التركيز على العصي في السياسة اليمنية ليس بالامر الجديد اطلاقا، فأنا اتذكر في احد المرات وعلى وجه التحديد في مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما عاد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح من زيارة خارجية لبعض الدول الصديقة والشقيقة، كان في استقباله كبار المسؤلين اليمنيين في مطار صنعاء الدولي وعلى رأسهم الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر رئيس مجلس النواب انذاك. نزل الرئيس من سلم الطائرة وبيده عصاء خيزران على غير عادته وما ان سلم على الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر حتى القى اليه بتلك العصاء، وكانت بمثابة هدية بسيطة وجميلة من الرئيس لشيخه المخلص تعبيرا عن عمق العلاقة التي كانت قائمة بين الرئيس والشيخ. هذه المرة استرسل المغردون والكتاب والصحفيون في الحديث عن عصاء نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس احمد بن احمد الميسري الشخصية الوطنية المثيرة للجدل. لا اخفي مدى اعجابي بشخصية نائب رئيس الوزراء، الذي تصدر المشهد اليمني بلا منازع نتيجة لشجاعته ومواقفة الوطنية الصادقة، لكن موضوع المقال يرغمني على ترك الخوض في المواقف الوطنية الباهرة للميسري والتركيز بشكل معمق على عصائه التي هي في اعتقادي لا تعدو عن كونها مجرد عصاء كعصاء موسى عليه السلام، والتي كانت تستخدم لاغراض غير سياسية مثل الاتكاء والتهويش بها على الغنم وكذلك استخدامها للدفاع عن النفس وهو ما قصده موسى في قوله ولي فيها مآرب اخرى. عصاء الميسري جزء من التقاليد الشعبية اليمنية الموروثة الاصيلة، فالرجل اليمني في العقود الماضية لا يخرج من بيته الا وعصائه في يده، وهو عمل تقليدي روتيني من تقاليد الحياة اليومية اليمنية، لم يكن الناس يستغربون او يندهشون من حمل العصاء، لكن السياسة هي التي تصنع من الحبة قبة وتعطي تأويلات بعيدة كل البعد لما نقوله او ما ننشره وهو ما يخلق سوء فهم كبير يجعلنا نقع ضحايا ذلك التأويل وما اكثر المواقف المزعجة والمحزنة التي نتعرض لها في حياتنا اليومية نتيجة للاحكام المسبقة او المتسرعة. لقد دار جدل كبير حول العصاء التي اهداها الرئيس للشيخ عبد الله بن حسين الاحمر، فقال البعض انها رسالة واضحة من الرئيس الى خصومه السياسيين مفادها ان العصاء لمن عصى، وقال اخرون انها تفويضا من الرئيس للشيخ بضرب كل من لم يأتي للشيخ طائعا دون الرجوع الى الرئيس او سلطات الدولة، وقال اخرون انها رسالة خاصة لاعضاء مجلس النواب وتحذيرهم من مغبة مخالفة ارادة الشيخ في مجلس النواب عند التصويت واتخاذ القرارات. اما عصاء المسيري فلا تعدو في اعتقادي المتواضع عن كونها عصاء الدولة التي يجب التلويح بها في مثل هذه الظروف الصعبة والحرجة التي تمر بها بلادنا، انها عصاء النظام والقانون، عصاء الشرعية والدستور واليمن الاتحادي في وجه دعاة التفتيت والشرذمة، انها عصاء الحق في وجه الباطل، عصاء السلام والامن والاستقرار في وجه الفوضى، عصاء الحكومة اليمنية في وجه المليشيات الارهابية المسلحة، انها العصاء التي يجب ان يتكئ عليها اليمن حتى ينهض من جديد.