ليس من الطبيعي في نظام جمهوري أن يحكم رئيس ثلاثين أو أربعين عاماً، ويستخلف أحد أبنائه ليحكم أربعين أو ثلاثين سنة أخرى!!. .. ومع ذلك، فإنني اشفق للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لا للمشهد الذي ظهر به على شاشة التلفزيون، وإنما لأن الرجل لم ينم على ريش النعام طيلة ثلاثين عاماً. فهو: -أعاد الاستقرار لليمن بعد انقلابات واغتيالات لا حصر لها. -وهو الذي سعى سعياً غير قليل من أجل وحدة شمال اليمن وجنوبه!. -وهو الذي حارب بكل قسوة خروج مجموعات مسلحة على الدولة لإعادة فصل الجنوب، وخلق حالة انفصال قد لا تقف عند الشمال والجنوب فقط!!. -وهو الذي نجح، ولو نسبياً، في إقامة نظام حزبي في مجتمع قبلي، ونظام نيابي في بلد تمزقه الأهواء والولاءات. إنّ رؤية صبايا وأولاد يهتفون في مواجهة الرئيس: إرحل.. إرحل مع إعلانه أنه راحل، ومع قبوله بمبدأ انتقال السلطة ضمن احترام الدستور، وما قد ينتج عن بقائه دون سلطة لمدة أشهر قليلة، لا تحمل أي احترام لأي مبدأ من مبادئ الديمقراطية، السليمة أو العرجاء، فهذا الغضب لا علاقة له بنظام قمعي مفترض.. لأنه غضب جيل ما يزال في مدارس أو جامعات لم تكن موجودة لو بقي النظام رهين الانقلابات العسكرية، أو حبيس حكم الأئمة الزيديين... وقد لا يخفى على أحد هذا النمط من المعارضة باسم الديمقراطية لبقايا النظام الماركسي في الجنوب، ومذابحه الداخلية المعروفة، فأكثر الناس حماسا هذه الأيام هم أهل أحزاب ماركسية وانقلابية وعسكرية.. لم تؤمن يوماً بالديمقراطية الغربية التي كانت تعتبرها دائماً مؤامرة على الشعب، وتمكين الرأسمالية في حياة الأمة!!. لا أحد يدافع هنا عن علي صالح، فنحن نعرف أخطاءه وخطاياه، ولكن هذا الغضب وهذا الهياج لم يقدم بديلاً.. فخلال أشهر الاعتصامات والمظاهرات وصلت انتاجية اليمنيين إلى الصفر، وصار البلد بلا كهرباء ولا ماء ولا رواتب. وأقرب ما يكون إلى المجتمع المفلس الجائع، وفوق هذا وذاك، فإن الثورة لم تحقق التغيير، وبقي الحكم مسيطراً على الجيش والأمن وخزينة الدولة!!. في مصر عاد رواد ساحة التحرير إلى مواقعهم فالنظام الآن هو الجيش، ولا معنى لهتاف: الشعب يريد اسقاط النظام!!. ثم أن الاخوان المسلمين، وهم القوة الأقوى والأكثر تنظيماً، يشارك يوم الجمعة فقط، وبعد الصلاة، فهم الآن الحليف الطبيعي للجيش، ولهم منافذ دولية معلنة.. وخاصة مع الولاياتالمتحدة. الثورات الجديدة قد تكون أزالت العسكر في تونس ومصر، لكن الوريث الطبيعي سيكون العسكر ولا أحد غيرهم! الرأي الاردنية