يصادف يوم غد الأربعاء الذكرى الرابعة والعشرين لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في الخامس والعشرين من مايو 1981 في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ليضم دول الخليج الست السعودية والإمارات وسلطنة عمان والبحرين وقطر . ومنذ قيام مجلس التعاون الخليجي في بداية الثمانينات من القرن الماضي كان الاقتصاد هو العامل الرئيسي لتسريع تطوير دول المجلس وهو الأطروحة التي كانت ولازالت تستوجب بعض التضحيات الآنية في سبيل مكاسب أكبر وأعظم على المدى المتوسط والبعيد إلا أنها لم تؤخذ بالجدية التي تستحقها وحتى المجلس الاستشاري الذي بدأ العمل به منذ سنوات ساهم في بلورة بعض تلك الأطروحات .. لكن ظلت تتحكم بالقضايا الاقتصادية رؤيتان الأولى تسير باتجاه الانطلاق بعيدا للتنسيق مع تكتلات ودول بعيدة عن دول المجلس من خلال مجلس التعاون والثانية تنحو باتجاه مفاده ان كل دولة من دول المجلس قادرة على تخطي العقبات التي تواجهها بسبب وفرة نسبية ومؤقتة من الريع النفطي . وخلال أربعة وعشرون عاما قطع مجلس التعاون الخليجي شوطا لا يمكن تجاهله في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأنجز العديد من الاتفاقيات في هذه الجوانب وساهم المجلس بكثير من الحلول على المدى القصير و في المدى الطويل لتثبيت الاستقرار الإقليمي و تذليل العوائق القانونية والبيروقراطية أمام بعض صعوبات التعاون الاقتصادي في الخليج وتمت في معظمها ليس بسبب قناعة إقليمية ومبادرة سياسية ولكن بسبب ضغط العولمة الخارجية ومتطلبات الداخل الخليجي وخاصة في السنوات العشر الأخيرة التي فرضت تطويع القوانين الاقتصادية لتتلاءم مع متطلبات العصر والسوق الدولية المفتوحة . وقد آن الأوان اليوم أن تتخذ حزمة إجراءات اقتصادية وسياسية تكاملية لينساب رأس المال المادي والبشري في منطقة شبه الجزيرة والخليج والبدء بتعزيز الأقلمة أولا من اجل الانطلاق إلى العولمة بدلا من تكريس اتفاقيات مع تكتلات سياسية واقتصادية بعيدة عن المنطقة مثل جنوب شرق أسيا والصين وأمريكا اللاتينية وشبه القارة الهندية والاتحاد الأوروبي لان مدخل الأقلمة هو الطريق الصحيح للانطلاق إلى العولمة وهذا يستدعي من قادة دول مجلس التعاون النظر إلى متطلبات التنمية الإقليمية ومصالح دول شبة الجزيرة و الخليج وفي مقدمتها الجمهورية اليمنية والعراق وربما إيران لكي تصبح لشعوب شبه الجزيرة والخليج مصلحة حقيقية في هذا المجلس التعاوني و لكي تتحقق التنمية الاقتصادية والمتوازنة بين دول المنطقة وشعوبها ويعم الأمن والاستقرار منطقة شبه الجزيرة والخليج وبيت القصيد هنا انه لا استقرار ولا تنمية في منطقة شبه الجزيرة والخليج التي تضم دول مجلس التعاون الست بالإضافة إلى الجمهورية اليمنية والعراق وإيران دون استقرار اقتصادي وتشغيل شبه كامل لليد العاملة في هذه المنطقة وكذلك اقتراح دول تحظى بالرعاية والتوجه نحو ضخ رؤوس الأموال للاستثمار فيها من اجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي وبالتالي الاستقرار الأمني في المنطقة برمتها . فالمتغيرات سريعة وجارفة فالعراق القريب من مجلس التعاون له من المشكلات الحالية والقادمة أكثر مما كان له في الماضي وتكاد ساحة العراق أن تنبئ بالكثير من التوقعات السلبية وهي جميعا لها مصبات واحدة منها وأكثرها إغراء هي دول الخليج وقد لا يكون الوضع في إيران مشوبا بمخاطر مباشرة إلا أن الغليان الداخلي هناك والصراع الخارجي مع الغرب خاصة حول التسلح النووي يثير من القلق ما يتوجب الوقوف أمامه وفحصه وتحديد سياسات متقاربة تجاهه عن طريق المساعدة في تبريد الموقف الغربي تجاه إيران . اما ما يتعلق باليمن فان وجودها خارج منظومة دول مجلس التعاون الخليجي يعد أمرا غير طبيعي ولا يتفق مع الحقائق الجغرافية والتاريخية والاجتماعية التي تجمع بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي الست وجاء قرار القمة الخليجية عام 2000م في مسقط عن قبول اليمن في بعض مؤسسات مجلس التعاون -غير السياسية وغير الاقتصادية- كخطوة أولى لابد ان تتبعه خطوات على طريق الشراكة الكاملة . ويمكن القول بأن عوامل عديدة كانت تجعل من استبعاد اليمن في السابق من عضوية المجلس أمرًا مقبولا إلى حد ما ولو بصورة مؤقتة منها ان اليمن عند قيام مجلس التعاون الخليجي كان مشطورًا إلى شطرين وكان ذلك يوفر فرصة للخليجيين للاعتذار عن قبول صنعاء دون عدن التي لم يكن ليخطر ببالها التفكير في طلب الانضمام في ظل الحرب البادرة بالإضافة إلى ان من العوائق التي كانت تضع حواجز حقيقية دون انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية. لكن بقيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م وتوقيع معاهدة الحدود الدولية بين البلدين في يونيو 2000م زالت ما يعرف بالعوائق لدى دول مجلس التعاون الخليجي حول انضمام اليمن . وكانت الجمهورية اليمنية قد أعلنت صراحة منذ عام 1996م رغبتها في الانضمام لمجلس التعاون الخليجي لكن ذلك الطلب قوبل بالاعتذار الا ان قمة مجلس التعاون الخليجي ال22 بمسقط عام 2001 م أقرت انضمام اليمن إلى أربع هيئات خليجية هي مكتب التربية العربي لدول الخليج ومجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية إضافة إلى دورة كاس الخليج العربي لكرة القدم كما شكلت الأمانة العامة لمجلس التعاون مع الهيئات اليمنية المختلفة مجموعة العمل المشترك بين دول المجلس واليمن في أكتوبر عام 2002م لبحث سبل ملائمة التشريعات الاقتصادية وعقدت مجموعة العمل هذه ثلاثة اجتماعات لها في كل من صنعاء والرياض . ويرى خبراء اقتصاديون ان هناك ايجابيات كثيرة سيحققها مجلس التعاون الخليجي من انضمام الجمهورية اليمنية الى المجلس ومن اهمها السوق اليمنية الواسعة المقبلة على المنتجات الخليجية خاصة وان المنتجات السعودية ومعها الإماراتية والعمانية إلى حد ما صارت من أهم الواردات إلى اليمن ولا شك أن اندماج اليمن في النظام الاقتصادي الخليجي سيكون مفيدًا للطرفين في كل الأحوال وتؤكد تقارير رسمية يمنية ان دول مجلس التعاون الخليجي تعد الشريك التجاري الأول لليمن حيث تشكل صادراتها إلى السوق اليمنية نحو 36 في المائة من وارداتها إلى جانب ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الجانبين بنسبة 100 في المائة .. كما أوضحت التقارير ان حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول الخليج ارتفع خلال العام الماضي إلى ما يقارب الملياري دولار ووفقا للتقارير فان النمو لم يكن ناتجا عن الزيادة في تجارة السلع ذات المنشأ الخليجي فقط بل أيضا إلى ازدهار تجارة السلع الأجنبية التي يعاد تصديرها إلى اليمن ومعظمها ذات المنشأ الخارجي كسيارات النقل والآلات والأجهزة الكهربائية والالكترونية والمشتقات النفطية وطبقا للإحصائيات الرسمية فقد احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى في دول الخليج المصدرة لهذه السلع لليمن وارتفعت صادرات اليمن إلى دول الخليج خلال الأعوام الماضية لتصل إلى 12 في المائة من إجمالي صادراتها السنوية حيث تستهلك السوق السعودية معظم صادرات اليمن من الأسماك والمنتجات الزراعية بقيمة إجمالية بلغت العام الماضي أكثر من300 مليون دولار ويؤكد خبراء اقتصاديون ان نمو حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول الخليج لا يعكس حجم الفرص التي توفرها أسواق المنطقة خاصة وان التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون واليمن يميل لمصلحة الخليجيين الذين يصدرون ما قيمته 600 مليون دولار سنويا، في حين لا يصدر اليمنيون لدول المجلس سوى 100 مليون دولار تقريبا، إلا ان انضمام اليمن إلى بعض هيئات ومؤسسات مجلس التعاون الخليجي يفتح مجالات أوسع لتعزيز التبادل التجاري الاستثماري بين الجانبين . وهكذا فان كل العوامل الجغرافية والسياسية والأمنية تؤكد ان التقارب بين اليمن ودول الخليج لا تحكمه الظروف والمستجدات الوقتية أو العابرة بل هو أمر حتمي تفرضه الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد وفوق كل هذا الاندماج الإنساني بين أبناء دول الخليج واليمن كما ان المستجدات العالمية والإقليمية الاقتصادية والأمنية تقوي حتمية التقارب والتنسيق فاليمن بلا شك يتأثر بما يجري في أي دولة خليجية سلباً أو إيجابا والعكس أيضاً صحيح وهي أمور تستدعي التفكير بجدية في منظومة اقتصادية امنية متكاملة لكل أبناء منطقة شبه الجزيرة والخليج .