تعرفت على الكاتب والسياسي والمثقف محمد محمد المقالح وهو أمين عام مساعد لحزب الحق في إحدى فعاليات اتحاد الأدباء والكتاب في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، ويعد فترة التقيته وقد صار عضوا في الحزب الاشتراكي اليمني وهو ما ضاعف من صداقتنا وعزز منها كثيرا. يتميز الزميل المقالح بالنباهة والذكاء والشجاعة واللباقة وطيبة النفس والكرم وله اهتمامات في قراءة الأدب والشعر والقصة والنقد الأدبي وهو ما جعلني شخصيا أشعر بأنه من أقرب الأصدقاء إلي. عندما تعرض المقالح للاختطاف والإخفاء القسري في العام 2008م لم يكن وراء هذه الحادثة سوى جهاز الأمن القومي المنفلت من كل رقابة أو مساءلة والذي يخضع مباشرة لرئيس الجمهورية حينها، وقد نظم الحقوقيون والناشطون المدنيون الكثير من الفعاليات التضامنية مع المقالح وزملائه المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسريا، واعترف إنها المرة الوحيدة التي حبست العبرة الكلام في حلقي ومنعتني من الحديث عندما كنت القي كلمة تضامنية في إحدى الفعاليات في صنعاء حينما حان الحديث عن المقالح خصوصا وإن أنباء بلغتنا عن تدهور صحته واحتمال تعرضه لانهيار ذهني بسبب التعذيب النفسي والجسدي الذي وصل حد التهديد بالقتل بل وتمثيل مشاهد عملية القتل بينما كنا جميعا عاجزين عن عمل أي شيء سوى التجمعات وإلقاء الكلمات والبيانات التضامنية. دارت عجلة الأيام كثيرا منذ ذلك اليوم وقامت الثورة الشبابية السلمية ثم المبادرة الخليجية فالتسوية السياسية فالا نقلاب الحوثي الذي يسميه الحوثيون وأنصارهم "ثورة"وكلها أخذت كل منا في طريق. قبل أيام قرأت مقالا لصديقي المقالح وهو يتحدث عن " ثورة 21 سبتمبر " وكيف إنها عززت ثورة فبراير 2011م وأكملتها وأنجزت مهماتها التي كانت عالقة. ويبدي الزميل المقالح إعجابا شديدا بحركة أنصار الله الى درجة لم أصدق أن من يكتب هذا الكلام هو محمد محمد المقالح الأديب والمثقف الذي أعرف لولا صورته المنشورة بجوار المقالة. تساءلت كثيرا: ما الذي دفع المثقف والكاتب (وأكاد أقول المفكر) والمبدع المقالح إلى تبني هذا الموقف الغريب؟ ألم يعلم الزميل المقالح أن أنصار الله يقتحمون المعسكرات وينهبون محتوياتها ويذهبون بها إلى جهة غير معلومة؟ وإنهم يلغون ما تبقى من معالم الدولة ويحلون محلها ميليشيات ليس لها أي صفة فانونية؟ وإنهم خطفوا ويخطفون سياسيين ومسئولين حكوميين لابتزاز الآخرين بغرض انتزاع منهم مواقف سياسية رغما عنهم؟ وإنهم يحتجزون رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه ووزراء وقادة سياسيين ونشطاء مدنيين فقط لغرض فرض خياراتهم السياسية مقابل الإفراج عن المحتجزين؟ وإنهم يعتدون على المسيرات السلمية المعارضة لهم ويقتلون ويجرحون ويختطفون المشاركين فيها لإجبارهم على الخضوع للخياران الحوثية؟ وأخيرا ألا يعلم زميلي وصديقي محمد المقالح أن جماعة أنصار الله تتحالف مع ألد أعداء الشعب اليمني وأعداء الحركة الحوثية نفسها وغريم المقالح رقم 1 أثناء عملية الاختطاف (الزعيم صالح)؟ وهل وهل وهل كثيرات مما أعتقد إن الزميل المقالح كان يفترض أن يجيب عليها حتى يقنعنا بأن علي عبد الله صالح حريص على انتصار ( ثورة 21 سبتمبر ) إلا إذا كانت ثورة مضادة بكل معنى الكلمة. سيمر وقت طويل كي تتم مراجعة الكثير من المواقف حتى يثبت الزمن إحدى الحقيقتين وهما: إما أن محمد المقالح كان يكذب على زملائه عندما كان يتحدث عن الدولة المدنية والمواطنة المتساوية وإما إنه تعرض للابتزاز السياسي مما دفعه لتبني مواقف مخالفه لخياراته وثقافته وتاريخه النضالي (مهما تواضع أو كبر) أو أن هناك أمر آخر غير مفهوم يجب على زميلنا المقالح أن يبديه لنا وإن شاء فمن حقه إخفاؤه.
وتبقى ذكريات الصداقة علامة مضيئة تشع وتذبل ثم لا تلبث أن تشع ثانية في أغوار الذاكرة.