الجميع يتحدث عن تركيا ولكن هذه المره ليس عن حسنوات أنقره أو جميلات أسطنبول التي آسرن خيالات المواطن العربي المسحوق وأمتلكن أوقات الملايين من العرب الجائعة والمتلهفه بشوق لدراما تركية رومانسية فالجميع اليوم يتحدث عن تركيا الساسة والسياسة .. تركيا جول وأردغوان يعد أن تناولنا بإستفاضة لميس ونور وأمعنا البحلقة وبتركيز مفرط الى جميلات الدراما التركية وتابعنا مئات الحلقات دون ملل أو كلل وحتى هواة الأكشن ما زالو حتى اللحظة يتمتعون بمتابعة أجزاء مسلسل وادي الذئاب ومع توفير تركيا قناة ناطقة باللغة العربية أصبح بإستطاعة المشاهد العربي مرافقة الأتراك طوال اليوم وبمناسبة هذا التغيير فقد أصبح أيضاً من الممكن للمستهلك العربي العزيز تناول الشيوكلاته التركية بأمان مع التأكد من خلوها من دُهن الخنزير . بتحليل بسيط وبلغة بسيطة بعيدة جداً عن التعقيد والفذلكة أتناول الدور التركي بالمنطقة من حيث اسبابه ونتائجه والتي كان منها أن أعلام تركيا في كل مكان .. الجميع يكتب عن أردوغان ومواقفه المشرفه .. الجميع يحن الى الماضي العثماني والجميع أيضاً إقتنى علماً لتركيا أو صورة لأردوغان وجول ليتباهى بها أمام الآخرين وليعبر بذلك عن شكره وإمتنانه للأمة التركية التي حصلت على إستفتاء شعبي عارم يوافق على تزعهما للأمة الإسلامية وحصل أردوغان كذلك على الشرعية التي تمكنه فعلاً من قيادة الجيوش لتحرير البلدان العربية من الأنظمة الحالية وإعلان الخلافة العثمانية من جديد والكثير تبادل سيرة البطل أردوغان المثيرة وكفاحة المليئ بالحكايا والإنتصارات والمقولات التي تمجد الإسلام ولم تكتفي مواقع الأنترنت بذلك بل أمتد تأثير الترك وأردوغان الى خطب المساجد وصدحت حناجر خطباء هذا الأسبوع بالإشادة بالدور التركي بشكل مفرط وتناقل الخطباء حكاية مطالبة أدروغان مدرسة بتعليمة الصلاه عندما كان طالباً في مجتمع علماني . بالموقف الأخير أستطاعت تركيا العلمانية القفز سريعاً الى قيادة الموقف العربي والإسلامي وتصدره والتحول الى دولة إقليمية مؤثره بعد أن ظلت تسترجي الإتحاد الأوروبي الإنضمام اليه لعدة أعوام وعلى إثر رفض ذلك تلقت صفعة قوية من الغرب والتي كان من آثارها الإلتفات للمحيط العربي العاجز حتى اللحظة عن إنتاج دولة قوية تتزعم الموقف العربي وتعبر عنه خاصةً بعد تخلي مصر عن القضايا القومية للأمة العربية وما أحدثته حروب الخليج من إنشقاق في الصف العربي إضافة الى غياب مشروع عربي نهضوي فظلت منطقة الشرق الأوسط محل تنافس دولي ومع تخلي العرب عن دورهم كانت إيران المرشحة كدولة مؤثره في المحيط العربي ونتيجة للإختلاف العقائدي والمذهبي وتراكم الصراع العربي الفارسي وتجدده كان كل ذلك سبباً في عدم قبول الدور الإيراني في المنطقة وما التوبيخ المستمر الذي تتعرض له حركة حماس جراء علاقاتها المتميزه مع طهران إلا تعبير بسيط عن ذلك . لا يختلف إثنان في الإشادة بمواقف تركيا تجاه القضية الفلسطينية والتغيير الجذري الذي طرأ على علاقاتها بالعدو الصهيوني بعد أن كانت أكبر حليف إستراتيجي له بالمنطقة والمزود الدائم له بالطاقة وكانت الأرض الخصبة لنشاطات المافيا الدولية والجماعات الصهيونية ولكن هل كل ذلك مبرراً لأن نتغنى بأمجاد الترك وان نجعل منهم رموزاً وقادة على الأمة رغم أن هُناك من الدول التي أتخذت مواقف ضد الكيان الصهيوني أقوى من الموقف التركي فالكثير من دول أمريكا اللاتينية قمن بقطع العلاقات وطرد السفير الصهيوني وما الزعيم هوجو تشافيز إلا مثالاً على ذلك ويجب القول أن تركيا وقفت مع غزة لأن مصلحتها في الوقت الراهن تملي عليها ذلك وليس لسبب آخر . نعم القضية الفلسطينية تتعرض لخذلان كبير من الأمة العربية وفي المقدمة الأنظمة وهُناك دولاً كان من المفترض عليها رعاية قضايا الأمة كالمملكة العربية السعودية والتي رفضت حتى السماح للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم رغم مكانتها الدينية لدى المسلمين وهُناك دولاً تسهم في قتل غزه وتعزيز الإنشقاق الوطني الفلسطيني وهُناك دولاً لا تتوانى في المتاجرة بالقضية الفلسطينية ولكن كل ذلك لا يجعلنا متطرفين حتى في التعبير عن إمتناننا لدور تركيا والذي كان من المفترض عليها القيام به أصلاً وكل ذلك لا يبرر التنكر للذات والإستسلام لليأس وكأننا ننتظر الفرج القادم من الخارج فالشعوب العربية قادرة على النهوض إذا أمتلكت الإرادة ووجدت من يقودها ويشعل الشموع في طريقها . الكثير من وسائل الإعلام العربية تحدثت عن الدور التركي وكأن تركيا المنقذ القادم للأمة وكأن إسطنبول قد عاد لها السلطان العثماني من جديد رغم أن الأتراك هم من أنقلبوا على الخلافة العثمانية وحدث فيها عقب ذلك أكبر إنقلاب فكري على المبادئ الإسلامية فتم منع الحجاب ومنع الطلاق والزواج بأكثر من إمراءة ومنع اللغة العربية حتى من آذان الصلاة وما حدث في تركيا مؤخراً ما هو إلا تصحيح للكثير من الأخطاء التي أرتكبت بعد أن تأكد لها يقينا صعوبة ترك العادات الإسلامية المتأصلة لدى الشعب التركي والتي عاد الكثير من الترك لإحيائها رغم تجذر العلمانية وضياع الكثير من المظاهر الإسلامية في تركيا العثمانية وساهم في هذا التغيير النجاح الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية وقدم قاداته نموذجاً رائعاً في النزاهة والإخلاص لتركيا وفي تنظيم الإدارة وتحسين مستوى الدخل وتقوية الإقتصاد التركي فكانت التجربة سبباً لقبول الشعب التركي بالقادة الجدد الذين أستطاعوا محاربة حماة العلمانية ليس لأنهم يتبنون مشروعاً إسلاميا بل لأن المشروع العلماني فشل وأصبحت الأمة التركية تبحث عن أفكار جديدة وتتطلع للتغيير و حتى قادة الجيش الذي كان يتدخل كلما أحس بالخطر على العلمانية وكان من حقه إسقاط الحكومة في أي وقت وقف منذهلاً أمام التحولات الإقتصادية والإجتماعية الذي شهدها المجتمع التركي خلال العشر السنوات الأخيره أردوغان تركي ولن يتوانى لحظة في الدفاع عن تركيا والبحث عن مصلحتها وتقوية نفوذها والعمل من أجلها وليس من أجل العرب وأعتقد أنه لو تم قبول تركيا ضمن منظومة الإتحاد الأوروبي لما كان موقفها قوياً تجاه القضية الفلسطينية كما هو الآن ولكن فاقت تركيا بعد تلك الصفعه لتتجة الى البناء والتنمية والتطلع لدور إقليمي متميز خاصةً تجاة الأمة الإسلامية التي فتحت أسواقها أمام البضائع التركية لتحصل تركيا على أسواق إستهلاكية كبيرة تستوعب كل أنواع الشوكلاته التركية إضافة الى صعوبة التنكر للماضي الإسلامي الذي جعل من تركيا أكبر دولة في التاريخ فلم يكن أمام تركيا من خيار إلا تعديل مواقفها تجاه العرب والتطلع من جديد في التربع على عرش إمة تبحث عن قادة وتنجر سريعا وراء العاطفة بعيداً عن حسابات السياسة وتعقيدات الصراع الدولي والبحث والتطلع للقيادة وتصدير الثقافات والبحث عن أدوار إقليمية وأسواق إقتصادية جديدة وفي الأخير أقول لأولئك المراهنين على الدور التركي أن تركيا ما زالت علمانية وما زال الكثير من قادتها يفاخرون بتخلي تركيا عن ماضيها العثماني وخلع الثوب الإسلامي ومحاولة تصدير العلمانية للخارج ولكن كانت مصلحة تركيا هذه المرة تقتضي الوقوف الى جانب غزه وما تبقى من التحليل عليك عزيزي القارئ ورحم الله أمة عرفت قدر نفسها