا يزال اليمن غير معروف في كثير من الجوانب مثلا لا ننسى أن الكشف في مجال الآثار في اليمن بدأ منذ السبعينات فقط. وما زالت العديد من أوجه الحضارة اليمنية تحتاج للدراسات. فضلاً عن مجال الدراسات في اليمن خصب وممتع سواء في العلوم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الآثار. لا تزال اليمن تحتاج للكثير من الدراسات وأنا أشجع الكثير من الطلاب والباحثين اليمنيين لكي ينتجوا بحوث ميدانية. وأدعوهم لتوثيق التراث الشفهي اليمني الذي بدأ يندثر الآن بسبب وسائل الاتصال الجديدة. فلا بد من حملة كبيرة لكي نوثق التراث الشفاهي والتراث الأدبي لكل مناطق اليمن لأنها تمثل كنوز أدبية وكنوز اجتماعية ممكن تندثر بسرعة. - كلمة أخيرة... أنا وصلت إلى اليمن من 83 – 86 م لكي أقوم بتحضير رسالة الدكتوراه ببحث ميداني في صنعاء القديمة التي رحبت بي، وأنا أريد الآن بعد عشرين سنة أن أشكر كل الأصدقاء الذين ضيفوني وأجابوا على أسئلتي المتكررة وساعدوني في دراستي، فبدون لطفهم كان من الصعب أن أقوم بكتابة رسالة الدكتوراه، وبدونهم لم أكن لأتمكن من كتابة هذا الكتاب الأخير الذي يعتبر دراسة عن صنعاء والمجتمع اليمني. فأريد أن اشكرهم جزيل الشكر لأنهم هم أصحاب الفضل في كل ما كتبت. فأنا وحدي لا يمكن أن اعمل شيء بدون مشاركة ومساهمة هؤلاء الناس الذين فهموا أهمية البحث وفهموا أيضا أهمية توثيق هذا التراث الذي يندثر بسرعة دون أن نشعر.