انهم يعاملوننا كالبهائم..لماذا لا يرسلوننا الى افريقيا ما داموا ينظرون الينا على هذا النحو." هذه العبارة وردت على لسان سيدة سوداء البشرة في ولاية لويزيانا الامريكية التي ضربها اعصار" كاترينا" وهي جزء من سيل من العبارات المشابهة "..لدي انطباع انهم يعاملوننا كقطيع من الجرذان"بحسب طاه من العرق الاسود نفسه ويقول آخر".. عندما تسرق العائلة البيضاء يقولون انها تبحث عن طعام في حين توصف العائلة السوداء بالنهابة والمجرمة"ويقول القس جيسي جاكسون احد زعماء السود في امريكا «ان المشهد الذي نراه في لويزيانا يشبه سفن العبيد في القرون الوسطى». لايمكن لهذه العبارات ان تختصركل مأساة فقراء جنوبالولاياتالمتحدةالامريكية والسود عموما الذين ضربهم ذلك الاعصارالقاتل وبخاصة في نيواورلينز ولويزيانا.بعضهم قتله الاعصارلانه لا يملك سيارة ينقل بها عائلته الى مكان آمن وبعضهم الآخر قتل لأنه لا يملك ثمن بطاقة اتوبيس ينقله من ولاية الى اخرى وبعضهم الثالث قتل لأنه كان يبحث عن طعام وماء لعائلته بعد ثلاثة ايام متواصلة من العطش والجوع و بعضهم الرابع قتل لان المصابين فاضوا عن قدرة المستشفيات المحلية على الاستيعاب وبعضهم الخامس قتل لان السلطات المركزية لم تهب لنجدة المصابين في الوقت المناسب خصوصا ان الرئيس الامريكي نفسه لم يقطع اجازته وينصرف للاهتمام بما حصل الا بعد ثلاثة ايام على وقوع الكارثة و بعضهم السادس قتل على الشبهة بعد ان نجا من الاعصارلانه اسود البشرة والجميع قتلوا لانهم فقراء ذلك ان الاغنياء انتقلوا في وقت قياسي من منطقة الاعصار الى ولايات أخرى آمنة ذلك ان الولايات المنكوبة تضم النسبة الاكبر من فقراء الولاياتالمتحدة ففي نيواورلينزهناك فقيرمعدم بين كل اربعة مواطنين وتفيد الاحصاءات الامريكية ان 44٪ من سكان هذه المدينة يعيشون تحت خط الفقر وان 70٪ من هؤلاء هم سود البشرة. واذا كان صحيحا ان الفقراء قتلوا لانهم يعدمون وسائل الحماية فالصحيح اصلا هوانهم ماتوا او جرحوا او تشردوا وعطشوا وجاعوا بسبب السياسة الحكومية والعنصرية المصممة لخدمة البيض والاغنياء وحدهم والتي لا تقيم وزنا يذكرللقفراء وللسود عموما. ومع ذلك لم يكن الموت جراء الاعصار حتميا. كانت الكارثة متوقعة منذ اسابيع ولم تكن مفاجئة. امرت السلطات المواطنين باخلاء المناطق المعرضة فلبى الامر من لديه الوسائل اي اقلية الاقلية. لم تضع السلطات خطة للاخلاء وكانت تفتقر الى الاجهزة اللازمة لهذه العملية لو توافرت لديها النية ذلك أن الحرس الوطني الامريكي الذي يتولى في مثل هذه الحالات مساعدة المنكوبين وإجلاءهم ارسل الى العراق مع معداته وتجهيزاته.اما شاطئ المسيسيبي حيث وقعت الكارثة فكان يجب ان يحصن ضد الكوارث وفق ميزانية تقدر ب«14» مليار دولار خفضتها إدارة بوش الى مليار دولار واضيف المبلغ المقتطع الى ميزانية الحرب على العراق ويفصح مثال نيو اورلينز عن هول هذه السياسة المستهترة ففي الولاية خطة لبناء عدد من السدود الواقية كلفتها حوالى200 مليون دولار وكان يمكنها لو نفذت ان تحمي السكان من الاعاصير غير ان الادارة الامريكية خفضت المبلغ الى 71 مليون دولار بسبب حاجتها الىاموال لتغطية نفقات الحرب العراقية التي تكلف يوميا حوالى 200 مليون دولار بحسب الاحصاءات الاخيرة . هكذا تقتطع الادارة الامريكية اموالا لقتل الناس في العراق وتعرض مواطنيها للقتل بسبب النقص في الموازنة فيما ترسل حرسها الوطني لقتل العراقيين بدلا من ابقا ئه في ا لبلاد لانقاذ حياة المواطنين الامريكيين. لا مبالغة في الحديث عن مسؤولية السياسة الامريكية الحالية عن التقصير القاتل في مواجهة اعصار كاترينا خصوصا اذا ما قارنا ما حصل في جنوبالولاياتالمتحدة مع ما شهدته كوبا المجاورة من اعاصير مشابهة وكيفية مواجهتها بنجاح في هذه الجزيرة المعزولة والمحاصرة اقتصاديا منذ اكثر من اربعين عاما من الولاياتالمتحدةالامريكية. يشهد برنامج الاممالمتحدة للتنمية البشريةعلى نجاعة وفعالية السياسة الكوبية في مواجهة الكوارث الطبيعية ويطالب الدول الاخرى بان تسير على النهج الكوبي. تبعد هافانا حوالى الف كيلومت عن لويزيانا الامريكية وقد تعرضت في بداية تموز يوليو الماضي لاعصاردنيزوقوته بدرجة اربعة التي بلغها اعصار كاترينا لكن كوبا نجحت في اجلاء مليون ونصف المليون مواطن في الوقت المناسب من منطقة الاعصارالذي تسبب بقتل 16 شخصا فقط وذلك بفضل استخدام كل الوسائل التي تملكها الدولة ومن ضمنها الجيش والنقابات ولجان الدفاع المدني و كافة الاجهزة والمؤسسات المحلية.ويفيد برنامج الاممالمتحدة للتنمية البشرية ان كوبا تمكنت من مواجهة اعصار«ايفان» السابق والمصنف في المرتبة الخامسة في درجة خطورته في تاريخ الاعاصيرتمكنت السلطات الكوبية من اجلاء مليوني شخص في الوقت المناسب من بينهم مئة الف شخص في الساعات الاولى لانطلاق الاعصار ويفيد البرنامج المذكوران فعاليةاجراءات الانقاذ الكوبية تدين اصلا لسياسة الوقاية التي تعتمدها حكومة فيديل كاستروالمصنفة ديكتاتورية في لعبة الالوان الحمراء والسوداء والرمادية الامريكية مع التذكير ان كوبا لاتشن حرباً على احد وتكرس وسائلها لحماية شعبها من كوارث الطبيعة و من اعاصير السياسة العدوانية الامريكية. "... لقد وصل 300 جندي من الحرس الوطني لتوهم من العراق.هؤلاء يتمتعون بخبرة في القتال.لديهم اوامر بفرض الامن في الشوارع.ويحملون بنادق ام 16 .هؤلاء يعرفون تماما كيف يقتلون ولديهم اوامر بالقتل وهم مستعدون للقتل" هذا الكلام منسوب ل«كاتلين بلانكو» حاكم ولاية لويزيانا وجهته لفقراء ولايتها الذين نجوا من الاعصار وبات عليهم مواجهة خيارين بالقتل الاول جوعا وعطشا بسبب النقص في المساعدات الحكومية او غيابها والثاني على يد جنود خبروا القتل في العراق بحسب الحاكم ويستعدون لتوظيف خبرتهم من اجل حماية مخازن الاغذية والالبسة التي تركها اصحابها للنجاة بجلودهم وكلهم ثقة ان حاكم الولاية سيحميها بجوارحه من الجياع والمشردين اي من زبائنها المعتادين قبل الاعصار. ماذا لو يكنس الرئيس جورج بوش امام عتبة داره قبل ان يكنس امام عتبات الاخرين.ماذا لو يهتم الرئيس الامريكي بشعبه وينقذه من الجوع والاعاصير بدلا من القاء مواعظه على الدول الشرق اوسطية ومطالبتها بنشر البحبوحة والامن في ربوعها. لماذا لاينصرف الرئيس الامريكي الى نشرالامن والبحبوحة في جنوب بلاده. لماذا تنافق الادارة الامريكية في الحديث عن فقرائنا في حين تترك فقراءها يواجهون عراة الموت بالاعاصير والجوع والمرض.لماذا تضغط الولاياتالمتحدة علينا من اجل التخلي عن وسائل الامن والامان في بلداننا وان نحذو حذوها في زيادة عدد المياردريين وتحويل القسم الاكبر من الناس الى جائعين ومشردين وعاجزين عن مواجهة ابسط انواع المخاطر.لماذا لا يسحب الرئيس بوش جنوده من العراق و يعيدهم الى حيث اهاليهم الذين يواجهون خطر الموت .لماذا تقترف الادارة الامريكية الفساد وتتلاعب بموازنات السدود والشواطئ لتغطية نفقات حرب العراق وزيادة الارقام المصرفية للشركات الامريكية المستفيدة من هذه الحرب. متى يقول الامريكيون لرئيسهم ومتى يقول له العالم كفى عبثا بمصير الشعب الامريكي وشعوب الشرق الاوسط. لن يتاخر اعصار كاترينا عن طرح هذه الاسئلة وقد بدأت تطرح للتو. والراجح ان هذا الاعصار سيطيح برئيس امريكي دخل تاريخ بلاده بواسطة أعاصيرفبركها بنفسه في العراق تارة وحملتها اليه الطبيعة عبر كاترينا تارة أخرى..اثناء اجازته. بين اعصارين بهذا الحجم من الصعب ان يخرج الرئيس الامريكي سالما.