من حق الذين يتذكرون وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادات أحزاب «اللقاء المشترك» في منتصف عملية القيد والتسجيل عام 2002 على طريق الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003 وما انطوى عليه ذلك المؤتمر الصحفي من اتهامات مصحوبة بأحكام قاطعة ومانعة من حقهم ان يروا فيه دليلا ً آخر على انعدام التوازن في سلوك أولئك السياسيين الذين قدموا صورة سوداوية لعملية القيد والتسجيل آنذاك ، على نحوٍ طافحٍ بالخيبة واليأس والإحباط، إلى الدرجة التي خلقت انطباعاً لدى بعض الدبلوماسيين والمراقبين الأجانب بأنّ محصلة القيد والتسجيل ستكون بالغة السوداوية والهزال، بينما جاءت النتائج النهائية مخالفةً لأهداف ذلك المؤتمر الصحفي الذي اتضح الآن بأنّه كان أشبه بمناحة يائسة على مقربةً من عرس كبير وهو ما يكررونه هذه الايام في الطريق الى الانتخابات الرئاسية والمحلية التي ستجري في الثلث الاخير من سبتمبر القادم 2006 م !! كان بإمكان قادة أحزاب « اللقاء المشترك» أن يضعوا حدوداً معينة لحالة الهيستيريا التي طغت على تصرفاتهم خلال المشهد المؤسف الذي ظهروا فيه اثناء مؤتمراتهم الصحفية التي سبقت الانتخابات البرلمانية قبل ثلاث سنوات ، وبشروا فيها دول العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الاميركية بنصر مؤزر واستعداد مطلقلتعاون بلا حدود مع واشنطن ، على نحو افضل من المؤتمر الشعبي العام .. لكنا نتذكر ايضا أن الهيستيريا «المشتركة» فاقت كل تصور، وبلغت ذروتها عندما أخطأ قادة تلك الأحزاب في حق القوات المسلحة والأمن، وأفرطوا في إطلاق سيل عرمرم من التصريحات المتشنجة التي أنطوت على غمز ولمز تجاه موقف القوات المسلحة إزاء عملية القيد والتسجيل والانتخابات، وبالتالي إزاء العمليات الانتخابية اللاحقة!!. لم يكتفِ قادة «اللقاء المشترك» آنذاك بذلك الكم الهائل من التصريحات والحملات الإعلامية المحمومة تجاه القوات المسلحة والمؤسسات والأجهزة الأمنية ، بل أنّهم اقتحموا منطقة شديدة الحساسية والخطورة ، حينما وجهوا نداءً ملتبساً استغاثوا فيه بالقوات المسلحة ودعوها إلى الانحياز للشعب وحماية الديمقراطية ؟؟!! ولا يحتاج المرء إلى جهدٍ كبير ليكتشف ما اشتمل عليه ذلك النداء الملتبس من تحريض مموّه للقوات المسلحة ضد السلطة المنتخبة وحزب الأغلبية !! بوسع الذين يتذكرون مضمون ذلك النداء الذي اثار جدلا كبيرا قبل ثلاث سنوات ، ان يعودوا اليه حيث سيتوصلون إلى قناعةٍ بأنّ الذي كان يتحدث عبر ذلك النداء الموجه إلى القوات المسلحة هو « لا عقل» أحزاب « اللقاء المشترك « وليس عقلها !. لاريب في ان معنى ذلك النداء – الاستغاثة هو وقوع خطر متحقق وملموس على الديمقراطية ، يستدعي قيام القوات المسلحة بواجبها الدستوري لحماية الديمقراطية ، وردع الخارجين على شرعيتها الدستورية أو المتآمرين عليها بعد ثبوت الواقعة ، ولعل ذلك يفسر تحول احزاب (( اللقاء المشترك)) من محاولة تحريض القوات المسلحة للانقلاب على الديمقراطية عام 2003 الى محاولة تحريض الشارع عام 2006 للانقلاب عليها عبر ما اسماها احدهم وروجت لها صحافتهم (( الثورة الشعبية )) !!! والثابت أنّ ثمّة آليات دستورية واضحة تحدد الأسس والوسائل والمؤسسات التي يتم بواسطتها واستناداً إليها طلب تدخل القوات المسلحة او طلب العودة الى الجماهير لأداء واجبها الدستوري والانحياز للشرعية الديمقراطية في حالة الخروج على الأسس الدستورية للنظام السياسي التعددي، وحدوث خطر بائن أصابها بضرر متحقق.. ولعل قام به قادة أحزاب «المشترك» عام 2003 وكرروه مرة اخرى عام 2006 في هذا الصدد ، يُعد قفزاً على هذه الآليات الدستورية ، وتجاوزاً للوظائف الشرعية التي تضطلع بها المؤسسات الدستورية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، و لا نبالغ حين نقول إنّ أحزاب (( اللقاء المشترك )) لجأت بسبب عجزها المزمن وكساحها المشوه إلى آليات التشكيك بالقوات المسلحة أحياناً ، وتحريض الشارع للقيام بالثورة الشعبية ضد النظام السياسي أحياناً أخرى ، وهو سلوك ملتبس وغير ديمقراطي وغير دستوري في آنٍ واحدٍ!!؟ لا يجوز – بأي حال من الأحوال – التوجه إلى القوات المسلحة او الجماهير الشعبية بطلب أداء واجبها الدستوري في الدفاع عن الديمقراطية وحمايتها انطلاقاً من افتراضات يصدرها اللاعقل السياسي لبضعة أحزاب خارج المؤسسات الدستورية المعنية بهذا الاختصاص، لأنّ إعلان انحياز القوات المسلحة والجماهير الشعبية للدستور أو طلب تدخلها لحماية الديمقراطية من خطر الانقلاب عليهما يتمّان من خلال المؤسسات الدستورية فقط أو الانقلاب عليها بطريقة غير دستورية ، وبشرط وقوع الخطر بصورة بائنة وقاطعة، وليس بناءً على أوهام مريضة أو حسابات مفترضة أو مكايدات حزبية. يقيناً أنّ نتائج الحراك السياسي الذي تحقق الآن تُعد مكسباً عظيماً للديمقراطية في بلادنا ، والمطلوب هو الحفاظ عليها وتطويرها.. وإذا كان من حق حزب السلطة وأحزاب المعارضة تسجيل نقاط ومكاسب سياسية وحزبية في الطريق الى الانتخابات القادمة ، فإنّ هذا الحق لا يبرر الالتفاف على الديمقراطية بوسائل غير قانونية. ويبقى القول إنّه من حق الديمقراطية على الأحزاب السياسية الاحتكام دائما في حل المنازعات السياسية الى مائدة الحوار او إلى الجهة الوحيدة التي يقع على عاتقها واجب تطبيق القانون ومحاسبة الخارجين عليه ، وهي السلطة القضائية .. وحين يتحقق ذلك ، ويقول القضاء كلمته العادلة ستكسب الديمقراطية نقاطاً جيدة وزخماً جديداً ، على نحو افضل من تلك النقاط التي يتم تسجيلها بالمساومات والابتزازات عبر الابواب الخلفية والغرف المغلقة !!. [email protected]