فعلت حكومة دبي حين شنت أخيراً، حرباً شعواء على الفساد الإداري والمالي، سقط خلالها بعض المسؤولين في كبرى الشركات والمؤسسات المالية في يد العدالة، لكن قضية بعينها بين قضايا الفساد المعلنة استرعت انتباهي، لأن صاحبها «كان» مديراً لأحد البنوك الإسلامية، وقد صدر ضده حكم قضائي يقضي بسجنه ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 115 مليوناً و800 ألف درهم بالتمام والكمال، وهو الفارق الذي «لَهَفَهُ» بعد أن أقنع رئيس مجلس إدارة شركة عقارية «بطريقة غير إسلامية!» بشراء أرض بسعر 415 مليوناً و800 ألف درهم، بينما لا تزيد قيمتها الحقيقية في السوق على 300 مليون درهم، ليكسب هو الفرق. ودرءاً لأي سوء فهم قد يحدث، أؤكد بداية أن هذا لا يمس البنوك الإسلامية سواء لجهة الفكرة أو لجهة العاملين فيها، بقدر ما هو سلوك شخصي غير مسؤول، نتناوله هنا لا لنجرح الرجل «فقد نال العقاب الذي يستحقه»، وإنما لننبه ونلفت النظر الى خطورة أن يكون الإنسان مديراً أو حتى عاملاً في البنك الإسلامي، وما ينتظره من سهام جاهزة في حال وقع في الغلط. وهذا، على ما يبدو، هو ما حدث مع المدير المذكور، فهو لم يراعِ المسؤولية الضخمة «الدينية تحديداً» الملقاة على عاتقه. وكان عليه أن يعي وعياً شديداً أنه يمثل الصيرفة الإسلامية، وأنه مطالب بأن يكون قدوة وأن يسلك سلوكاً مثالياً من حيث النزاهة والالتزام بالحلال والحرام، حتى لا يكون سبباً في الإساءة الى فكرة البنوك الإسلامية التي لاتزال على الرغم من أدائها المميز اثناء الأزمة المالية العالمية تتعرض للنقد والقدح من أعدائها، ناهيك عن أنها لاتزال نبتة غضة تشق طريقها بصعوبة في ظل النظام المالي الربوي الذي يحكم الاقتصاد العالمي.. لذلك، ينبغي أن نرسم لها صورة مثالية بدلاً من أن نغمسها في الوحل ونحصل على الرشى تحت غطائها. ما لفت نظري أيضاً، أن جميع المتهمين معه كانوا من العرب والهنود، ولم يكن بينهم أوروبيون، وإن وجدوا فهم ذوو أصول عربية أو إسلامية، أو من إحدى دول العالم الثالث (!!!)، فهل هي جينات وراثية تنتقل من جيل إلى آخر بين أبناء تلك الشعوب؟ سؤال مشروع، وإلا كيف نفسر تورطهم في الكسب غير المشروع على الرغم من أنهم يتقاضون مرتبات عالية ويحملون شهادات علمية وأكاديمية نادرة؟ مع ذلك، ليست غرابة سلوك المدير ورفاقه «المفسدون في الأرض» هي التي استوقفتني فقط، بل استوقفني أكثر تركيز الإعلام في صياغة أخباره على تعريف المتهم ب «مدير لبنك إسلامي»، على الرغم من أنه ترك العمل في البنك منذ عام ،2007 وآخر منصب تقلده كان ضمن فريق مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية! ولأنني لا أعرف طريق البنك سوى مرة واحدة في الشهر وأعتقد أن غالبيتكم مثلي كنت أظن أن من السهولة بمكان اكتشاف أي زيادة مهولة في الأرصدة، ولا أكتمكم أنني حتى كتابة هذه السطور مازلت أتساءل: كيف يتخفى هؤلاء، وكيف يجرؤون على ممارسة السرقة وعمليات الاختلاس والغش، وأين يخبئون الملايين التي تجنى من تلك العمليات المشبوهة؟ أتمنى أن يكون بين القراء الكرام حرامي تائب، ليتحفنا برد مميز عن سرقاته المالية السابقة، ونعده بأننا لن نكتب عنه حتى لو اعترف بأنه كان يعمل في بنك إسلامي، وقامت نفسه الأمارة بالسوء بتحريضه على تحصيل العمولات ذات الأصفار الستة. [email protected]