بكت أختى فجأة وهي تقرأ ملحق الأسرة لصحيفة «الثورة» يوم السبت الماضي بحيث بحثنا جميعنا عن الخبر الذي أحزنها كل هذا الحزن. ومنذ قرأت الخبر وقلبي مثقل بالألم والفزع. لو كان هذا الخبر قد نشر في صحيفة أمريكية أو أوروبية لكانت جميع وسائل الاعلام الحكومية والشعبية، الخاصة والحزبية قد ملئت الأرض نقاشاً وجدالاً، مع علماء النفس والقانون. لكن الخبر في اليمن والمصدر من الأطباء في غرفة طوارئ، والصحافة في بلادنا التابعة للأجهزة الحكومية أو الاحزاب او القطاع الخاص مشغولة بما تسميه القضايا الهامة. أما الخبر المحزن الذي لم يلفت انتباه أحد فهو عن طفل وأمه- وهم كائنات لا قيمة لها في هذا المجتمع- ويخضعون للسلطة المطلقة «الأب»..القانون في صف الأب، والمجتمع قد تقبل الظلم فترة طويلة حتى جعل سلطة مثل هذا الأب مطلقة، تفسده وتفسد كل شيء جميل عن شيء يسمى عائلة، دون نقاش عام ودون احتكام الى عقل أو منطق. تقول تفاصيل الخبر:إنّ الطفل الشقي ذا الاعوام الستة عبث بالفرش الجديد الذي اشتراه الأب دون ان يستمع الى توبيخات وتحذيرات الأب بالتوقف عن هذا الفعل. فما كان من الأب الا ان قرر معاقبته. فربط يديه الاثنتين بإحكام، وهدد الأم بالطلاق لو اقتربت منه أو فكت رباطه، وذهب تاركاً لهما معا لكي يتناول القات مع أصحابه. وبقيت الأم التي يمكننا فقط ان نتخيل كيف أصبح حالها الممزق بين انقاذ الابن وبالتالي الطلاق من الأب أو ترك الابن وبالتالي الطلاق مع روح الأم. ولكي تزيد الحال بؤسا بدأ لون الطفل في التغير ومعاناته تزيد فعاودت الاتصال هاتفيا بالأب كي يأتي لأن الحال صارت خطيرة. وعندما حضر اتضح ان الطفل صار بحالة تحتاج الى الاسعاف، وفي غرفة الطوارئ في المستشفى تقرر قطع يديه الاثنتين لانقاذ حياته. وعندما استيقظ الطفل من البنج ونظر الى يديه المقطوعتين قال لأمه: قولي لأبي أني سوف أكف عن العبث بالفرش كي يعيد لي يداي. فانفطر قلب الأم وماتت في الحال. التهديد بالطلاق لو كان الطلاق لا يتم الا في محكمة وبموافقة قاضٍ، لعاشت الأم وسلمت يدا الطفل اليتيم. ولو كانت المرأة قادرة على إعالة نفسها لضربت بتهديد الطلاق عرض الحائط وانقذت طفلها وقلبها وعقلها من هذه الطرق التربوية القاسية الظالمة. ولو كان هذا الأب يعيش في دولة تحمي الأطفال كما يقول العهد الدولي لحقوق الطفل الذي ذهب رئيس دولتنا الى نيويورك بنفسه لتوقيعه لتردد الأب الف مرة قبل ان يوقع هذا العقاب على ابنه. لكن القانون غائب، والعرف يحول الأبناء وأمهاتهم الى ملكية مطلقة للزوج يعبث بحياتهم دون رادع. إنها السلطة المطلقة التي تفسد البشر، ولا تجعلهم يفكرون قبل أن يتخذوا قرارات العقاب الرادع لمن هم تحت سلطتهم. وغياب القانون مستمر، فلن تعرض قضية مثل هذه على القضاء، وسيكتفي الناس باعتبار الطفل مقطوع اليدين تذكيراً دائماً لأبيه بقسوة قراراته. ولن نعرف ما الذي سيكون من مستقبل الطفل اليتيم ذي اليدين المقطوعتين بعد وفاة أمه قليلة الحيلة. سوف لن تبحث وسائل الاعلام عن الأب ليعلن ندمه وخطورة مثل هذه الافعال على الاطفال وتحذيره لبقية الآباء من مغبة تهورهم. ولن تبحث وسائل الاعلام عن أهالي الأم ولا عن جمعيات الدفاع عن النساء أو عن حقوق الانسان لطرح وجهة نظرها في الطرق التي يمكن بها جعل الحياة ممكنة لأمثال هذه المرأة التي لم يعد أمامها سوى السكتة القلبية أمام جور الظلم. فالسلطة الرابعة للاعلام هي أيضا سلطة غائبة ومغيبة. والنساء لهن الله ، فلا عزاء لأحد بهذا الواقع. ولا أملك قلباً للبحث عن الطفل وتعزيته في يديه وفي فقدان امه. ولن أستطيع ان اتحمل النظر في وجه الأب. مشروع عائلة قال الأستاذ محمد الرعدي اثناء زيارة قام بها لمؤسسة برامج التنمية الثقافية وهو في طريقه الى بيروت ودمشق للفسحة والعلاج، ان اليمن لاتناقش نفسها في أوضاع أفرادها ولا في أوضاع الخلية الأولى بها المسماة مجازا عائلة بينما هي "مشروع عائلة". قال: "يتحدثون عن قوة التلاحم في العائلة اليمنية وكأنهم يلاحقون وهماً يحلمون به لا واقعاً يعيشون فيه". وكان مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية قد قام بدراسة اولية عن العلاقات داخل العائلة اليمنية لأسر الطلاب من الطبقة الوسطى الذين يعيشون في مدينة صنعاء، واتضح انها علاقة تقوم على أدنى حد من الحوار بين افرادها. والذكور في العائلة نادراً مايبدأون صباحهم بتحية، بل الجملة المسموعة الدائمة صباحا هي، أين الشاي أو أين القهوة أو أين الفطور، يوجهونها للزوجة أو للأخت أو للأم. ويقضون بقية يومهم في حوار ومودة مع الزملاء في الدراسة او الزملاء في العمل أو الأصدقاء في مجالس القات. فالعائلة ليست سوى موقع جغرافي أشبه بفندق، بعضهم يعمل فيه على أساس أن خدمة الزبون تقوم على أنه على حق دائما، وبعضهم يسكن فيه ويريد خدمة من الدرجة الأولى، شعارها لا فتة مكتوبة ضمنيا على الوجه تقول "ممنوع الازعاج"، فالسلطة لهم عرفا وقانونا حتى لو لم يكونوا على مستوى تبعاتها. mailto:[email protected]