«إن الخطاب الطموح الذي ألقاه «بوش» يوم تنصيبه.. ترك لدي انطباعاً بأنه على وشك إعلان اجتياح امريكي لكوكب المريخ!». أحد كبار المعلقين السياسيين الامريكيين على الخطاب «لا أعرف كيف أنتخب.. ولا أعرف من أنتخب، لا أعرف أياً من هؤلاء المرشحين أو ماذا سيفعلون.. لذلك.. خرجت من مركز الانتخابات ولم اختر أحداً منهم!». أحد المواطنين العراقيين.. يتحدث إلى أحدى الفضائيات (العربية) بعد خروجه من أحد مراكز الانتخابات العراقية. لقد مثل خطاب جورج دبليو بوش.. الذي القاه يوم 20 يناير 2005م بمناسبة تنصيبه لولاية ثانية.. مثل بمفرداته والفاظه.. أنموذجاً لبعض خطب الرؤساء الامريكيين التنصيبية.. خاصة خطاب جون كنيدي ولكن الاختلاف في الجوهر والتوجهات والاهداف.. إختلاف كبير بل وكبير جداً!. فلقد كرر «بوش» كلمة الحرية في خطابه ذاك والذي استغرق عشرين دقيقة فقط.. أكثر من واحد واربعين مرة. كما كرر كلمة لفظ الجلالة «الله» ثلاث مرات.. وكلمة «القرآن الكريم» مرة واحدة!. وتعهد «بوش» في خطابه ب«الحد من الطغيان حول العالم»..وعلى «دعم الاصلاحات في الحكومات الاخرى» وربط نجاح العلاقة الامريكية مع بعض الحكومات.. بمدى معاملتها لشعوبها باحترام.. وخاطب الامريكيين.. بأن حريتهم مربوطة بحرية غيرهم.. وحينما كان يلقي خطابه.. إنما كان حسب ما يفهم المتابع لخطابه.. يخاطب التاريخ: «إن المهمة في السنوات الاربع المقبلة لن تحددها الكلمات.. بل التاريخ الذي شهدناه معا». ووصف مهمته بكل صلف وغرور بأنها «مهمة إلهية!!». إن خطاب «بوش» التنصيبي فيه من البلاغة الكثير.. وإن كنت أشك بفهمه لخطابه الذي كان مجرد قارئ له فحسب!. كما أن الكلمات البلاغية حول الحرية ودفاع «بوش» عنها.. مع استعدائه «للطغيان» هي خيارات محمودة.. ولا يمكن لأي عاقل أن ينكر أهميتها للانسان في كل زمان ومكان.. فالحرية هي انشودة وأمل للإنسانية كلها. ولكن.. لكن جل ما جاء من مفردات وكلمات إنشائية بلاغية في خطاب «بوش» خاصة كلمة «الحرية» المكررة احدى واربعين مرة.. هي بمجملها كلمة حق يراد بها باطل!.. فالحرية بالذات.. ليست مهمة إمريكية أبداً.. خاصة في ظل زعامة «بوش» الابن..الذي أجهض الحرية خلال الاربع السنوات المنصرمة من حكمه داخل امريكا وخارجها.. وأوجد مبدأ (الاحادية والاستبقائية» اللتين تمنحان أمريكا حرية مهاجمة واحتلال أية دولة تعتبرها مصدر تهديد لها.. مما أوجد ميراثاً غير مسبوق من الاخطاء الفادحة في السياسة الخارجية الامريكية.. والتي هي ضد الشرعية الدولية وضد ميثاق الأممالمتحدة.. بل وضد الحرية الانسانية برمتها.حتى باتت معظم شعوب العالم.. تعتقد أن «بوش» هذا أصبح يمثل رمزاً جلياً للطغيان!. ثم.. أين هو الانموذج الذي يريد «بوش» توزيعه على العالم؟!!. كيف نفهم ونحن نقرأ خطابه.. تطبيق: (قانون السلامة الوطنية) والذي يعد من أخطر القوانين التي صدرت في الولاياتالمتحدةالامريكية مؤخراً.. بسبب مضمونه الذي يمحي الحقوق المدنية داخل أمريكا.. ويشرع لمبدأ التمييز الجلي ضد العرب والمسلمين (الامريكيين؟!). وكيف نقارن بين ما قاله «بوش» في خطابه (بعدم التظاهر بان المنشقين السجناء يفضلون اصفادهم) في الوقت الذي لا تزال الاحداث المروعة وغير الانسانية التي حدثت وربما لا تزال تحدث في سجن (أبو غريب) و(غوانتانامو؟!) هي حديث العرب والمسلمين بل والامريكيين وغيرهم.. باعتبارها وصمة عار في جبين الأمة الامريكية كلها وليس فقط في جبين «بوش» و«رامسفيلد». وحينما يخاطب الامريكيين بأن حريتهم مربوطة بحرية غيرهم.. ما مدى الفهم والدرس الذي يمكن استنباطه من عدم تساوي حرية الفلسطينيين بحرية الامريكيين؟! خاصة مع مواصلة الادارة الامريكية ممثلة ب«بوش» بدعمها المادي والمعنوي لدويلة هي احقر موجود على الأرض بسبب اعمالها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني؟!! وأنىَّ لامثالنا أن نحاول فهم ما جرى في (فنزويلا) حيث مارس الشعب الفنزويلي حريته في اختيار رئيسه.. فكرر ذلك تسع مرات خلال تسعة أعوام.. بسبب التدخل الأمريكي نفسه ضد هذه الحرية التي لم تأت برئيس موالٍ لأمريكا؟! وفي نفس الوقت.. ماذا ينتظر من دولة يتشدق زعيمها بمفردات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان على مستوى العالم كله.. بينما هو يحتقر الغير ويدوس على القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟.. فهناك أكثر من عشر اتفاقيات دولية رفضت الادارة الامريكية الاعتراف بها وجلها اشار الى اهميتها مضمون خطاب «بوش» نفسه! والتي منها: 1 معاهدة التمييز ضد المرأة. 2 اتفاقية حقوق الطفل. 3 اتفاقية الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. 4 بروتوكول كيوتو. 5 محكمة الجزاء الدولية. 6 معاهدة حظر الألغام الارضية. 7 اتفاقية الحد من الاسلحة البيولوجية والسامة والكيماوية؟!! كما ان العلاقة الامريكية اليوم مع العالم الخارجي.. بسبب اخطائها الفادحة وتناقضاتها المزمنة بين اقوالها وافعالها وعدم احترامها للقوانين والمواثيق الدولية.. وصلت إلى مرحلة جد خطيرة.. وعلى سبيل المثال وليس الحصر: روسيا غاضبة من امريكا بسبب تدخلها في أوكرانيا. والصين مستاءة من أمريكا بسبب مساندتها العسكرية لتايوان ومعارضتها لرفع اوروبا حظر بيع السلاح إليها. والاتحاد الاوروبي.. خاصة فرنسا والمانيا.. يعارضون آراء «بوش» المحافظة.. وكوريا الشمالية لا تزال أزمتها مع امريكا قائمة بسبب برامجها النووية. وأفريقيا.. تريد من امريكا تخفيض اسعار ادوية مرض «الايدز» ومراعاة إعفائها من الديون.. وأمريكا اللاتينية باتت تعيش في شكوك عديدة بسبب الاهمال الامريكي لها.. الخ.. ولا داعي لذكر «الشرق الأوسط» وبعض دوله.. لان مصيبة امريكا وخيرها وشرها.. هي في هذه المنطقة اليوم؟!! ثم أي ديمقراطية يرغب «بوش» بنشرها في العالم؟!.. هل هي الديمقراطية العراقية.. التي باتت تمثل بكل صورها واشكالها وافرازاتها ديمقراطية دموية.. لتأتي الانتخابات العراقية الاخيرة عبر الاكراه والاجبار وبصورة غير مستساغة؟! إذ كيف نفسر القائمة «الفارسية» التي تحمل رقم: (961) والمسمى رسمياً ب: (قائمة السيستاني).. حيث ان هذا (السيستاني) ليس على القائمة ولا يحق له الاقتراع لأنه ليس عراقياً!. مما يدفع بأمثالنا لفهم المشروع الامريكي في العراق بكونه ينطلق من تهميش العرب وانهاء الهوية العربية.. حتى تتسلم الحكم مجموعة غير عربية متحالفة مع أمريكا! وهو ما بات يلوح في الأفق!!.. بل هل يعقل ان تذهب أصوات العراقيين لأحزاب وقوائم بدون معرفة أسماء المرشحين؟! وهو ما عبّر عنه بكل وضوح أحد المواطنين العراقيين كما أشرت لذلك آنفاً . وماذا لو حدثت ديمقراطية حقيقية في بعض دول المنطقة.. ووصل إلى السلطة من تعتقد أمريكا بأنهم متطرفون ؟! وهو أمر وارد؟! أليس الاصرار على نشر الديمقراطية بهذه الطريقة.. إنما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى.. كما هو الحاصل اليوم في العراق؟.مع أن «بوش» وادارته.. ليس مهتما بنشر الديمقراطية والحرية ولا بحقوق الانسان.. بقدر ما هو مهتم بتأمين مصالح بلاده كما يراها هو والمحافظون المتطرفون في ادارته! فالرئيس «بوش» لا يمكنه أن يوجه انتقاداً حاداً لروسيا والصين.. ولا لباكستان.. شريكته في حربه ضد الارهاب! ولا يمكنه أن يطلب نشر «التعددية الحزبية» والسياسية في بعض دول المنطقة الصغيرة التي باتت المصالح الامريكية وقواعدها العسكرية فيها مأمونة؟!! أما ما جاء في مضمون خطابه موضوع هذه «الدردشة» إنما هو من أجل طلب المزيد من التسهيلات والاذعان.. والحليم تكفيه الاشارة!. هذه هي محصلات خطبة جورج دبليو بوش «التنصيبية» بكل إيجاز وكما يراها كاتب هذه «الدردشة» رغم الاعتراف بعدم تقديم أي جديد حول هذا الخطاب الذي أراد «بوش» بمضمونه.. أن يحول حريته المنشودة.. من الحرية من الخوف إلى حرية نشر الخوف. والذي بسبب تناقضات محتوى هذا الخطاب بما يجري على الأرض.. ومعرفة المعنيين بالخطيب «بوش» وبتوجهاته وأهدافه الحقيقية والمغايرة لكل اقواله.. جاء ذلك التعليق الساخر من قبل أحد كبار المعلقين السياسيين الامريكيين على خطابه.. والمذكور في مقدمة هذه الدردشة؟!.